الإمام المؤيد يشارك في ندوة حوار إلكترونية
لمركز الدراسات العربي - الاوروبي للإجابة عن السؤال التالي :
ما هو دور الولايات المتحدة الأمريكية في الحراك الشعبي
الذي تشهده بعض الدول العربية ؟
27/03/2011
شارك المرجع
الإسلامي العلامة الشيخ حسين المؤيد في ندوة حوار إلكترونية لمركز الدراسات
العربي - الاوروبي و مقره باريس للإجابة عن السؤال التالي :
ما هو دور الولايات المتحدة الأمريكية في الحراك الشعبي الذي تشهده بعض الدول
العربية ؟
و قد أجاب سماحة الإمام المؤيد على السؤال بما يلي :
أعتقد أن من الخطل أن ينسب الحراك الجماهيري الذي تجسد في إنتفاضات ثورية
مجتمعية الى مؤسسات او أجهزة أمريكية او غربية كما يحاول البعض عمدا او سذاجة
ان يصور .
ان مشكلة البعض انه لايستطيع ان يتصور ان الجماهير العربية قادرة على أخذ زمام
المبادرة في اللحظات التاريخية الحاسمة و المنعطفات المصيرية في حياتها ، كما
ان البعض يحاول ان يصور أمريكا و الغرب إلهين لا يمكن لحركة او سكنة أن تبرز
على الساحة الدولية الا بإرادتهما و إدارتهما و تدبيرهما و يتناسى قوانين
الحركة الإجتماعية و سنن التاريخ في المجتمعات البشرية .
لا أحد من ذوي الألباب السليمة يمكن أن يصدق بأن بوعزيزي قد أحرق نفسه بدفع
أمريكي ليشعل إنتفاضة ثورية جماهيرية في تونس ، و لا أحد يمكن أن يصدق بأن شباب
مصر -بما عبروا به عن وعي سياسي عميق و حركة حضارية متينة صاروا بهما محورا
يلتف حوله أبناء مصر في ثورة لم تشهد لها مصر مثيلا في تاريخها الضارب في
القدم- قد ربطوا بخيوط كما تربط الدمى التي تحركها من خلف المشهد أياد ماهرة
لتقديم عرض على المسرح .
إن هذا الحراك الجماهيري ما هو الا نتاج عوامل متعددة و تفاعلات مرت بها
المجتمعات التي شهدت هذا الحراك الذي تفجر في لحظة زمنية رخوة و تدفق بكل قوة
ليرسم معالم التغيير .
لاشك في أن في أمريكا و الغرب من يريد أن يبرز العامل الأمريكي و الغربي كعامل
فاعل في هذا الحراك عن قصد خبيث فهو من جهة يعمل على تضخيم القدرات السياسية و
الإستخبارية الغربية لتبقى صورة أمريكا و الغرب على شكل هيولى غامضة و إخطبوط
ضارب في كل مكان لأن هذه الصورة تخدم سياسات الهيمنة على العالم ، و من جهة
ثانية يراد أن تفقد الامم الثقة بنفسها و بطاقاتها الخلاقة و قدراتها في تجسيد
إرادتها و إستقلالها ، و من جهة ثالثة يراد تشويه الصورة العظيمة التي اذهلت
العالم كله لهذه الثورات الجماهيرية العربية و إنزالها الى مستوى هابط يظهر
الشارع العربي و كأنه واجهة لعبث الأجانب و الاعيبهم و مخططاتهم ، و من جهة
رابعة يراد أن يدب الإحباط الى نفوس الجماهير العربية التي تحرك وجدانها لكي
تخلد الى الهوان ، و من جهة خامسة يراد الإيحاء الى الجماهير و رموزها و كوادر
ثوراتها الحاضرة و المستقبلية بأن أي حراك مهما تعاظم حجمه لن يتم الا بالتنسيق
مع القوى الكبرى و عقد الصفقات معها و هذه محاولة لإبتزاز الشعوب و القيادات
الثورية لها إنعكاسات جد خطيرة على الإرادة الثورية و الخط السليم الذي يجب أن
تستمر فيه الثورات من أجل الوصول الى أهدافها الحقيقية وراء التغيير .
