الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور
 

الأسئلة والاستفتاءات

تفسير حج القِران

السؤال:
سماحة العلامة الشيخ حسين المؤيد حفظه الله تعالى ورعاه. ما هو تفسيركم لحج القران؟ نرجو بيان الحكم مع ذكر الدليل.
 

الجواب:
ذهب الإمامية إلى أن حجّ القران هو الحج الذي يسوق فيه الحاج عند إحرامه هدياً معه، وإنما سمي حج القران باعتبار أن الحاج يقرن الهدي بنفسه من حين إحرامه إلى أن يبلغ الهدي محله بمنى يوم العيد. وأنه لا فرق بين حج الإفراد والقران إلا من هذه الجهة فيجب على القارن ذبح الهدي الذي ساقه معه يوم النحر بينما لا يجب على المفرد الذبح أصلاً. وذهب الإمامية إلى أن حج القران كحج الإفراد هو عمل مستقل غير مرتبط بالعمرة أصلاً ولذا تجب على القارن العمرة المفردة عند الإستطاعة لها.
هذا هو تفسير حج القران عند الإمامية.
أما الزيدية فحج القران عندهم هو الحج الذي يقرن فيه الحاج بين الحج والعمرة في إحرام واحد، فيكون أداؤه لهذا الحج أداء للحج والعمرة معاً. وبهذا المعنى وردت الرواية عن علي عليه السلام ، ففي مجموع الإمام زيد عليه السلام روى عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام قال: (من شاء ممن لم يحج تمتع بالعمرة إلى الحج ومن شاء قرنهما جميعاً ومن شاء أفرد الحج). وعلى هذا فقه الزيدية، غير أنهم أوجبوا على القارن سوق الهدي وذكروا أنه لا قران بين العمرة والحج إلا بسوق الهدي.
وأما الإباضية فذهبوا أيضاً إلى أن حج القران عبارة عن الحج الذي يقرن فيه الحاج بين العمرة والحج في إحرام واحد. وقال العلامة الشيخ عامر بن عليّ الشماخي في كتاب الإيضاح: (إعلم أن المحرمين صنفان: إما مفرد وإما جامع. فالمفرد أن يفرد بالحج والجامع أن يجمع بين الحج والعمرة وهذا النوع ضربان إما متمتع وإما قارن) وقال في بيان صفة القران: (وأما صفة القران فهو أن يحرم في أشهر الحج مع العمرة جميعاً ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً يوم النحر).
وعلى هذا اتفقت مذاهب أهل السنة الأربعة، وعرفوا القران بأنه الجمع بين إحرام الحج والعمرة في إحرام واحد حقيقة أو حكماً، فالجمع بينهما حقيقة هو أن يجمع بينهما بإحرام واحد في زمان واحد، والجمع بينهما حكماً هو أن يحرم بأحدهما ثم يدخل الآخر عليه على تفصيل بين المذاهب في هذه الصورة. ولكنهم اتفقوا على أن المراد بالقران هو القران بين الحج والعمرة وليس القران بين الحاج والهدي كما ذهب اليه الإمامية.
وهكذا يمكن القول إنّ الأمامية انفردت بتفسير لحج القران لم يذهب اليه جمهور المسلمين.
والصحيح ما عليه جمهور المسلمين.
ولنأت أولاً إلى دراسة مستند تفسير الإمامية لحج القران. فالروايات الواردة في هذا المجال على أنحاء:-
النحو الأول:- ما اقتصر على بيان أنواع الحج وبيان أن القران منها دون أن يستفاد منه تفسير معين محدد للقران.
ومن ذلك معتبرة معاوية بن عمار قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: الحج ثلاثة أصناف: حج مفرد، وقران، وتمتع بالعمرة إلى الحج).
النحو الثاني:- ما هو ظاهر في أن القران عبارة عن الجمع بين العمرة والحج في إحرام واحد. وهو معتبرة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام - في حديث - قال: أيما رجل قرن بين الحج والعمرة فلا يصلح إلا أن يسوق الهدي قد أشعره وقلده قال: وإن لم يسق الهدي فليجعلها متعة. وهذه الرواية وإن وردت لبيان وجوب سوق الهدي في حج القران إلا أنها ذكرت أن القران هو القرن بين العمرة والحج، فيستفاد منها أن القارن هو الذي يقرن بين الحج والعمرة في إحرام واحد، غاية الأمر انها تدل على أن حج القران الذي يقرن فيه الحاج بين الحج والعمرة لا يصح إلا بسوق الهدي. فسوق الهدي من عناصر صحة حج القران وليس عنصراً في ماهية هذا النوع من الحج وإنما ماهيته هي القرن بين الحج والعمرة في إحرام واحد. وهي بهذا التفسير تتفق مع ما عليه جمهور المسلمين.
