الإمام المؤيد يشارك في ندوة حوار إلكترونية لمركز الدراسات
العربي - الأوروبي للإجابة عن السؤال التالي : هل هناك مخطط لتهجير مسيحيي
الشرق ؟
21/05/2011
شارك العلامة الشيخ حسين المؤيد في ندوة حوار إلكترونية أقامها
مركز الدراسات العربي - الأوروبي و مقره باريس للإجابة عن السؤال التالي :
هل هناك مخطط لتهجير مسيحيي الشرق ؟
وقد أجاب سماحة الإمام المؤيد على السؤال بما يلي :
إن الراصد لمجريات الأحداث إقليميا و دوليا ، و المطلع على تاريخ الحركة
الرسالية -الإجتماعية للمسيحية ، و المدرك لواقع السياسة الدولية و خلفياتها و
منطلقاتها ، يستطيع أن يؤكد وجود مخطط قديم جديد يستهدف مصادرة مسيحيي الشرق و
تحويلهم الى لون باهت في لوحة المسيحية العالمية .
لقد ولدت المسيحية في القلب النابض للمشرق سواء على مستوى مكان ولادة السيد
المسيح عليه السلام المولود في بيت لحم و المترعرع في الناصرة بفلسطين ، أو على
مستوى مكان ولادة الدين المسيحي و حاضنته الأولى و قاعدته التي إنطلق منها الى
العالم ، حيث ولدت المسيحية و إنطلقت من فلسطين قلب المشرق و كان إنتشارها
الأول في المشرق ، ولم يبدأ إنتشارها في روما الا سنة واحد و ستين للميلاد و
بشكل محدود . وقد عانت المسيحية منذ ولادتها و خلال المراحل الأولى لإنتشارها
من إضطهاد الإمبراطورية الرومانية التي كانت تسيطر على أجزاء واسعة في المشرق .
وقد تجذرت المسيحية في المشرق و كان لها كيانها الضخم و كان المشرق المركز
الأول للمسيحية ، و كانت الكنيسة الشرقية عاصمة المسيحية العالمية . و بعد أن
تنصرت الإمبراطورية الرومانية و إكتسبت زخما دينيا مسيحيا كان هناك دافع سياسي
كبير يدفع بإتجاه تحويل مركز المسيحية و مرجعيتها الكنسية الى الغرب و تعزز ذلك
بعد إنتشار المسيحية في أوروبا الغربية و تبني ملوك و دول الغرب لها ، و تم
العمل على هذا الموضوع الأمر الذي جعل مركزية الكنيسة الشرقية مستهدفة ، و
بالتالي جرى العمل على إخضاع مسيحيي الشرق للكنيسة الغربية و جعلهم وجودا تابعا
لها و هو أمر لم يوفق فيه الغرب كل التوفيق لأن الكنيسة الشرقية أصرت على
المحافظة على أصالتها و على تقاليد الكنيسة الأولى حتى وقع إنفصال الكنيسة
الشرقية و المسيحيين الشرقيين الأورثوذكس عن روما سنة 1054 م .و قد ظلت الكنيسة
المشرقية و المسيحيون المشرقيون بما لها و لهم من تاريخ أصيل في المشرق و في
المسيحية نفسها تحديا للغرب كان يسعى الى التعامل معه من أجل مصادرته و تذويبه
. و كانت جهود المصادرة و التذويب تتبدد بفعل قوة إنتماء المسيحيين الشرقيين
الى أوطانهم و ثقافتهم الشرقية فهم يرتبطون إرتباطا وثيقا بالتاريخ الوطني
لشعوب الشرق و قد تفاعلوا مع ثقافة الشرق التي ساهموا في صناعتها كما أن لهم
تأريخا مشهودا في الإنفتاح و التفاعل مع الإسلام و المسلمين .
