صحيفة الأحداث الجزائرية تحاور
الإمام المؤيد |
 |
نشرت صحيفة الأحداث الجزائرية حوارا
مع سماحة العلامة الشيخ حسين المؤيد في عددها هذا اليوم
الأربعاء الموافق 12/10/2011 وفيما يلي نص الحوار: |
|
|
 |
ما قامت به قناة نسمة عمل مشين
ويعدّ انتهاكا للمقدسات والحرمات
- الثورات العربية حققت انتقالة تاريخية إلى واقع جديد تتجسد فيه
إرادة الشعوب
- بيان جمعية علماء اليمن خرج عن السياق الذي يجب أن يسير عليه
- تراجع الدور الجزائري في العالم العربي ألحق بنا أثرا بالغا
- للجزائر موقع رائد وخاص في تاريخ النضال العربي
يحدثنا العلامة العراقي الشيخ حسين المؤيد في هذا الحوار الذي
جمعنا به عن مختلف آرائه حول القضايا العالقة في العالم عموما وفي
البلاد العربية والجزائر على وجه الخصوص، فيرى الإمام أن الثورات
العربية ستنعكس إيجابا على الدول التي قامت فيها، مبرّراً ذلك بأن
الشعب الذي يرجو الحرية من التسلّط والدكتاتورية قادر على النهوض
بنفسه إلى ما هو أبهى له. وأكّد في سياق غير بعيد عن ذلك أن البيان
الذي أصدرته جمعية العلماء المسلمين اليمنيين باطل ويعطي صورة سيئة
عن الإسلام، أما عما حدث مؤخرا من مجريات وأزمة بقناة نسمة
التونسية حول الرسوم الكرتونية الإيرانية التي بثت عليها، والتي
جسدت الذات الإلهية، فقد استنكر الإمام ذلك وأكّد أنه محرم شرعا في
الدين الإسلامي مهما اختلفت الطوائف المنتمية إليه.
كسياسي عراقي ومرجعية دينية
لها نظرتها حول ما يدور في العالم العربي والإسلامي والدولي، نودّ
أن نعرف وجهة نظركم حول انعكاسات الثورات العربية على مستقبل
العالم العربي المرتقب؟
|
|
الإمام المؤيد |
أعتقد أن الثورات العربية جاءت
نتيجة لأزمة عميقة تعيشها المجتمعات في المنطقة على أكثر من صعيد،
وهي أزمة مزمنة تفاعلت فيها تراكمات ومضاعفات ما كان لها أن تنفجر
لو عولجت بما تفرضه الاستحقاقات التي يؤدي إهمالها إلى أوضاع
خطيرة. وقد عبّر الشعب -في الأقطار العربية التي انتفض فيها على
واقعه المرير- عن تطلعاته للحرية والديمقراطية والعدالة
الاجتماعية، وكلها حقوق أساسية مشروعة لا يستقيم مجتمع بدونها. ومن
هنا، اتسمت الثورات العربية بالمشروعية والعدالة بحكم مشروعية
وعدالة المطالب التي نادت بها. وقد أثبتت الثورات العربية مدى
البون الشاسع بين الشعوب والأنظمة، وعدم قدرة الأنظمة في تلك
الأقطار على استيعاب الواقع والتعامل الإيجابي معه، الأمر الذي أدى
إلى تهاوي هذه الأنظمة. لا شك في أن الثورات العربية فتحت
لمجتمعاتنا العربية آفاقا مشرقة، وأنهت حالة الرتابة والركود،
وكسرت حاجز الخوف والرهبة، وأعطت للناس زخما كبيرا للتحرك، وجرأة
في الإقدام على التغيير والإمساك بزمام المبادرة، إن تأثير هذه
الثورات على مستقبل العالم العربي إيجابيا رهن بمستقبل هذه الثورات
ونجاحها في تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها، ومدى نجاحها في ضمان
استقلال القرار السياسي وإفشال محاولات القوى الكبرى في الهيمنة
والالتفاف على الحركة الجماهيرية واحتوائها، أعتقد أن الثورات
العربية إذا استطاعت أن تحقق أهدافها وأفشلت محاولات احتوائها
والالتفاف عليها، وحافظت على الهوية الجامعة وطنيا وقوميا وإسلاميا
فإن العالم العربي أمام مستقبل مضيء، وانتقالة تاريخية إلى واقع
جديد تتجسد فيه إرادة الجماهير، وتنطلق فيه طاقاتها الخلاقة
المبدعة لبناء المجتمع بناء حضاريا سواء على الصعيد الإنساني أو
التقني، إنني أعتقد أن الثورات العربية لن تقتصر انعكاساتها على
مستقبل العالم العربي فقط، وإنما ستكون لها انعكاساتها على الساحة
الدولية بأسرها.