النحو الثالث:- ما ورد لبيان أنه لا يكون قران إلا بسوق الهدي كمعتبرة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال في القارن: لا يكون قران إلا بسياق الهدي وعليه طواف بالبيت وركعتان عند مقام ابراهيم وسعي بين الصفا والمروة.
ومعتبرة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يكون القارن إلا بسياق الهدي وعليه طوافان بالبيت وسعي بين الصفا والمروة كما يفعل المفرد فليس بأفضل من المفرد إلا بسياق الهدي.
وَهذا النحو ليس له ظهور في تفسير حج القران بأنه قرن الهدي بالحاج عند الاحرام إلى أن يبلغ الهدي محله، وإنما يمكن أن تكون مثل هذه الروايات مسوقة لبيان عدم تأتي القران إلا بسوق الهدي، وهو ما ذهب اليه الزيدية من أن حج القران الذي يقرن فيه الحاج بين الحج والعمرة في إحرام واحد لا يصح ولا يتأتى إلا بسوق الهدي، فمن واجبات حج القران ومما هو دخيل في صحته سوق الهدي، ولئن كان سوق الهدي دخيلاً في حقيقته فلا يعني ذلك أنه المائز الوحيد بينه وبين الافراد وإنما يميزه أيضاً عن الافراد قرن الحج والعمرة في إحرام واحد. وأما كون القران لا يفضل على الافراد إلا بسوق الهدي فمعناه أن أعماله لا تزيد على أعمال حج الافراد إلا بالنحر للهدي الذي يسوقه، لأن طوافه وسعيه يقع عن حجه وعمرته معاً. فقوله عليه السلام في معتبرة منصور بن حازم (فليس بافضل من المفرد إلا بسياق الهدي) ليس له ظهور في نفي كون القران قرناً بين الحج والعمرة، وإنما نفي زيادة القران بشيء على الإفراد من حيث النسك نظير ما ورد في معتبرة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إنما نسك الذي يقرن بين الصفا والمروة مثل نسك المفرد ليس بأفضل منه إلا بسياق الهدي..
النحو الرابع:- ما استفيد منه أن المقصود بالقران ليس هو الجمع بين الحج والعمرة في إحرام واحد لدلالته إما على بطلان القران دون سوق الهدي أو لدلالته على جواز العدول إلى التمتع. وهما روايتان:-
1:- معتبرة زرارة قال: جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السلام وهو خلف المقام فقال: إني قرنت بين حجة وعمرة فقال له هل طفت بالبيت فقال نعم قال: هل سقت الهدي قال لا فأخذ ابو جعفر عليه السلام بشعره ثم قال: أحللت والله.
وهي لا دلالة لها على المطلوب لأن غاية ما تدل عليه عدم صحة حج القران - وهو القرن بين الحج والعمرة - إلا بسوق الهدي. بل فيها إشعار على الأقل بأن القران ليس إلا القرن بين الحج والعمرة في إحرام واحد.
2- معتبرة يعقوب بن شعيب قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : (الرجل يحرم لحجة وعمرة وينشئ العمرة أيتمتع؟ قال نعم. وهي أيضا لا تدل على أكثر من جواز العدول إلى التمتع بل فيها دلالة على صحة تفسير القران بأنه القرن بين الحج والعمرة في إحرام واحد وإلا لاعترض الامام عليه السلام على السائل وصحح له مفهومه عن القران.
ويمكن أن تكون هذه الرواية خارجة موضوعاً عن المقام على أساس ان قول السائل يحرم لحجة وعمرة لا يراد به حج القران وانما يراد به أن الرجل يريد أن يحج ويعتمر في موسم الحج فانشأ عمرة مفردة أولاً ويريد أن يعدل إلى حج التمتع.
النحو الخامس:- ما هو ظاهر في أن القران ليس عبارة عن القرن بين الحج والعمرة في إحرام واحد وإنما هو عبارة عن قرن الهدي بالحاج منذ الاحرام حتى يبلغ الهدي محله، فماهية القران كماهية الافراد لكن يزاد عليه سوق الهدي. وروايات هذا النحو هي:-
1 - رواية أبي بصير وزرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: الحاج على ثلاثة وجوه: رجل أفرد الحج وساق الهدي، ورجل أفرد الحج ولم يسق الهدي، ورجل تمتع بالعمرة إلى الحج.
