الإمام المؤيد يشارك في
ندوة حوار الكترونية لمركز الدراسات العربي – الأوروبي للإجابة على السؤال
التالي : - لماذا المثقفون غائبون عن لعب أي دور في حركات التغيير العربية ؟ .
21/2/2011
شارك سماحة العلامة الشيخ
حسين المؤيد في ندوة حوار الكترونية أقامها المركز العربي - الأوروبي و مقره
باريس للإجابة على السؤال التالي :- لماذا المثقفون غائبون عن لعب أي دور في
حركات التغيير العربية ؟
و قد أجاب سماحته على السؤال بما يلي :-
أعتقد أن هذا السؤال لم تتم صياغته بصورة منهجية صحيحة لأنه ينطوي على مغالطة ,
ذلك أنه يعتبر غياب المثقفين عن لعب أي دور في حركات التغيير العربية حقيقة
ثابتة و يرسلها ارسال المسلمات ثم يؤسس عليها الإستفهام عن الأسباب .
و لا شك أنّ صياغة السؤال قد أخطأت في فرضيتها و في تعميمها و هي بما أنطوت
عليه من المغالطة صياغة استفزازية .
و الحقيقة أنّ المثقفين لم يغيبوا عن لعب أدوار مؤثرة في الحراك التغييري في
البلاد العربية .
و قبل توضيح ذلك لا بد أن نستثني تلك الشريحة من المثقفين الذين خرجوا عن
مقتضيات الالتزام الثقافي و رضوا أن يسايروا الواقع الفاسد و يصطنعوا المبررات
للدفاع عنه و تغطيته , فمثل هؤلاء موجود في كل شرائح المجتمع و لا يمكن أن يتم
الحكم على الجميع من خلال هذه العينة , و بالتالي يبطل تعميم الأحكام , بل
نعتقد أن هذه الحالة تعتبر استثناءً و خروجاً عن السياق العام . كما يجب أن
نأخذ بنظر الإعتبار اختلاف مشارب المثقفين و متبنياتهم الفكرية الحقيقية و لعل
بعض هؤلاء له أفكار مغايرة لاتجاهات التغيير و له رأي يجب ان يحترم في اطار
حرية الرأي .
و ما عدا ذلك فانّ النخبة المثقفة هم أعمدة التنوير و العقل المفكر في الأمة و
الرصيد الفكري لنهضة الشعوب . و قد استهدفت الأنظمة الشمولية هذه النخب عبر
محاولات التدجين تارة , أو ابراز وجوه معينة و التركيز عليها لانها تخدم توجهات
النظام على حساب الوجوه و الشخصيات الحقيقية , أو محاولات القمع تارة اخرى . و
قد عانت هذه النخب من القرارات و الإجراءات التعسفية الرامية الى كم الافواه و
تكسير الأقلام , و هذا دليل على عمق تأثير هذه النخب في المجتمع و قدرتها على
التحريك و الانهاض .
و قد أثر القمع على المنتج الثقافي و حجم دوره في الحراك باتجاه التغيير فكان
هناك تغييب متعمد للمثقفين عن المشهد السياسي و الإجتماعي و ليس الغياب المعبر
عن نكوص المثقف العربي عن لعب الدور المطلوب . أضف الى ذلك ان المثقف هو واحد
من افراد المجتمع تجري عليه ما تجري على مجتمعه من ظروف قاسية في حياته و
معيشته و يعاني مما تسببه هذه الظروف من معوقات . و على الرغم من ذلك لعب
المثقفون و في ظروف صعبة أدواراً في الحراك التغييري و كانت كتاباتهم و
أحاديثهم فاعلة في بلورة الرأي العام و تنضيجه باتجاه التغيير .
و حين نلاحظ مشاهد الحراك التغييري في البلاد العربية نجد أنّ النخب المثقفة في
الصدارة تناغمت مع ارادة الجماهير , و تفاعلت مع حركتها و لعبت دوراً يمكن أن
يوصف بالقيادي في مسيرتها نحو التغيير , و لمعت أسماء بارزة في هذا المجال حتى
على مستوى القمع الذي واجهه الحراك التغييري .
و اذا تعاملنا مع مصطلح المثقفين في دائرته الواسعة نجد أن جذوة الحراك
التغييري قد أوقدت على يد المثقفين , و الشباب الذي كان رائد حركة التغيير هو
الشباب المثقف .
نعم النخبة المثقفة لا تستطيع لوحدها أن تحدث التغيير لا سيما في الظروف التي
تعيشها الكثير من البلاد العربية الخاضعة للأنظمة الشمولية لانّ التغيير يحتاج
الى حركة جماهيرية عارمة , و حين تتحرك الجماهير بعرضها العريض ربما يبدو
للناظر في الوهلة الأولى غياب دور النخب المثقفة لانه ينظر الى الساحة في بعدها
الجماهيري العام مع أن التدقيق في المشهد يبرز دور المثقفين في صنع هذا الحراك
و التمهيد له و العمل على التهيئة و التعبئة ثم القيادة له .
انّ مسايرة بعض النخب المثقفة للواقع الفاسد , أو نكوص البعض و استرخاءه عن
اداء الدور لا يصحح تعميم هذه الحالة على كامل الوسط المثقف و انما تظل هذه
الحالة برأيي استثناء من السياق العام .
و أعتقد أن الواقع الجديد الذي ولد و يولد إثر التغيير سيبرز أكثر و بوضوح دور
النخب المثقفة في إغناء المجتمع و توجيهه .
السابق