أضف الى ذلك أن الأنظمة المتهرئة و أزلامها يريدون أن يعيبوا الحراك الجماهيري
ضدهم عبر وصفه بالتبعية للخارج عجزا منهم عن إدراك الواقع و محاولة لإضعاف هذا
الحراك و الإستهتار به و خلق المبررات لضربه .
ربما تعمل مؤسسات و أجهزة أمريكية أو غربية من خلال خطط مبيتة للدخول على خط
الثورات و توظف الفيسبوك و غير ذلك من وسائل عصرية لهذا الهدف الا أن من المؤكد
أن ذلك بمجرده لن يصنع ثورة مستعدة للتضحية في سبيل أهدافها و لن يقيم حراكا
حقيقيا يتجاوب معه الوجدان الجماهيري و يتناغم مع مطالبه و آفاقه المستقبلية
الواعدة . و من الممكن أن تتخذ أمريكا و الغرب سياسات معينة في التأثير على
الأحداث من خلال عملائها و حلفائها الداخليين لتظهر الامور و كأنها تدار من
الخارج أو بهدف إظهار التأييد للثورات بغية إحتوائها و الإلتفاف عليها فيما بعد
أو إنطلاقا من رؤية تقضي بأن هذا التدخل يتيح لأمريكا و الغرب توجيه الأمور و
السيطرة عليها ، الا أن ذلك كله لن يفقد الحراك الشعبي أصالته و مصداقيته .
كما أن من الخطأ الفادح النظر بحسن نية الى الادوار الأمريكية و الغربية التي
ربما تبدو للوهلة الاولى من خلال التصريحات و التحركات المعلنة و كأنها مع نهضة
عربية تكسر من خلالها الشعوب عن معاصمها المكبلة قيود الذل و الهوان و تنطلق
نحو الحرية و الكرامة و الإستقلال لتقيم تنمية شاملة تأخذ بها الى ذرى المجد و
التقدم و الرقي و العدالة الإجتماعية التي تحررها من كل ألوان التبعية للأجنبي
، فهذه نظرة طوباوية مضحكة تستحق الإشفاق و السخرية بدلا من الإصغاء و القبول
.و لعل مرورا سريعا على كل الأحداث الثورية التي تحققت الى يومنا هذا و المواقف
الأمريكية و الغربية إزاءها تكشف بوضوح عن ذلك الخطأ الفادح و بالتالي تحول دون
تصور دور أمريكي او غربي إيجابي في هذا الإتجاه .
إنني اعتقد بأن الحراك الجماهيري في بلداننا العربية له مصداقية عالية و أن
الدور الأمريكي و الغربي يتجسد في محاولات ركوب الموجة أو الإلتفاف على الثورات
العربية لحرفها عن مسارها الصحيح ، و محاولات السيطرة على الحراك الجماهيري و
توجيهه الوجهة التي تخدم المصالح الأمريكية سواء من خلال العمل على إبراز
شخصيات مرتبطة أو مستعدة للتفاهم مع أمريكا لتولي مقاليد الأمور ، أو خلق فتنة
داخلية لحرف مسار الثورة و إيجاد واقع مغاير ، او الإيحاء ببدائل فكرية أو
عملية لو قدر الأخذ بها تكون الثورة قد إحتويت أو افرغت من مضمونها الحقيقي و
ربما إنعكست السلبيات على خريطة الأرض و الشعب . و هذه محاولات من الطبيعي أن
تقوم بها القوى الكبرى لضمان مصالحها و هيمنتها على الواقع .
و من هنا فإننا في الوقت الذي نؤكد فيه على أصالة الحراك الشعبي في مجتمعاتنا
العربية فإننا نحذر من تلكم المحاولات التي تهدف الى إجهاض هذا الحراك و تفريغ
مضمونه و حرفه عن أهدافه الحقيقية .
السابق