ودلالتها واضحة لكنها ساقطة سنداً بعلي بن أبي حمزة البطائني فهو ضعيف.
2 - رواية منصور الصيقل قال: قال أبو عبد الله عليه السلام : الحج عندنا على ثلاثة أوجه: حاج متمتع، وحاج مفرد سائق للهدي، وحاج مفرد للحج.
ودلالتها واضحة، إلا أنه مضافاً إلى ضعف سندها أولاً بجهالة حال منصور الصيقل، وثانياً بعدم وجود العنعنة بينه وبين الإمام عليه السلام ، فان الشيخ الطوسي رواها عن الكافي بعبارة «وحاج مقرن سائق للهدي» وهذه العبارة لا دلالة لها على أن حقيقة حج القران هي كحقيقة حج الإفراد لا تزيد إلا بسياق الهدي، لأن هذه العبارة تنسجم حتى مع تفسير حج القران الذي تقترن فيه العمرة بالحج في إحرام واحد لكن يجب أن يسوق فيه الحاج هديه معه.
3 - معتبرة عبد الله بن زرارة قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام : أقرأ مني على والدك السلام وقل: إنما أعيبك دفاعاً مني عنك فان الناس والعدو يسارعون إلى كل من قربناه وحمدنا مكانه بادخال الأذى فيمن نحبه ونقربه - إلى أن قال - وعليك بالحج أن تهل بالافراد وتنوي الفسخ إذا قدمت مكة فطفت وسعيت فسخت ما أهللت به وقلبت الحج عمرة وأحللت إلى يوم التروية ثم استأنف الاهلال بالحج مفرداً إلى منى واشهد المنافع بعرفات والمزدلفة فكذلك حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهكذا أمر الصحابة أن يفعلوا أن يفسخوا ما أهلوا به ويقلبوا الحج عمرة وإنما أقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على إحرامه لسوق الذي ساق معه فان السائق قارن والقارن لا يحل حتى يبلغ الهدي محله ومحله يوم النحر بمنى فاذا بلغ أحل، هذا الذي أمرناك به حج التمتع فالزم ذلك ولا يضيقن صدرك، والذي أتاك به أبو بصير من صلاة إحدى وخمسين والاهلال بالتمتع بالعمرة إلى الحج وما أمرناه به من أن يهل بالتمتع فلذلك عندنا معانٍ وتصاريف لذلك ما يسعنا ولا يسعكم ولا يخالف شيء من ذلك الحق ولا يضاده.
ومحل الاستشهاد في الرواية أنها تذكر أن حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان حج قران بمعنى أنه أفرد الحج لكنه ساق الهدي وأن السائق للهدي قارن وظاهره أنه يكون قارناً بسياق الهدي لا بالقرن بين الحج والعمرة في احرام واحد.
الاَّ انّ هذه الرواية لا يمكن الأخذ بها من وجوه:-
الوجه الأول:- إن ظاهر هذه الرواية هو أن حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان حج تمتع، ففيها وصف الإمام عليه السلام لزرارة الطريقة التي يحج بها وقال له: «هذا الذي أمرناك به حج التمتع» وذكر أنه كذلك حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . إذ يصرح صدرها بأن حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان حج تمتع لكنه لم يحل لسوقه الهدي، تقول في ذيلها «وسائق الهدي قارن» فان كان المراد بالقارن أن حجه حج قران فالذيل يتنافى مع الصدر، وإن كان المراد بالقارن من قرن الهدي بغض النظر عن نوع حجه، فحينئذ لا دلالة لها على أن حقيقة حج القران هي سوق الهدي فقط دون قرن الحج بالعمرة.
الوجه الثاني:- إنها مخالفة لما هو المعروف والمشهور والثابت من أن حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن حج تمتع بل صرحت معتبرة معاوية بن عمار بأنه صلى الله عليه وآله وسلم لبى بالحج مفرداً وساق الهدي، كما صرحت هي وغيرها من الروايات الواردة في بيان حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لأصحابه حينما أمرهم أن يحلوا «لو أستقبلت من أمري مثل ما أستدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم» أي أن تجعلوها عمرة. مضافاً إلى أن ما ورد في بيان حجه صلى الله عليه وآله وسلم ليست فيه من ناحية السعي بين الصفا والمروة إلا سعي واحد سعاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين دخل مكة، ولو كان حجه حج تمتع لكان سعى سعياً آخر يوم النحر لحجه، بينما إكتفى صلى الله عليه وآله وسلم بسعيه الأول.