|
|
 |
صدر مؤخرا لكم رد شديد اللهجة تجاه بيان جمعية
علماء اليمن بشأن فتوى تحريم المظاهرات، كيف تنظرون إلى انخراط بعض
علماء اليمن في خدمة الحاكم؟ ما هي نصيحتكم لهؤلاء؟
|
|
الإمام المؤيد |
لقد خرج بيان جمعية علماء اليمن عن السياق الذي
يجب أن يسير عليه العلماء في نصرة المظلومين وتأييد المطالب
العادلة والوقوف في الطليعة للدفاع عن مصالح العباد والبلاد
ومحاربة الظلم والفساد والاستبداد ومواجهة الظالمين والمفسدين.
ومما زاد الطين بلة محاولة جمعية علماء اليمن توظيف الدين الحنيف
وتطويعه للدفاع عن نظام فاسد مستبد، وإدانة ثورة جماهيرية سلمية
تطالب بالتغيير من أجل الكرامة والعدالة، فجاء بيان جمعية علماء
اليمن تشويها لتعاليم الدين وإساءة إلى الشريعة المقدسة التي يعتبر
رفض الظلم والفساد ومواجهتهما من أهم دعائمها وأبرز معالمها. إن
تقديم جمعية علماء اليمن صورة مشوّهة لتعاليم الإسلام سواء أكان
مقصودا بهدف خدمة الحاكم أو ناشئا من قصور علمي، فهو في كلتا
الحالتين مؤشر خطير على مستوى هذه الجمعية يدعو إلى التحفظ مما
يصدر منها باسم الدين والعلم.
لقد قمنا برد علمي على بيان جمعية علماء اليمن ثم نصحناهم وقلنا
لهم: (عليكم أنتم بتقوى اللّه عز وجل قبل أن تأمروا بها من أنتم
أحق منه بالائتمار بالتقوى، ولا تبيعوا دينكم بدنيا غيركم، ولا
تركنوا إلى الظالمين والمفسدين، وكونوا أنصارا للحق، كونوا للظالم
خصما وللمظلوم عونا، فالشعب اليمني باق والطغاة إلى زوال، حاسبوا
أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وقفوا الموقف الذي تسكن إليه ضمائركم أمام
الله والشعب والتاريخ).
إن علماء الأمة إذا أرادوا أن يكونوا ورثة الأنبياء بحق، وأن
يكونوا علماء ربانيين فيجب عليهم أن يكونوا دائما مع الحق، وأن
يدافعوا عن مصالح الأمة، لا أن ينحازوا إلى الطغاة والمستبدين
المستهترين بتطلعات شعوبهم التائقة إلى الانعتاق من الذل والهوان،
وتغيير الأوضاع الفاسدة.