و اما المسيحيون الشرقيون الذين رجعوا الى أسقف روما و الذين يؤلفون
الكاثوليكية في المشرق فهم و إن رجعوا الى كنيسة روما دينيا و لإعتبارات دينية
على أساس أن السيد المسيح عليه السلام قال للقديس بطرس و هو أول أساقفة روما
أنه الصخرة التي سيبني عليها كنيسته الأمر الذي فهم البعض منه انه قد اختير
زعيما أعلى لهذه الكنيسة و أن البابا في روما هو خليفة القديس بطرس الا أنهم
حافظوا على إنتمائهم المشرقي شأنهم شأن إخوانهم الأورثوذكس .
و هكذا نجد أن الغرب كان و لايزال يعمل على مواجهة ما يعتبره تحديا يتجسد في
الكنيسة الشرقية و مسيحيي الشرق . و كانت هناك مفاصل تاريخية أكدت للغرب ذلك و
على سبيل المثال موقف المسيحيين مع المسلمين في جبهة واحدة في مواجهة مايسمى
بالحروب الصليبية ، و موقف المسيحيين مع المسلمين في مواجهة حركات الإستعمار
الغربي .
لقد شكل الوجود المسيحي في الشرق ميزة للشرق و للحضارة الإسلامية و للعالم
الإسلامي الأمر الذي أزعج الغرب بدوائره السياسية و الثقافية و الدينية .
ان الدوائر الغربية التي تتبنى فكرة صراع الحضارات و الدوائر الغربية التي
تتبنى خارطة تقسيمية جديدة للمنطقة تحاول توظيف مسيحيي الشرق في هذا الإتجاه و
هي تدرك أن هذه المحاولة غير ناجحة و ليس بإمكانها تحقيق كامل أهداف المشروع
الغربي و من ثم فإن تلكم الدوائر تعمل على بعدين أساسيين :
الأول : مصادرة الوجود المسيحي في الشرق و تذويبه في المسيحية الغربية .
الثاني : ضرب المسيحيين في الشرق اما مباشرة أو من خلال مايسمى بالتطرف
الإسلامي لخلق هوة عميقة بين المسيحيين و المسلمين و تشويه صورة الإسلام و
تدمير نموذج التعايش الإسلامي -المسيحي من أجل تمزيق النسيج الإجتماعي و تسهيل
عملية التجزئة و التقسيم مضافا الى معاقبة المسيحيين على وطنيتهم .
ان الصهيونية العالمية و من أجل ترسيخ الكيان الإسرائيلي في المنطقة و ضمان
الدولة اليهودية تعمل على خلق صراع إسلامي -مسيحي و هي غير مهتمة بأن يذهب
المسيحيون ضحية لهذا الصراع .
اننا ندعو المسلمين في عالمنا العربي و الإسلامي أن يدركوا أهمية الوجود
المسيحي المشرقي و الدور الإيجابي لمسيحيي الشرق تاريخيا و في الحاضر و
المستقبل ، و أن يعملوا على تكريس النموذج التاريخي و الفريد للتعايش بين
المسلمين و المسيحيين . كما ندعو المسيحيين و الكنائس المسيحية في المشرق سواء
الأورثوذكسية أو الكاثوليكية الى وعي عميق للمؤامرة التي تستهدفهم و تعمل على
مصادرتهم ، و مواجهة هذه المؤامرة بالإلتصاق أكثر و أكثر بهويتهم المشرقية
السياسية و الثقافية و بإنتمائهم لأوطانهم و شعوبهم في المشرق و هم جزء أساسي
من الكيان المشرقي ، و عدم إعطاء فرصة للمتآمرين في فصلهم نفسيا و ذهنيا و في
الواقع العملي عن نسيجهم المجتمعي .
لقد كنت و لا أزال أنادي بضرورة العمل على إعادة الكنيسة المشرقية الى مكانتها
و مرجعيتها لمسيحيي العالم مدركا أن تحقق ذلك لن يساهم في نزع الإبرة من بندقية
الغرب المستهدف لنا جميعا فحسب ، و إنما سيساهم في إعادة المجد لكياننا الحضاري
التليد و ريادتنا العالمية . ان ذلك ما يجب أن يتكاتف عليه المسلمون و
المسيحيون جميعا .
مكتب الإمام المؤيد
السابق