الوجه الثالث:- إن تفسير القران فيها بهذا - أي سوق الهدي دون قرن الحج بالعمرة في إحرام واحد - يتعارض مع معتبرة الحلبي المتقدمة في النحو الثاني ومعتبرة زرارة المتقدمة في النحو الرابع، وحملها على التقية مرفوض صغرى، لأن العامة لا يرون اشتراط صحة حج القران بسوق الهدي بينما تصرح هي بالاشتراط فكيف تكون في مقام التقية، وكبرى لاننا نرفض كبرى علاج التعارض بحمل ما وافق العامة على التقية. بل يمكن أن يقال إن الترجيح لمعتبرتي الحلبي وزرارة لانهما تتوافقان مع الفهم العام لحج القران، ولو كان حج القران عبارة عن مجرد سوق الهدي لعرف ذلك وأصبح من الواضحات منذ الصدر الأول كما سوف يأتي فمعتبرة عبد الله بن زرارة مخالفة للفهم العام الذي لو لم يكن صحيحاً لما اشتهر وذاع وصار هو الفهم العام السائد عند جميع فرق المسلمين.
4 - معتبرة الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: القارن الذي يسوق الهدي عليه طوافان بالبيت وسعي واحد بين الصفا والمروة وينبغي له ان يشترط على ربه إن لم تكن حجة فعمرة.
فقد يقال إن هذا الاشتراط يعني أن الحج والعمرة غير مقترنين في حج القران. ويندفع بأنه لا دلالة للاشتراط على ذلك لأنه ناظر إلى ما لو لم يأتِ بجميع أعمال الحج، وهذا يتم حتى على تفسير حج القران بالقرن بين العمرة والحج في إحرام واحد.
وأما قوله عليه السلام : «القارن الذي يسوق الهدي» فلا ظهور له في تفسير القران بذلك، وانما يمكن أن يكون المقصود به أنه لو لم يسق الهدي لم يصح له أن يحج حج القران فلا يكون قارنا حينئذ على شاكلة ما ورد في معتبرة زرارة المتقدمة في النحو الرابع.
5 - ما ورد في معتبرة معاوية بن عمار التي نقلت حجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من انه صلى الله عليه وآله وسلم لبى بالحج مفرداً وساق الهدي. فربما يقال أنه صلى الله عليه وآله وسلم لما كان قارناً فحج القران على هذا عبارة عن حج الأفراد زائداً سوق الهدي فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبى بالحج مفرداً أي لم يقرنه بالعمرة وساق الهدي، وبهذا كان حجه صلى الله عليه وآله وسلم حج قران فتكون ماهية حج القران على هذا النحو.
ويندفع بأن الرواية قد صرحت بأنه صلى الله عليه وآله وسلم لبى بالحج مفرداً لكنها لم تصف حجه بحج القران ولم تطلق عنوان حج القران عليه ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل لأصحابه حين أمرهم أن يحلوا حسب معتبرة معاوية نفسها لم يقل لهم إني قارن وانما قال لهم ولكني سقت الهدي. فيمكن أن يقال إن الحاج المفرد إذا ساق معه هدي لا يحل حتى يبلغ الهدي محله وعليه نسك المفرد ولا يكون بذلك قارناً. فحج الإفراد لا تجب على الحاج فيه الأضحية وليس عليه نحر لكنه إذا ساق هدياً معه وجب عليه أن ينحره يوم النحر بمنى ولا يحل حتى ينحر.
6 - معتبرة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا استمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة.
ومقتضى مفهوم الشرط فيها أن من لم يكن حجه حج تمتع لم يقض فريضة العمرة عليه، ولازم ذلك أن حج القران هو حج إفراد في حقيقته، وإلا لو كان عبارة عن قرن العمرة بالحج في إحرام واحد لكان القارن بحج قرانه قد قضى ما عليه من فريضة العمرة.
ويندفع بأن إطلاق المفهوم قابل للتقييد بما دلّ على أن حج القران هو ما يجمع العمرة والحج معاً ويسقط فرضيهما معاً.