|
|
 |
هل ترون أن أمريكا تتخذ مواقف عدائية بسبب دعمها
لإسرائيل وحمايتها لمصالحها في المنطقة وترجيحها على المصالح
العربية؟
|
|
الإمام المؤيد |
إن الولايات المتحدة الأمريكية قوة
إمبريالية ترسم سياساتها على هذا الأساس، وهي تعمل على الهيمنة
بأبعادها المتنوعة، وتتعامل مع العالم العربي والإسلامي من هذا
المنطلق. وقد اتجهت بعد انتهاء الحرب الباردة التي انتهت بسقوط
وانهيار الإتحاد السوفياتي إلى أن تكون القطب الأوحد وأن يكون
القرن الواحد والعشرون قرنا أمريكيا، واتجهت لصياغة وقيادة نظام
عالمي جديد، ووضعت خرائط جديدة لعالمنا العربي والإسلامي، معلنة
السير في تحقيق شرق أوسط جديد، وقد أتى غزوها واحتلالها الغاشم
للعراق كخطوة أساسية في هذا الاتجاه.
إن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب بشكل عام يرسم سياساته إزاء
العالم العربي والإسلامي على أساس إبقاء العرب والمسلمين تحت
الهيمنة الغربية، وإشغالهم بتناقضات ومشاكل داخلية تمنع من بروز
عالم عربي وإسلامي قوي قادر على فرض إرادته وحفظ تماسكه وكيانه،
والسيطرة على ثرواته وتوجيهها في التنمية، والانطلاق نحو بناء نهضة
حضارية واعدة، وبعبارة موجزة يقف الغرب بشكل حازم ضد النهضة
العربية الإسلامية التي تحافظ على الأصالة وتنفتح على المعاصرة.
إن هذه السياسة الأمريكية والغربية تخلق بين أمريكا والغرب من جهة
والعرب والمسلمين من جهة أخرى حالة العداء والكراهية، وتولد الغضب
والمواجهة.
وتأتي حماية الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل
والعمل على ضمان وجودها وأمنها وتفوقها في المنطقة واستخدامها
كقاعدة متقدمة للغرب في قلب العالم العربي والإسلامي ضد نهضة العرب
والمسلمين ومصالحهم وكأهم أدوات السياسة الغربية التي تحدثنا عنها
قبل سطور لتضع الغرب وأمريكا في واجهة العداء مع العرب والمسلمين،
وهذه حقيقة يجب أن لا تغيب عن بال أي عربي ومسلم.
|
|
 |
ما هو تقييمك لأداء ودور الجامعة العربية برئاسة
العربي؟
|
|
الإمام المؤيد |
لم تمض فترة كافية على رئاسة
الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية لكي تعطى تقييمات
موضوعية لإدارته ولحركة الجامعة العربية، لقد تولى الرجل الأمانة
العامة في ظروف بالغة التعقيد، وفي مرحلة استثنائية يمر بها العالم
العربي، وفي وضع ومناخ انفجر فيه صراع الشعوب مع الأنظمة، وهو ما
يزيد عمل الأمين العام لجامعة الدول العربية تعقيدا، مضافا إلى أن
جامعة الدول العربية كمؤسسة تواجه تحديا في الوجود والاستمرار،
الأمر الذي يفرض على الأمين العام لها أن يكون بمستوى التحدي دفاعا
عن وجود الجامعة العربية ودورها، وإنني من أشدّ المدافعين عن وجود
الجامعة العربية ودورها، والداعين إلى تطوير عملها وتفعيل دورها
وترسيخ مكانتها.
|
|
 |
رياح التغيير هل هي قادمة من الخارج أو من
الداخل؟ وما المصير المنطقي لتونس ومصر واليمن وليبيا وسورية بعدما
خاضته من ثورات حسب رأيكم؟
|
|
الإمام المؤيد |
لما تفجرت الثورة في تونس كان تفجرها فعلا
جماهيريا من الداخل أحدث صدى تاريخيا في المجتمع العربي، وأشعل
شرارة الثورة في مصر. وقد كانت ثورة مصر بحق حركة شعبية عارمة
استطاعت أن تفرض التغيير على أرض الواقع، وشكّلت دافعا أقوى
لانطلاقة الجماهير في أقطار عربية أخرى، ورغم محاولات الغرب
وأذنابه احتواء الثورات العربية والالتفاف عليها، إلاّ أن يقظة
الشعب وحضوره الفاعل لا يزال يحمي الثورة في تونس ومصر واليمن،
ونتطلع إلى أن تتحكم إرادة الجماهير وتتغلب على التدخل الأجنبي
ومآربه في الأقطار الأخرى.
