الإمام المؤيد يشارك في ندوة حوار إلكترونية
أقامها مركز الدراسات العربي - الأوروبي للإجابة على سؤال :-
هل ستطرأ متغيرات على مستقبل العلاقة العربية -
الأمريكية بعد رفض واشنطن الإعتراف بدولة فلسطينية كاملة العضوية في الأمم
المتحدة ؟ .
شارك سماحة
العلامة الشيخ حسين المؤيد في ندوة حوار إلكترونية أقامها مركز
الدراسات العربي - الأوروبي و مقره باريس للإجابة على السؤال التالي :-
هل ستطرأ متغيرات على مستقبل العلاقة العربية - الأمريكية بعد رفض واشنطن
الإعتراف بدولة فلسطينية كاملة العضوية في الأمم المتحدة ؟ .
و قد أجاب سماحة الإمام المؤيد على السؤال بما يلي :-
مما لا شك فيه هو أن السياسة التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية منذ قيام
الكيان الصهيوني الغاصب و حتى الحال الحاضر و التي تجسد انحيازا أمريكيا واضحا
لهذا الكيان و دعما غير محدود له - على الرغم من كل ما ارتكبه من ظلم و إجرام و
تجاوز و تعنت و تآمر - قد أثرت تأثيرا سلبيا على العلاقة العربية - الأمريكية
سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي حتى باتت عقدة العقد في هذه العلاقة بحكم ما
أوجدته من حاجز نفسي بين الطرفين , و بحكم ما خلقته من انطباعات و تصورات سلبية
عند العرب عموما ليس إزاء السياسة الأمريكية فحسب , و إنما إزاء ما رفعته
الولايات المتحدة الأمريكية من شعارات و نادت به من قيم , و إزاء النموذج
الحضاري الذي ما فتئت تبشر به , فكان موقفها من الكيان الصهيوني يشكل ضربة
جوهرية لمصداقيتها السياسية و الحضارية , و أفضى ذلك كله الى حالة عدائية ليس
لمجرد العمل بالمبدأ القائل (صديق عدوي عدوي ) , و إنما لأجل أن الولايات
المتحدة الأمريكية قد اتخذت مواقف عدائية في حقيقتها للعرب بسبب دعمها للكيان
الصهيوني و حمايتها لمصالحه في المنطقة و ترجيحها على المصالح العربية , بل و
لو كانت على حساب المصالح العربية .
و قد توجت الولايات المتحدة الأمريكية مواقفها العدائية تلك بغزوها الغاشم
للعراق و احتلاله والعمل على إيجاد شرق أوسط جديد يقوم على التفتيت و التمزيق و
القضاء على الهوية الوطنية و العربية و الإسلامية الجامعة لحساب هويات عرقية و
طائفية لتحقيق عدة أهداف من أبرزها تأمين مصلحة الكيان الصهيوني و ضمان
استمراريته و تفوقه في المنطقة .
و الحقيقة إن الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل لم يكن موقفا معاديا للفلسطينيين
فحسب , و إنما كان موقفا معاديا للعرب عموما بحكم السياسة الأمريكية التي اتجهت
و لا تزال الى الحفاظ على المصالح الإسرائيلية و العمل على ترجيح كفتها على
المصالح العربية , و ضمان تفوق إسرائيل على العرب . و قد تعاملت الإدارات
الأمريكية المتعاقبة مع العرب بقدر كبير من الفوقية و الإستهتار و الإستخفاف لا
سيما فيما يتصل بإسرائيل و الصراع العربي - الصهيوني . و ليس خفيا أن السياسة
الأمريكية في المنطقة ترسم في ضوء المصالح الإسرائيلية , و ليس في ضوء ما يجب
أن تقوم عليه السياسة في العلاقات الدولية من رعاية المصالح المشتركة لأطراف
العلاقة . و زاد الأمر تعقيدا أن جملة من الذين يديرون السياسة الأمريكية
تخطيطا و تنفيذا يحملون عقلية صهيونية أو متصهينة معادية للعرب و الثقافة
العربية و الإسلامية , و موالية لإسرائيل . بل طالما كان الخطاب السياسي
الأمريكي يؤكد على القيم المشتركة بين أمريكا و إسرائيل الأمر الذي يعني إشتراك
القيم الأمريكية مع القيم الصهيونية التي هي قيم عدائية للعرب و ثقافتهم و
قيمهم مما يجعل الولايات المتحدة الأمريكية بطبيعة الحال في موقف العداء للعرب
.