وهكذا يتضح أن في المستند الذي استند عليه الإمامية في تفسيرهم لحج القران خلل بحيث لا ينهض دليلاً لإثبات ما ذهبوا إليه. بل الدليل قائم على التفسير الذي ذهب إليه جمهور المسلمين ومنهم الزيدية حيث روى الإمام زيد في مجموعه عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام قال: «من شاء ممن لم يحج تمتع بالعمرة إلى الحج ومن شاء قرنهما جميعاً ومن شاء أفرد».
وهذه الرواية معتبرة سنداً ورجالها ثقات حتى على مباني الإمامية في علم الرجال.
وقد روي عن علي عليه السلام من غير طريق مشروعية حج القران وأنه الذي يقرن فيه بين الحج والعمرة في إحرام واحد. وعرف ذلك عنه وروي معارضته لعثمان رضي الله عنه في نهيه عن القران فقد روى ابن أبي شيبة عن مروان بن الحكم قال: «كنا نسير مع عثمان فسمع رجلاً يلبي بهما جميعاً فقال عثمان من هذا؟ قالو: علي فأتاه عثمان فقال له: ألم تعلم أني نهيت عن هذا؟ فقال: بلى ولكن لم أكن لأدع فعل رسول الله بقولك.
وعن المقداد بن الأسود أنه دخل على عليّ بن أبي طالب بالسقيا وهو ينجع - يسقي - بكرات له دقيقاً وخبطا فقال: هذا عثمان بن عفان ينهى أن يقرن بين الحج والعمرة فخرج علي وعلى ذراعيه أثر الدقيق والخبط - فما أنسى الدقيق والخبط على ذراعيه - حتى دخل على عثمان بن عفان فقال له: «أنت تنهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة؟» فقال عثمان ذلك رأيي فخرج علي مغضباً وهو يقول: «لبيك اللهم بحج وعمرة معاً».
وإستدل ابراهيم النخعي على أن على القارن طوافين وسعيين بأن علياً عليه السلام جمع بين الحج والعمرة وطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وروي عن علي عليه السلام قوله من شاء أن يجمع بين الحج والعمرة فليسق هديه معه.
وعن أبي نصر السلمي قال: أهللت بالحج فأدركت علياً فقلت: أهللت بالحج أفأستطيع أن أضم إليه عمرة؟ قال: لا لو كنت أهللت بالعمرة ثم أردت أن تضم إليها الحج ضممته فاذا بدأت بالحج فلا تضم إليه عمرة. قال فما أصنع إذا أردت؟ قال: صب عليك إداوة من ماء ثم تحرم بهما جميعاً فتطوف لهما طوافين.
هذا هو المعروف والمروي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام ، فتفسير الإمامية لحج القران مخالف لما جاء عن علي عليه السلام .
بل إن تفسير الإمامية لحج القران مخالف لما هو المعروف والمشهور بين عموم المسلمين، وهو ما يبطل تفسيرهم، لأنّ تفسير الإمامية لحج القران لو كان صحيحاً ومستنداً إلى أصل صحيح ومطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكان اللازم أن يكون هو التفسير المعروف والمشهور أو على الأقل أن لا يقل شهرة ومعروفية عن التفسير الآخر، إذ كل الدواعي قائمة على معروفيته، فعدم معروفيته وعدم إشتهاره ولو على نحو الموجبة الجزئية، بل معروفية التفسير الآخر لدى عموم المسلمين من سنة وزيدية وإباضية يكشف عن عدم صحة التفسير الذي ذهب إليه الإمامية وأنه على أحسن الفروض محض إجتهاد خاطيء.
على أن التفسير الذي ذهب إليه جمهور المسلمين يمتلك مستنداً قوياً بيناً لا لبس فيه ولا تعارض ولا تناقض، سواء على مستوى ما استند إليه الزيدية وقد تقدم، أو على مستوى ما استند إليه أهل السنة واعتمد أيضاً على مستندهم الاباضية في ما ذهبوا إليه من تفسيرهم لحج القران، مضافاً إلى أن هذا التفسير عند الاباضية مرسل ارسال المسلمات. هذا وقد وردت من طرق أهل السنة روايات عديدة تدلل على أنّ حج القران هو الذي يجمع فيه الحاج بين العمرة والحج في إحرام واحد. ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يلبي بالحج والعمرة معاً.
هذا والله هو العالم بحقائق أحكامه ومنه نستمد السداد وبه الاعتصام والحمد لله أولاً وآخراً.

الفهرست || الأسئلة الفقهية

السابق

Twitter Facebook قناة الشيخ حسين المؤيد في اليوتيوب google + البريد الالكتروني
[email protected]

جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد

www.almoaiyad.com