إن مصير الأقطار العربية التي نهض فيها الشعب وقام بثورته رهن
بالوعي والحضور الجماهيري، وببسالة الجماهير في تجسيد إرادتها
وصيانة ثورتها من الطامعين والمستغلين والساعين إلى احتوائها
والالتفاف عليها، ورهن بما يحققه الشعب بإرادته ووعيه وصموده من
أهداف الثورة.
|
|
 |
هل تتوقعون أن تنتقل إلى الجزائر الانتفاضة التي
حدثت في تونس ومصر واليمن وليبيا وغيرها من أقطار عربية؟
|
|
الإمام المؤيد |
قلت في جوابي على السؤال الأول إن الثورات
العربية جاءت انعكاسا لأزمة عميقة تعيشها مجتمعاتنا العربية على
أكثر من صعيد، وهي أزمة مزمنة تفاعلت فيها تراكمات ومضاعفات ما كان
لها أن تنفجر لو عولجت بما تفرضه الاستحقاقات التي يؤدي إهمالها
إلى عواقب خطيرة، وليست الجزائر استثناء عن هذه الحالة التي تعيشها
مجتمعاتنا العربية، بل تجد فيها من عوامل الحراك ما في غيرها من
الأقطار التي حصلت فيها ثورات وانتفاضات، أضف إلى ذلك أن للجزائر
مكانتها التاريخية في نفوسنا وفي تاريخ النضال العربي، وإننا كعرب
يؤلمنا تراجع الدور الجزائري وانكفاءه، ونرى في تعطيل هذا الدور
الفاعل والحضور المؤثر ضررا بالغا على واقعنا العربي، كل ذلك يقود
تلقائيا إلى توقع حالة مماثلة، وهذا ما لم يغب عن المسؤولين في
الجزائر أيضا، إن الثورة ليست في حد ذاتها هدفا، وإنما هي وسيلة
لوصول الشعب للغايات التي يتطلع إليها، لذا فإننا ندعو إلى أن
يسارع النظام إلى استيعاب المرحلة ومتطلباتها والمبادرة إلى
التعامل مع الاستحقاقات التي يؤدي إهمالها إلى عواقب خطيرة.
|
|
 |
السؤال الأخير يتعلق بقناة النسمة المغاربية
التي تعرضت مؤخرا لهجوم من قبل توانسة متدينين وذلك لعرضها لفيلم
كرتوني يجسد الروح الإلهية، ما تعليقكم حول الموضوع؟
|
|
الإمام المؤيد |
لا يجوز بحال تجسيد الروح أو الذات الإلهية، فما
قامت به هذه القناة -حسبما نقلته الأخبار هو عمل مشين ومحرم ويعدّ
انتهاكا للمقدسات والحرمات، وإذا كان تجسيد الروح الإلهية في سياق
فيه استخفاف فهذا ما يضاعف من الإثم والإساءة والجرم، وبما أن
العمل منكر ومحرم فيجب إنكاره حسبما تقتضيه أحكام الشريعة في النهي
عن المنكر وإنكاره مع الالتزام بالضوابط الشرعية في هذا المجال،
ومن الواضح أن تونس بلد مسلم والشعب التونسي شعب مسلم لا يمكن أن
يرضى بانتهاك أحكام الإسلام والإساءة إلى المقدسات، ولا يمكن تبرير
مثل هذه الإساءة بعنوان حرية التعبير، فالحرية المسؤولة تأبى
الإساءة إلى المقدسات والقيم وعقيدة الناس، والحرية المنفلتة ليست
قيمة إنسانية، وإنما هي تسيب وتحلل مرفوض يفضي إلى الفوضى
والاضطراب المجتمعي.
|
|
|
حاورته: فاطمة حمدي |