و على الرغم من وجود مصالح حيوية للولايات المتحدة الأمريكية في العالم العربي
على أساس جملة امور في مقدمتها البترول العربي و الموقع الستراتيجي للعالم
العربي , مضافا الى حاجتها للعرب في المعادلات و التوازنات الدولية , و كون
العالم العربي محورا ثقافيا له تأثيره الكبير بحكم ثقافته على الساحة الدولية ,
و سوقا إقتصادية على درجة عالية من الأهمية , إلا أن الإدارات الأمريكية ضربت
ذلك كله عرض الحائط لحساب المصالح الصهيونية و الإسرائيلية .
لا يستطيع أحد إنكار حقيقة أن المناخ الذي يلابس العلاقة العربية - الأمريكية
ليس مناخا مواتيا و لا طبيعيا , و أن العالم العربي يعيش حالة من غليان الغضب
ضد السياسة الأمريكية إزاء العرب عموما و القضية الفلسطينية على وجه الخصوص . و
قد وصلت التراكمات حد الإنفجار و تجسد في وجود ما سمي بالتطرف و الإرهاب ,
لاسيما و أن طريق الحل السلمي وصل الى نفق مظلم مسدود بحكم التعنت الإسرائيلي
المدعوم أمريكيا دعما غير محدود الأمر الذي عمق الشعور بالإحباط لدى العرب , و
زاد في تأجيج الغضب العربي .
إن ذهاب السلطة الفلسطينية بعد سنوات طوبلة من المفاوضات - ولم يكن هدف
الإسرائيلي منها إلا تضييع الوقت و الحق الفلسطيني - الى مجلس الأمن لتثبيت حق
الفلسطينيين في دولة لهم على جزء من أراضيهم أقر المجتمع الدولي بأنه جزء
احتلته إسرائيل بالقوة ومن ثم لايعترف المجتمع الدولي بخضوعه لما يسمى بالسيادة
الإسرائيلية , هو حق للفلسطينيين لايجوز بحال التنكر له دوليا , و هو وسيلة
للضغط على إسرائيل للإعتراف بالدولة الفلسطينية و حق الشعب الفلسطيني بإقامة
دولته المستقلة على أرضه كواقع يفرض نفسه . و لو كانت الولايات المتحدة
الأمريكية جادة في إيجاد حل سلمي للقضية الفلسطينية لكان اللازم عليها أن تبادر
الى تأييد الفلسطينيين للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة , إلا أن
الرفض الأمريكي دل - مضافا الى الإنحياز الكامل لإسرائيل من غير وجه حق و إن
أدى ذلك الى ضرب المصالح العربية - على عدم جدية الولايات المتحدة الأمريكية في
الوصول الى حل يحقق الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية , و ما ذاك إلا رعاية
للمصالح الإسرائيلية .
إن هذا الموقف الأمريكي يمثل قمة السلبية , و يؤدي الى خلق أجواء إضافية من
العداء و الكراهية بين العرب و أمريكا , لا سيما في ظل التطورات و التحولات
التي يعيشها العالم العربي و ما نجم و سينجم عن الثورات العربية من أوضاع
سياسية و اجتماعية تمكن الشعب العربي أكثر على تجسيد إرادته و تحقيق مشاركته
الحقيقية في صنع النظام و القرار السياسيين .
لاشك في أن متغيرات ستطرأ على مستقبل العلاقة العربية - الأمريكية في ظل رفض
واشنطن للعضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة , و ستتجلى هذه
المتغيرات على أكثر من صعيد , و سيؤثر ذلك سلبا على نفوذ الولايات المتحدة
الأمريكية حتى على الساحة الدولية , و سيكون فقدانها احترامها الدولي أحد
مؤشراته .
إن مستقبل العلاقة العربية - الأمريكية لن يكون أفضل من ماضي و حاضر هذه
العلاقة , بل سيكون بكل تأكيد أسوء منه .
بغداد القسم الإعلامي في مكتب الإمام المؤيد 1-10-2011
السابق