الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور الأسئلة والاستفتاءات
جواب سؤال عن نجاسة المنيّ
السؤال:
ما رأيكم في نجاسة المني؟ نرجو بيان الدليل.
الجواب:
إنّ الأصل يقتضي التأمين من النجاسة، فلا يصار إلى الحكم بها إلا بدليل. وما ينبغي أن يكون العمدة في الإستدلال على النجاسة هو النصوص، وما عدا ذلك فهو ليس بشيء لضعفه في مادة الاستدلال أو صورته.
وهناك نصوص تدل على النجاسة، بعضها يدل عليها دلالة صريحة وآخر يدل عليها بالظهور وهو درجة أضعف من الصراحة لكنها كافية في الدلالة على النجاسة.
أما ما يدل على النجاسة بالصراحة فعمدته روايتان:
الأولى:- ما رواه الإمام الربيع في مسنده عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «المني والمذي والودي ودم الحيضة ودم النفاس نجس لا يصلى بثوب وقع فيه شيء من ذلك حتى يغسل ويزول أثره».
وهذه الرواية صريحة في نجاسة المني. إلا أنها مما تفرد بها الإمام الربيع ولم ترد في أي كتاب حديثي آخر، ولم ترد بهذا اللفظ - فيما نعلم- عن أحد، ولم يروها بهذا اللفظ أحد عن ابن عباس. ومما يوجب التوقف فيها ما نقل عن ابن عباس من الفتوى بطهارة المني وأنه بمنزلة النخامة والبصاق.
ففي مسند ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في المني قال: إمسحه عنك باذخرة وقال: حدثنا هشيم قال أخبرنا حجاج وابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس في الجنابة تصيب الثوب قال: إنما هو كالنخامة أو النخاعة أمطه عنك بخرقة أو باذخرة.
لا يقال هناك رواية أخرى عن ابن عباس انه أفتى بغسل المني. فانه يقال إن نفس وجود رأيين لابن عباس يكشف عن عدم وجود مستند قاطع وصريح في النجاسة، وهو أمر يوجب التوقف في الرواية حيث إنها صريحة في النجاسة فلماذا لم يثبت ابن عباس عليها وهو الراوي لها حسب الفرض.
الثانية: رواية عمار بن ياسر قال: أتى عليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا على بئر أدلو ماء في ركوة فقال: يا عمار ما تصنع؟ قلت: يا رسول الله بأبي وأمي أغسل ثوبي من نخامة أصابته. فقال: يا عمار إنما يغسل الثوب من خمس: من الغائط والبول والقيء والدم والمني، يا عمار ما نخامتك ودموع عينيك والماء في ركوتك إلا سواء. وهذا الحديث صريح في النجاسة لأنه جاء في سياق بيان عدم غسل الثوب من النخامة والنص على ما يغسل منه الثوب بلحاظ المحذور الشرعي وهو النجاسة حسب المتفاهم العرفي في هذه الرواية.
إلا أنها ضعيفة سندا فيها ثابت بن حماد قال الدار القطني عنه ضعيف جداً وقال ابن عدي له مناكير. مضافاً إلى تضعيف ابراهيم بن زكريا الوارد في سندها.
وأما ما يدل على النجاسة بالظهور فعدة روايات ورد فيها غسل المني وهو ظاهر في نجاسته ومن هذه الروايات:-
1. ما أورده مسلم في صحيحه باسناده عن عمرو بن ميمون قال: سألت سليمان بن يسار عن المني يصيب ثوب الرجل أيغسل أم يغسل الثوب؟ فقال: أخبرتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يغسل المني ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه.
2. رواية جابر بن سمرة قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلى في الثوب الذي يأتي فيه أهله قال: نعم. إلا أن يرى فيه شيئاً فيغسله.
وفي مقابل النصوص الدالة على النجاسة إما بالصراحة أو بالظهور هناك نصوص دالة على الطهارة نذكر المهم منها وهو:-
1. ما رواه أحمد في مسنده بسند معتبر عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسلت المني من ثوبه بعرق الأذخر ثم يصلي فيه ويحته بثوبه يابساً ثم يصلي فيه.
وتقريب الإستدلال بهذه الرواية على الطهارة هو أنّ المني إذا كان نجساً فلا بد في تطهيره من غسله بالماء كما هو الشأن في إزالة النجاسات العينية الأخرى والتطهير منها، فازالة المني رطباً بالأذخر ويابساً بفركه دليل على أنه طاهر وأن التعامل معه لم يكن على حد التعامل مع الأعيان النجسة، إنما هو من قبيل التعامل مع المستقذرات.
ومما يعزز ذلك بل يدل عليه أن المني إذا كان رطباً فان المنطقة من الثوب التي يصيبها المني تتشبع برطوبته، فمسحه عنها بالاذخر لا ينتج سوى إزالة المني من السطح الظاهري للثوب ويبقى الثوب رطباً برطوبة المني فاذا كان المني نجساً فان النجاسة سوف تبقى موجودة وإن زالت عين المني من سطح الثوب والرواية تقول إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يمسح المني من سطح الثوب رطباً ويصلي فيه. وهذا يدل دلالة واضحة على طهارة المني وإلا فان مسحه رطباً بالاذخر أو غيره لا يزيل النجاسة من الثوب.
2. رواية عائشة عليها السلام أنها كانت تفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وهذه الرواية مروية بطرق عديدة وبصيغ عديدة وقد تكون متفاوتة وقد لا يدل بعضها على الطهارة بل قد تستفاد منها النجاسة ولعلّ هذا ما دعى الإمام أبا حنيفة رحمه الله إلى الذهاب إلى نجاسة المني والإكتفاء بفركه يابساً.
