الإمام المؤيد يشارك في
ندوة حوار ألكترونية أقامها المركز العربي - الأوروبي للإجابة على السؤال
التالي :- ما هو الهدف من ترهيب المسيحيين العرب ؟
10/1/2011
شارك سماحة العلامة الشيخ
حسين المؤيد في ندوة حوار ألكترونية أقامها المركز العربي – الأوروبي و مقره
باريس للإجابة على السؤال التالي :- ما هو الهدف من ترهيب المسيحيين العرب ؟
و قد أجاب سماحة الإمام المؤيد على السؤال بما يلي :-
من السذاجة بمكان أن نختزل تفسير ما جرى من إعتداءات آثمة بحق المسيحيين في
العراق و مصر أخذت طابع الجريمة المنظمة بأنه مجرد عمل إرهابي قامت به قوى
إسلامية متطرفة , لأن هذا التفسير مضافاً الى أنه لا يمثل كامل الحقيقة , فانه
يبعدنا عن الفهم و التحليل الدقيقين لمجريات الأحداث و يدخلنا في متاهات تعيقنا
عن الحلول الناجعة , و بالتالي تجعل مسلسل الإجرام مستمراً في تراكماته و
تداعياته و في تحقيق الأهداف التي تقف وراءه .
صحيح أنّ بروز ظاهرة التطرف و الحركات المتطرفة و نمو هذه الظاهرة و تصدي هؤلاء
المتطرفين الذي يحملون أفكاراً منحرفة و قراءات جد خاطئة عن الإسلام في مضمونه
و في حركته الرسالية في المجتمع له دور في إشعال فتنة دينية في مجتمعاتنا
المسلمة , الاّ ان المنطق العلمي و المعطيات التي ترقى الى أدلة مادية ملموسة
تجعلنا نفهم تأثير هذا العامل على أساس أنه أحد العوامل و ليس العامل الوحيد ,
و أنه مضافاً الى كونه جزء من مجموعة فانه في كثير من الأحايين واجهة لعوامل
أخرى لها الدور الأكبر في هذه الأحداث .
إننا يجب أن نأخذ بنظر الإعتبار أنّ نموذج التعايش الإسلامي – المسيحي في
مجتمعاتنا العربية هو نموذج تاريخي فريد و أنه عنصر أساسي في ثقافتنا و
منظومتنا المجتمعية , و أنّ العنف و العمل الإجرامي و ردود الأفعال غير
المنضبطة هي حالات طارئة على مجتمعاتنا , و ليست نابعة من ثقافتنا أو طبيعة
علاقاتنا الإجتماعية مع بعضنا البعض . بل أنّ مجتمعاتنا في الوقت الذي شهدت فيه
توتراً أو إحتقاناً مذهبياً داخل الإطار الإسلامي , فانها لم تشهد نظيراً لهذا
التوتر و الإحتقان في إطار التعددية الدينية الموجودة في بلدان عربية و اسلامية
.
و يجب أن نأخذ بعين الإعتبار أيضاً أن الفكر المتطرف و التوسل بالعنف أمران لا
يمثلان واقع ما عليه المسلمون فكراً و سلوكاً , فضلاً عن موقف مجتمعاتنا ضد
التطرف و العنف كظاهرة تتحرك داخلياً و تخل بالأمن المجتمعي .
و هكذا نجد أنّ التحليل المنطقي يقودنا الى وضع اليد على عوامل أخرى تقف وراء
هذه الظاهرة الإجرامية التي برزت أخيراً و التي لا مصلحة للمسلمين فيها شعوباً
و أنظمة , و تتصل هذه العوامل بما يخطط للعالم العربي و الإسلامي و بالمناخ
الدولي العام و بالوجود المسيحي و دوره في عالمنا العربي و الإسلامي .
انني أعتقد أنّ استهداف المسيحيين يأتي على خلفية السياسات التي تحركها جهات
سياسية و دينية دولية و إقليمية تقوم على أساس ايجاد صراع الثقافات و إذكاء
العداوة بين أبناء الديانات السماوية و تشويه صورة الإسلام في العالم , و توظيف
هذه الورقة لتحقيق أهداف سياسية و ثقافية و إقتصادية .
مضافاً الى مخططات تمزيق النسيج الإجتماعي في بلداننا و العمل على التفكيك و
التجزئة و التقسيم . و يأتي أيضاً في سياق الحرب التي تشن على الإسلام
كأيديولوجية و ثقافة تقف أمام حركة التغريب و الهيمنة و تعمل على تماسك
مجتمعاتنا و تبقي فيها جذوة متقدة تدفعهم نحو إستعادة مكانتهم الحضارية و دورهم
الرائد في المجتمع البشري .
و يأتي الإعتداء المنظم على المسيحيين ليستهدف مسيحيي الشرق الملتصقين بعروبتهم
و المتفاعلين مع ثقافة المجتمع المسلم ليعطل دورهم الإيجابي في مجتمعاتنا و
ليعمل على إخراجهم من مربعهم الطبيعي مع إخوانهم في الوطن من المسلمين في جبهة
الصراع و استدراجهم لصفقات و حسابات تدخل في خانة الحرب على الإسلام .
و هكذا يتضح أن هذه العوامل هي العوامل الأساسية التي تقف وراء الأحداث
الإجرامية و أن القوى المتطرفة ليست سوى جزء من هذه الخطة و واجهة – بفعل
إختراقها – لتلكم العوامل الأساسية التي تحتاج الى يد داخلية منفذة منسوبة الى
الإسلام و المسلمين لتكون أقدر على إخفاء عوامل الجريمة و أهدافها الحقيقية .
و قد أكدت معطيات دقيقة انّ العدو الإسرائيلي يعمل بجد على خلق الفتنة الدينية
في مجتمعاتنا و له خلاياه و جواسيسه الذين يتحركون في هذا المجال .
و نجد أن ردود الأفعال و نحو المطالبات الغربية سواء من الجهات السياسية أو
الدينية تؤشر على وجود طبخة غربية و خطة مدروسة في هذا الإتجاه , فضلاً عن
انكشاف ابعاد عديدة لما يخطط له الغرب للعالم العربي و الإسلامي مستغلاً أوضاع
الضعف و التردي لتمرير هذه المخططات و خلق واقع جديد .
ان جريمة الإعتداء على المسيحيين لاقت رفضاً قاطعاً و تنديداً واضحاً من
المسلمين بكل شرائحهم و مؤسساتهم لكننا نجد أنّ الإعلام الغربي و الخطاب
السياسي و الديني الغربي يتغافل عن ذلك كله يحاول تسويق رؤية غير واقعية كما
ورد في خطاب البابا الذي صور الحالة و كأن هناك موقفاً مجتمعياً من المسلمين ضد
المسيحيين . و يضخم الخطاب السياسي و الإعلامي الغربي ظاهرة ما يسمى بالتطرف
الإسلامي ليعطي إنطباعاً و كأن هذه الجرائم نابعة من ثقافة دينية و نمطية في
العلاقة الإجتماعية , في الوقت الذي يتواطأ فيه الغرب بمؤسساته الدينية و
السياسية مع اسرائيل في مسلسل إعتداءاتها على المسيحيين و ممتلكاتهم و وجودهم
في فلسطين المحتلة و في الوقت الذي يستعد فيه الغرب لضرب مصالح المسيحيين و
وجودهم من أجل خلق وضع طبيعي لتقبل الدولة اليهودية و استعمال المسيحيين العرب
كورقة في توازنات ديموغرافية يراد تحقيقها لمصلحة اسرائيل و الغرب .
السابق