في طريق الاصلاح
الشيخ حسين المؤيد
من المواضيع ذات الأهمية الكبيرة و التي يجب أن تحظى باهتمام المؤرخين و الدعاة و الباحثين من أهل السنة و الجماعة ، تسليط الضوء و بمعطيات علمية على حقيقة أن العشائر العراقية بشكل عام هي سنية المعتقد و التاريخ ، و أن التشيع المذهبي لم يطرأ على هذه العشائر إلا في حقبة متأخرة و بفعل عوامل لا تمت الى التحول من خلال قناعة معرفية .
إن بلاد الرافدين منذ دخولها في الإسلام كانت على منهج أهل السنة و الجماعة ، و قد تأسست حواضرها بعد الإسلام على أسس سنية ، فالبصرة و الكوفة تأسستا في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه و أرضاه ، و حكمهما السنة منذ ذلك العهد ، و بغداد عباسية التأسيس و الحكم و واسط و الأنبار سنيتان تأسيسا و تاريخا .
إن التشيع الذي كان في العراق في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه و أرضاه و في خلافة ابنه الحسن رضي الله عنه كان تشيعا روحيا و سياسيا و لم يكن تشيعا مذهبيا على الرغم من محاولات السبئية نشر التشيع المذهبي بمختلف السبل ، بيد أن التشيع المذهبي ( السبئي ) كان محدودا ثم كان يتراوح بين المد و الجزر دون أن يحصل على مساحة واسعة . و لهذا ظلت العشائر العراقية سنية المعتقد و الثقافة و السلوك ، و لم يدخلها التشيع المذهبي غالبا إلا في التاسع عشر الميلادي و بعده لعدة عوامل منها تقصير المؤسسة الدينية السنية آنذاك في التواصل المستمر دعويا مع العشائر في مقابل نشاط شيعي كان ينطلق من النجف و كربلاء باتجاه تلكم العشائر و تشجيع ملوك إيران الشيعة في عهد القاجاريين على نشر التشيع المذهبي في العراق ، و استغلال بعض التصرفات الجائرة لبعض الولاة العثمانيين إزاء العشائر ، و فرض التجنيد الإجباري على السنة و استثناء الشيعة المحسوبين على إيران و غير ذلك من العوامل مثل المصاهرات و تشييد ملوك إيران للمراقد و دور المآتم الحسينية المدعومة من إيران و ترويج الثقافة الشيعية في واقع كان يعاني من الأمية المتفشية و نقص مصادر العلم و الثقافة .
أستطيع التأكيد على أن التحول المتأخر الذي حصل لدى عشائر الجنوب و الفرات الأوسط لم يكن ناتجا عن اقتناع و بحث علمي و اكتشاف حقائق ، و إنما كان بفعل سذاجة و جهل و حسن ظن و عوامل تفاعلت على أرض الواقع ، ثم تعاقبت الأجيال على ذلك بحكم التبعية للبيئة و التربية و التنشئة في ظل تصحر العمل الدعوي السني الذي كان يجب أن يكون فاعلا منذ البداية لمنع انتشار و ترسيخ الحالة الطارئة .
أرى لا بد من إعادة تفعيل النشاط الدعوي السني في العشائر الشيعية و التركيز على جيل الشباب و المثقفين و التأكيد على النقطة المحورية و هي أن التعصب الطائفي في العشائر الشيعية ليس عن قناعة معرفية و يجب شرح ذلك للشيعة من أبناء العشائر فهذا التعصب لا يوجد له أي تبرير معرفي لذلك يجب العودة الى الأصل السني ، الى الحالة الأصيلة التي كانت تربط عشائر الشيعة بالنسيج المجتمعي للأمة العربية كلها قبل أن تعزلهم الحالة الطارئة و تؤجج في نفوسهم مشاعر التنكر لأجدادهم و أبناء عمومتهم بل لعقيدتهم الصحيحة التي دخل بها الإسلام اليهم .
أعتقد أن على أبناء العشائر السنية في العراق مسؤولية و دورا في هذا المجال من خلال التأثير على من ينتمي الى عشائرهم من الشيعة ليستنقذوا هؤلاء من الضلال و العبودية التي أوصلهم إليها التشيع المذهبي الذي هو ليس سوى انشقاق عن عقيدة الأمة و جماعتها و الذي لا ينتمي الى أهل البيت إطلاقا و إنما استغل عنوان الولاء لأهل البيت لتمرير منظومة الإنشقاق .
كانت هناك تجارب رائدة نجحت في إنقاذ كثير من أبناء العشائر من الشيعة ليعودوا الى الحق الذي قال عنه رسول الله صلى اللهرعليه و سلم ( ما أنا عليه و أصحابي ) . و لقد حدثني أخي المفضال الدكتور الشيخ سامي الجنابي عن بعض هذه التجارب الناجحة التي كانت تشق طريقها لولا محاربة النظام السابق لها . و لقد آن الأوان بعد الواقع المرير الذي عاشه العراق بعد الإحتلال الأمريكي الغاشم و بعد محاولات النظام الإيراني العنصري الطائفي لاستغلال العشائر الشيعية لمشروعه الإمبراطوري القومي بواجهات شيعية يحتال بها على الشيعة العرب ، أقول آن الأوان لإعادة النشاط الدعوي السني لانتشال العشائر الشيعية من هذا المستنقع الذي جعلها تغيِّب العقل و تفقد الكرامة و تغرق في الضلالة . و ينبغي أن يكون هذا النشاط بحكمة و معرفة و صبر و حسن خلق و هو لا شك لون من الجهاد الرسالي في سبيل الإسلام و سيبارك الله عزّ و جلّ فيه . ( و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون وستردّون الى عالم الغيب و الشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ) .
الشيخ حسين المؤيد
السابق