ففي صحيح مسلم باسناده عن علقمة والأسود أن رجلاً نزل بعائشة فأصبح يغسل ثوبه فقالت عائشة إنما كان يجزئك إن رأيته أن تغسل مكانه فان لم تر نضحت حوله ولقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فركاً فيصلي فيه.
فإنّ من يلاحظ لسان الرواية فانه لا يمكنه أن يفهم منها طهارة المني، بل قد تكون ظاهرة في النجاسة غاية الأمر انها تدل على كفاية زوال عين النجاسة بأي مزيل ولو بالفرك، فعليها السلام انما اعترضت على غسل الثوب كله وليس على أصل الغسل بل وذكرت له قضية الفرك في سياق ذكرها للأكتفاء بغسل مكان إصابة المني من الثوب.
ونظير ذلك أيضاً ما رواه مسلم في صحيحه باسناده عن عبد الله بن شهاب الخولاني قال: كنت نازلاً على عائشة فاحتلمت في ثوبي فغمستهما في الماء فرأتني جارية لعائشة فأخبرتها فبعثت إلي عائشة فقالت: ما حملك على ما صنعت بثوبيك؟ قال: قلت: رأيت ما يرى النائم في منامه قالت: هل رأيت فيهما شيئاً قلت لا قالت فلو رأيت شيئاً غسلته لقد رأيتني وإني لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يابساً بظفري.
بل يمكن أن يقال إنّ رواية الفرك على تفاوت صيغها ليس لها ظهور في الطهارة فضلاً عن صراحتها فيها لاحتمالها كفاية الفرك في إزالة النجاسة لجهة أن المناط هو زوال النجاسة بأي طريق اتفق وعدم اشتراط إزالتها بالغسل بالماء.
نعم هناك رواية أوردها ابن خزيمة في صحيحه عن عائشة عليها السلام تدل على الطهارة وأن الفرك لجهة الإستقذار وليس لجهة النجاسة وهي ما رواه عن الحسن بن محمد عن إسحق الأزرق عن محمد بن قيس عن محارب بن دثار عن عائشة أنها كانت تحتّ المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلي. ورواه الدارقطني، وقريب من هذا رواه البهيقي وابن حبان.
وتقريب الإستدلال بها على الطهارة هو أن المني إذا كان نجساً لم تصح الصلاة في ثوب أصابه، فحته عن الثوب أثناء الصلاة كاشف عن عدم نجاسته، ودعوى أنه ربما لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلم بوجوده وعلمت به عائشة تندفع بأن هذا الحديث ذكرته عائشة في سياق بيان الإكتفاء بالفرك فلو كان قد جرى ذلك في جو لا يخرج عن إطار النجاسة لذكرته عليها السلام لانّ الراوي يتعهد بذكر الخصوصيات التي ترتبط بالحكم الذي يرويه، فحيث لم يذكر خصوصية تتعلق بالنجاسة علم انه يروي ذلك في سياق خارج عن الحكم بالنجاسة.
وهكذا تتحصل لدينا روايتان دالتان على الطهارة فيقع التعارض بينهما وبين ما دلّ على النجاسة، وهذا التعارض يفضي إلى التساقط إذا تعذر الجمع العرفي بين المتعارضين - كما إذا أخذنا بما دلّ على النجاسة بالصراحة ولم نسقطه في نفسه - ونرجع بعد التساقط إلى الأصل المقتضي للتأمين عن النجاسة، أو يؤدي إلى حمل ما دل على النجاسة على التنزه أو الندب فتكون النتيجة صحة الحكم بالطهارة.
هذا واختلاف الصحابة رضي الله عنهم في هذا الحكم كاشف عن عدم وجود ارتكاز متشرعي عام في ذلك الوقت على النجاسة وهو ما يعزز بل يدلل على القول بالطهارة، لأن من التزم بغسل الثوب من المني ربما فهم النجاسة وربما التزم به تنزهاً أو ندباً مؤكداً وهو حسن على كل حال، وإلا لو كان هناك حكم واضح مرتكز بالنجاسة لما خفي على مثل علي بن ابي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن عباس وغيرهما من كبار الصحابة الذين روي عنهم القول بالطهارة أو نقل عنهم قولان أحدهما الطهارة وهو يؤكد ما ذكرناه.
ثم انّ فقهاء الزيدية بل بعض أعلام أئمتهم ذهبوا إلى نجاسة المني وأفتوا بذلك مع عدم وجود مستند روائي فيما يرويه الزيدية في كتبهم الحديثية يدلل على ذلك.
هذا وربما يستدل على الطهارة بقوله تعالى: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسرَاء: 70] بتقريب أنّ نجاسة المني الذي هو أصل خلقة الإنسان لا تنسجم مع هذا التكريم، ومقتضى إطلاق الآية الكريمة شمول التكريم للانسان في كل أحواله فلا يكون أصل الإنسان نجساً.
ويمكن الجواب عليه بأن نجاسة النطفة - لو ثبتت - لا تنافي التكريم للانسان، وقد عبر القرآن عن النطفة بانها { مَّاء مَّهِينٍ} [السجدة : 8] وهو مؤشر على عدم منافاة ذلك للتكريم للإنسان الذي أسجد الله تعالى له ملائكته وإختاره خليفة له في أرضه وسخر له مخلوقاته.
البريد الالكتروني
[email protected]جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد