الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور
 

الأسئلة والاستفتاءات

مشروعية صوم شهر رمضان للمسافر

السؤال:
ما هو رأيكم الفقهي في صوم رمضان للمسافر، هل يجوز له الصيام أو يجب عليه الإفطار؟ نرجو الإجابة مع بيان الدليل.
 

الجواب:
المعروف عند جمهور المسلمين أن المسافر في شهر رمضان يخيّر بين الإفطار والقضاء في أيام أخر وبين الصوم، وان إختلفوا في أيهما الأفضل.
فالتخيير هو ما ذهب إليه الأئمة الأربعة، وهو ما ذهب إليه فقهاء الزيدية، وكذلك فقهاء المدرسة الجابرية المصطلح عليها بالمدرسة الإباضية. وهذا الحكم منقول عن كثير من السلف.
بينما حكي إجماع فقهاء الإمامية على عدم مشروعية صوم شهر رمضان للمسافر الذي حكمه القصر، وأن وظيفته الفطر ثم القضاء فيما بعد عندما يكون حاضراً، وهو ما ذهب إليه فقهاء الظاهرية أيضاً وحكي عن عدد من السلف.
والذي أذهب إليه وأفتي به هو ما ذهب إليه جمهور المسلمين من أنّ المسافر بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر.
ولسنا في مقام الإستدلال التفصيلي على هذا الحكم وإنما نسلط الضوء على الأدلة ونبين مؤداها إلى التخيير.
وأول ما يجب على الفقيه الرجوع إليه هو كتاب الله عز وجل ، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 183-185] .
وقد وقع الخلاف بين الفقهاء فيما يستفاد من هذه الآيات الكريمات، فذهب بعض كبار فقهاء الإمامية إلى أن عدم مشروعية صوم رمضان في السفر، إنما تستفاد من هذه الآيات فانها دلت على وجوب الصوم لمن كان حاضراً فهو مأمور بالصيام والأمر ظاهر في الوجوب التعييني، ثم أشارت الآية إلى المريض والمسافر فبيّن الله تعالى أنهما مأموران بالصيام في عدة أيام أخر أي أنهما مأموران بالقضاء، وظاهره لا سيما بمقتضى المقابلة بين الحاضر والمسافر تعين القضاء فلا يشرع الصوم في حق المسافر فعلاً. وأخيراً أشارت الآية الكريمة إلى حكم من لا يطيق الصوم إلا بمشقة وذكرت أن وظيفتهم الفدية تعييناً فلا صوم عليهم أداء ولا قضاء.
وأما قوله تعالى: { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ } [البقرة: 184] فالمراد منه أن تصوموا على النهج الذي شرع في حقكم من الصيام للحاضر والقضاء للمسافر.
وعلى هذا فالآيات الكريمات تدل على عدم مشروعية الصوم في السفر وأنه يتعين في حق المسافر الإفطار ثم القضاء.
أقول: أما وجوب الصوم على الحاضر السليم فإستفادته واضحة من تلكم الآيات البينات سواء من قوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ } [البَقَرَة: 183] أو من قوله تعالى: { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البَقَرَة: 185] أو من قوله تعالى: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] فان دلالتها على وجوب القضاء تعني أن الصوم على الحاضر السليم فريضة وإلا لا معنى لتعين القضاء عليه فيما بعد إذا لم يكن أصل الصوم في شهر رمضان فريضة.
وأما أن عدم مشروعية الصوم على المسافر مستفاد من هذه الآيات الكريمات فهو غير صحيح من كل الوجوه المتصورة في هذه الآيات وهذه الوجوه هي: -
الوجه الأول: - أن يقال إن قوله تعالى: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ليس في مقام البيان من جهة مشروعية الصوم للمسافر أو عدم المشروعية، وإنما هو في مقام بيان وجوب القضاء فحسب ذلك أنه لا بد من تقدير محذوف تتطلبه دلالة الإقتضاء، والمحذوف هوَ «إن أفطرا» فيكون مفاد الآية الكريمة أن المريض والمسافر إن أفطرا فيجب عليهما القضاء، فأُخذ إفطار المريض والمسافر مفروض الوجود ورُتب عليه وجوب القضاء فلا نظر للآية الكريمة إلى عدم مشروعية الصوم في رمضان للمسافر والمريض.
وربما يقال كما قال ابن رشد في بداية المجتهد إن الجملة المذكورة في الآية الكريمة إما أن تحمل على الحقيقة فلا يكون هناك محذوف أصلاً أو تحمل على المجاز فيقدر محذوف كما هو مقتضى لحن الخطاب، وعلى الأول تدل الآية الكريمة على عدم مشروعية الصوم للمسافر لدلالتها على أن وظيفته القضاء فحسب، وعلى الثاني لا دلالة للآية الكريمة على عدم المشروعية بالبيان الذي تقدم. إلا أنه لما كان الأصل هو الحمل على الحقيقة حتى تقوم قرينة على المجاز وهي غير قائمة، فعليه تكون الآية دالة على عدم مشروعية الصوم للمسافر في شهر رمضان.
وببيان علمي أن الأصل عدم التقدير فتقدير المحذوف خلاف الأصل.
ونلاحظ على ذلك أن التقدير في المقام أمر لا بد منه إذ لا يستقيم الكلام بدونه فان كون الأصل عدم التقدير هو فيما إذا لم يكن التقدير لازماً وأما إذا كان التقدير أمراً لا بد منه لم يجرِ هذا الأصل، فإذا كانت صحة الكلام تتوقف على التقدير لم يصح نفي التقدير بالأصل. وفيما نحن فيه صحة الكلام تتوقف على التقدير إذ وجوب القضاء فرع الافطار، فلا بد من تقدير الإفطار غاية الأمر أن المحذوف المقدر يستبطن ثلاثة إحتمالات:-
الأول: - إفطار المريض والمسافر كأمر واقع بمعنى أن المريض والمسافر إن أفطرا فعليهما القضاء في أيام أخر. وحينئذ لا تدل الآية على عدم مشروعية الصوم في السفر.
الثاني: - إفطار المريض والمسافر كأمر شرعي فيكون مفاد الآية أن المريض والمسافر عليهما أن يفطرا ويقضيا في أيام أخر.
الإحتمال الثالث: - أن المريض والمسافر يفطران ترخيصاً وعليهما القضاء في أيام أخر، وحينئذ تدل الآية الكريمة على مشروعية الصوم في السفر.
ولا يتعين الإحتمال الثاني. وعليه لو كنا نحن والعبارة لقلنا إنها مرددة بين احتمالات فتكون مجملة ولا تدل على عدم المشروعية.
الوجه الثاني: - إن قوله تعالى: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ذكر مرتين، وفي المرة الثانية ذيّل بقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْر} [البَقَرَة: 185] الأمر الذي يضفي ظهوراً على الجملة في أن الافطار رخصة وليس عزيمة فانّ المقصود في هذا الذيل هو بيان أن عدم إيجاب الصوم على المريض والمسافر انما هو لأجل التيسير فيفيد ذلك أن الإفطار رخصة.
وبعبارة أخرى المستفاد عرفاً من الآية الكريمة أن عدم إيجاب الصوم على المريض والمسافر إنما هو لأجل التيسير ولكي لا يقعا في العسر، فيفهم من ذلك أن مصلحة الصوم وملاكه ثابتة في حق المريض والمسافر إلا أن مصلحة التيسير اقتضت رفع الإيجاب والإلزام وهذا يعني أن الافطار رخصة وليس عزيمة ولا يعطي للآية الكريمة ظهوراً في عدم مشروعية الصوم للمسافر.
فالآية بعد أن أوجبت الصيام على الحاضر انتقلت إلى بيان حكم المريض والمسافر فأفادت بوجوب القضاء عليهما ثم ذيلت ذلك بأن الله تعالى يريد اليسر بعباده، فيفهم من ذلك أن عدم إيجاب الصوم على المريض والمسافر ونقل فرضهما من الأداء إلى القضاء إنما هو لأجل التيسير وعدم إيقاعهما في العسر، فيكون التيسير قد اقتضى رفع الإلزام الذي هو ثابت في حق الحاضر السليم فيدل ذلك على أن الافطار رخصة وليس عزيمة وأن المرفوع عن المسافر هو الإيجاب وليس أصل الصوم. مضافاً إلى أن ايجاب القضاء تعييناً على المسافر القادر على صيام شهر رمضان في السفر يوقعه في أحايين كثيرة في العسر وقد لا يكون فيه تيسير عليه بخلاف ما لو خيّر بين الصوم في شهر رمضان أو القضاء خارجه.
الوجه الثالث: - إن قوله تعالى { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ } [البَقَرَة: 184] إما أن يرجع إلى المريض والمسافر والذي لا يطيق الصوم أو يرجع إلى خصوص من يشق عليه الصوم. وعلى الأول تكون الآية الكريمة نصاً في أن الإفطار رخصة وليس عزيمة وأن الصوم أفضل، وعلى الثاني تدل الآية على أن الأفضل لمن يشق عليه الصوم أن يتحمل المشقة ويصوم وإن رخص له في الإفطار وحينئذ يفهم عرفاً من الآية الكريمة أن هذا المقطع وإن كان المخاطب به ابتداء هو من يشق عليه الصوم ولكن الحكم المذكور فيه عام للمسافر أيضاً خاصة إذا لم يشق عليه الصوم في السفر إذ لا يحتمل فقهياً أن يكون للسفر موضوعية في الإفطار، وإنما هو لأجل مشقة الصوم في السفر، وعليه يكون الإفطار للمسافر رخصة كما هو رخصة لمن يشق عليهم الصوم وأن الأفضل له أن يصوم.
وأما دعوى أن المراد بهذا المقطع هو أن تصوموا على النهج الذي شرع في حقكم من الصيام في الحضر والقضاء في السفر، فيردها الفهم العرفي السليم الصافي فإن مثل هذا التعبير في هذا السياق أنسب في النظر إلى من رخص له في الإفطار لا في النظر إلى من كتب عليه الصيام فإنه مأمور به محاسب على تركه فلا يناسب أن يخاطب بهذا اللسان. فإن قيل: إنّ الاستشهاد بهذه الآية غير تام لأنها منسوخة كما جائت بذلك الأخبار التي ذكرت أن الصوم أول ما فرض كان على سبيل التخيير فالقادر على الصيام إما أن يصوم وإما أن يعطي الفدية وقد ذكرت الآية الكريمة أن الصوم أفضل من الفدية، ثم نسخت بقوله تعالى: { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البَقَرَة: 185] . وعليه لا مجال للإستدلال بهذه الآية لأنها منسوخة.
قلنا: - القول بالنسخ في هذه الآية غير صحيح.
أولاً: - إنّ الأخبار التي ذكرت النسخ معارضة بأخبار أخرى نفته.
ثانيا: - إنّ التدقيق في الآية الكريمة يفضي إلى أنها غير منسوخة فهي قد بدأت ببيان فرض الصيام ووجوبه بقوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ } [البَقَرَة: 183] وظاهره الوجوب التعييني، ثم أوجبت القضاء على المفطر للمرض أو السفر وظاهره أيضاً الوجوب التعييني مضافاً إلى أن إيجاب القضاء تعييناً يعني وجوب الأداء نفسه لأنه إذا لم يكن الأداء واجباً تعيينياً في نفسه فلا معنى لإيجاب القضاء تعييناً لأنه فرع من ذلك الأصل، ثم إن المراد بقوله تعالى يطيقونه هو الذين يقدرون عليه بمشقة غير اعتيادية فإن الفعل أطاق كما يأتي بمعنى القدرة الاّ انه يأتي أيضاً بمعنى القدرة بمشقة، ففي معاجم اللغة: الطوق: الطاقة أي أقصى غايته وهو اسم لمقدار ما يمكن أن يفعله بمشقة منه. وهذا هو المعنى المراد في الآية الكريمة. فكيف تصح دعوى النسخ اذن؟
والذي يدل على إرادة هذا المعنى في الآية الكريمة هو السياق، فان جملة (وعلى الذين يطيقونه) جائت بعد بيان فرض الصوم ووجوب القضاء على المفطر لمرض أو سفر فظاهر السياق أن الآية الكريمة في مقام بيان حكم آخر بعد أن بيّنت وجوب الصيام تعييناً على الحاضر، ووجوب القضاء تعييناً على المفطر لمرض أو سفر. مضافاً إلى ورود الأخبار بهذا المعنى.
وهكذا نصل إلى أن الآية الكريمة لا دلالة لها على عدم مشروعية الصوم للمسافر في شهر رمضان بل هي دالة على أن الإفطار رخصة وليس عزيمة.
وأما السنة الشريفة فقد نقلت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث استدل بها على وجوب الإفطار على المسافر في شهر رمضان، ويمكن تصنيف هذه الروايات إلى أربع طوائف: -
الطائفة الأولى: - ما ورد من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر الناس بالإفطار في سفره لفتح مكة. ولنستعرض أولاً ما رواه الشيعة الإمامية من هذه الروايات ثم نقارنها بما رواه غيرهم. فقد روى الإمامية في هذا المجال معتبرة عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج من المدينة إلى مكة في شهر رمضان ومعه الناس وفيهم المشاة فلما انتهى إلى كراع الغميم دعا بقدح من ماء فيما بين الظهر والعصر فشربه وأفطر ثم أفطر الناس معه وتم ناس على صومهم فسماهم العصاة.
والظاهر أنه إلى هذا تشير معتبرة حريز عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: سمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوماً صاموا حين أفطر وقصر عصاة، وقال: هم العصاة إلى يوم القيامة.
ولكن في مسند الإمام الربيع وهو المرجع الحديثي للمدرسة الإباضية نقل الإمام الربيع عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد قال: سمعت جملة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقولون: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام الفتح في رمضان فأمر الناس أن يفطروا قال: تقوية على عدوكم (تقووا لعدوكم) فصام هو ولم يفطر قال: ولقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصب الماء على رأسه من شدة الحر أو من العطش فقيل له يا رسول الله: إن اناساً صاموا حين صمت قال: فلما بلغ الكديد دعا بقدح من ماء فشرب وأفطر الناس معه.
وهذه الرواية رواها الإمام مالك في الموطأ، والإمام أحمد بن حنبل في مسنده، وأخرجها مسلم عن جابر وهي صالحة للإحتجاج بها، وهي تدلل على أمور: -
الأول: - إن الصوم في السفر مشروع لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد صام وإن كان أمر أصحابه بالإفطار، وهو إنما أفطر فيما بعد لكي يفطر من بقي على صومه.
الثاني: - أن أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإفطار ليس لجهة عدم مشروعية الصوم في السفر وإنما لجهة إظهار المسلمين على قوة أمام عدوهم.
الثالث: - أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين أمر بالإفطار بقي ناس على صومهم ولم تذكر الرواية أنه سماهم العصاة إذ أنهم فهموا أن الأمر بالإفطار ليس لجهة تعبدية وإنما هو لكي لا يراهم العدو ضعفاء فلعلهم علموا من انفسهم أنهم لن يضعفوا بصومهم. ثم إن هذه الرواية تقول إن من بقي على صومه أفطر حين أفطر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يبق أحد على صومه بعد إفطار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا الذي تحكيه الرواية هو الأقرب إلى منطق طبيعة الأشياء بخلاف ما حكته الرواياتان المتقدمتان خاصةً إذا التفتنا إلى أن من البعيد جداً أن يكون الأمر بالإفطار لأجل عدم مشروعية الصوم في السفر ثم يصر بعض الذين كانوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام على الصوم وهم يأخذون شرعهم منه صلى الله عليه وآله وسلم .
هذا وقد فسر فقهاء الزيدية تعبير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «العصاة» إزاء من بقي على صومه بإعتبار أنهم خالفوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد أفطر وقد قال تعالى: { فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعَام: 153] لا لأجل عدم مشروعية الصوم في السفر.
أقول: - مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن كانت بلحاظ أنه أمر بالافطار دل ذلك على أن الصوم غير مشروع بالسفر فتسميتهم العصاة ستكون بإعتبار أنهم صاموا صوماً غير مشروع وقد وجب عليهم الافطار.
لكن إذا لاحظنا رواية الإمام الربيع سيظهر الوجه في هذه التسمية مع أن الرواية لم تذكر ذلك لكن لو أردنا الحفاظ على الروايات التي ذكرت ذلك سيكون الوجه في التسمية مع مقارنة كل الروايات برواية الإمام الربيع أنها لمجرد مخالفتهم أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو لم يكن يرتبط بعدم مشروعية الصوم في السفر فلا يصح أن يستنتج منها عدم المشروعية.
وأقول أيضاً إن الأخذ برواية الإمام الربيع ينسجم مع ما تقدم من إستفادة مشروعية الصوم في السفر من الآية الكريمة نفسها، بينما في ضوء الروايات الواردة في مجاميع الحديث الإمامية سيكون هناك تضارب بين مدلول الآية الكريمة وما تريد هذه الروايات بيانه من عدم مشروعية الصوم للمسافر، وعليه لا بد من إرتكاب أحد الأمور الثلاثة: -
الأول: - حمل ما تتحدث عنه هذه الروايات على النسخ بمعنى أنها تدل على نسخ الحكم بالرخصة المستفادة من الآية الكريمة.
الثاني: - حمل ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الروايات على محمل آخر غير قضية عدم مشروعية الصوم للمسافر.
الثالث: - إسقاط هذه الروايات عن الحجية لمخالفتها للكتاب.
وربما يقال إن هناك إشارة إلى النسخ في رواية رواها الإمام الربيع عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: (خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد فأفطر فأفطر الناس معه وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وقد رواها الإمام مالك في الموطأ وأخرجها البخاري في صحيحه.
ولكن هذه الرواية لا تدل بالضرورة على النسخ وإنما عبارة الأحدث فالأحدث لعلها ذكرت بإعتبار أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد صام أيام مسيره من المدينة حتى بلغ الكديد ولم يفطر ثم لما بلغ الكديد أفطر فصام الناس حين صام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأفطروا حين أفطر.
ومما يبعد النسخ:
أولاً: - أن رواية الإمام الربيع عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دلت على أن الامر بالإفطار ليس نسخاً وإنما لجهة ثانية.
ثانياً: - إن الحكم المبين في الآية الكريمة لو كان قد طرأ عليه النسخ لظهر ذلك وبان وعلم مع أنه لم يذهب إلى النسخ عمدة القائلين بوجوب الإفطار على المسافر بل تجد أن بعضهم استدل على فتواه بالآية الكريمة. بل ذكر ابن حزم في المحلى أن هذه الآية محكمة بإجماع أهل الإسلام لا منسوخة ولا مخصوصة، مضافاً إلى أن نسخ القرآن لا يثبت بخبر الواحد.
ثالثاً: - إنه لكي يكون الحديث ناسخاً يجب أن لا يبتلى بالمعارض وهذا الحديث على فرض كونه ناسخاً له معارض وتعارضه أحاديث كثيرة فيسقط بالمعارضة ولا يثبت به النسخ.
رابعاً: - لو كان الأمر بالإفطار من باب النسخ للزم أن يقوم رسول ا صلى الله عليه وآله وسلم ببيان ذلك لإزالة الشبهة والإلتباس وتوضيح الحكم الشرعي وتسليط الضوء على الآية الكريمة، مع أن كل الروايات متفقة على أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يشر إلى النسخ.
وأما حمل الحديث على محمل آخر غير قضية عدم مشروعية الإفطار فهو وإن كان على خلاف ما سيق الحديث لأثباته في تلكم الروايات لكنه أمر لا مناص منه وذلك لأن تلكم الروايات تشير إلى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفطر في الكديد أو في كراع الغميم وبين المدينة والكديد ثمانية أيام وتقع الكديد بين عسفان والقديد. وكراع الغميم تقع جنوب عسفان بـــــ 16 كيلوا على طريق المدينة على الجادة من مكة.
وهذا يعني أن الأمر بالإفطار ليس لأجل عدم مشروعية الصوم في السفر إذ انه صلى الله عليه وآله وسلم قد صام مسيره من المدينة إلى كراع الغميم، الأمر الذي يؤكد صحة ما ورد في رواية الإمام الربيع من أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر بالإفطار تقوية على العدو حيث اقترب الركب من مكة، وليس لعدم مشروعية الصوم في السفر.
وأما الأمر الثالث فلا يصار إليه إلا إذا تعذر الأمران الأول والثاني، والأمر الأول أي الحمل على النسخ وإن كان متعذراً، إلا أن الثاني غير متعذر، ولو فرض تعذره فالرواية ساقطة عن الحجية لمخالفتها للآية الكريمة خلافاً لا مجال للتاويل معه.
هذا وقد يقال إن رواية الإمام الربيع تواجه إستفهاماً مهماً حاصله أنّ شهر رمضان المبارك في عام الفتح يصادف نهاية الخريف وبداية الشتاء حسب الأشهر الافرنجية فلو أخذنا تاريخ العاشر من شهر رمضان لسنة ثمانية للهجرة فانه يصادف بالميلادية 31 - 11 - 609 م وهذا يعني أن الجو كان جواً خريفياً شتوياً فكيف يتوائم ذلك مع ما ورد في رواية الإمام الربيع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصب الماء على رأسه من شدة الحر أوالعطش؟
ويمكن الجواب على ذلك بأنّ العطش يمكن إفتراضه في السفر الصحراوي نهاراً حتى أيام الخريف وليس من البعيد أن يكون مناخ تلك المناطق حتى في مثل تلك الأيام حاراً.
هذا ومما يؤكد رواية الإمام الربيع ما أورده أحمد بن عيسى وهو من أئمة الزيدية في أماليه بسند عن مالك بن أنس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزاة فلما بلغ الكديد قال: أفطروا والفطر لعدوكم قال: فصام قوم فسموا العصاة. وهذه الرواية واضحة في أن أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإفطار إنما هو ليس لعدم مشروعية الصوم في السفر وإنما ليكونوا على قوة أمام العدو، وأن الوجه في تسمية من صام العصاة هو مخالفتهم لهذا الأمر لا لعدم مشروعية الصوم في السفر.
وفي الجامع الكافي وهو من كتب الفقه الزيدي أورد خبراً مسنداً عن جابر قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رمضان عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم أو قديد أو الكديد فبلغه أن أناساً قد شق عليهم الصيام فدعا بقدح من ماء بين الصلاتين فأمسكه بيده حتى نظر الناس إليه فشربه وأمر الناس أن يفطروا فبلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن أناساً صاموا بعد ذلك فقال: أولئك العصاة ثلاث مرات.
وهذه الرواية لا تدل على عدم مشروعية الصوم في السفر:
أولاً: - إنه بحسب الرواية لم يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإفطار حتى بلغه أن أناساً قد شق عليهم الصوم وعليه ليس أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالإفطار لعدم مشروعية الصوم في السفر وإنما لجهة ثانية. وحينئذ تسمية من أفطر بالعصاة ليس إلا لمخالفتهم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي عرفت عدم ارتباطه بعدم مشروعية الصوم في السفر.
ثانياً: - إنه يمكن بعد جمع هذه الرواية برواية الإمام الربيع وما نقل عن مالك بن أنس التوصل إلى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ما بلغه أن أناساً قد شق عليهم الصوم أمر الجميع بالافطار تحسباً من أن يضعف الناس أمام العدو والمطلوب أن يرى الأعداء قوتهم وهم يفتحون مكة المكرمة. ومما يعزز ذلك بل يدلل عليه هو أن المسلمين يأخذون شرعهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس من المنطقي أن يكون أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالإفطار لجهة عدم مشروعية الصوم في السفر ثم يخالف بعض المسلمين هذا الأمر خاصةً وأن الموضوع من المواضيع العبادية المطلوب فيها التعبد بالشرع والتقيد به فلا بد أن يكون الأمر بالافطار لجهة ثانية لا ترتبط بالعبادة نفسها.
الطائفة الثانية: - حديث (ليس من البر الصيام في السفر) وقد رويَ هذا الحديث بطرق عديدة وتضافر نقله. والبر بمعنى الطاعة ومفاد الحديث هو أن الصوم في السفر لا يندرج تحت عنوان الطاعة، وهذا يعني أنه غير مشروع، إذ لو كان مشروعاً لكان طاعةً لله تعالى لا محالة.
وقد ناقش بعض فقهاء الزيدية في الإستدلال بالحديث بأنه ناظر إلى التطوع. وهذه المناقشة إن كان النظر فيها إلى مدلول الحديث نفسه مردودة بإطلاق الحديث، وإن كان النظر فيها إلى الجمع بين الأدلة فقد يخرج ذلك على أساس أن الآية الكريمة لما دلت على مشروعية صوم رمضان للمسافر فانها تقيد إطلاق الحديث وتوجب حمله على التطوع. لكن هذا التقييد لا يوجب الحمل على خصوص التطوع لأن الخارج من الإطلاق هو صوم رمضان فحسب فيبقى ما عداه مندرجاً في الإطلاق.
ويرد أيضاً على حمل الحديث على التطوع بأن بعض روايات هذا الحديث فيها ما يشير أن مورده هو صوم رمضان، وهي رواية جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرَّ برجلٍ في ظل يرش عليه الماء فسأل عنهُ فاخبر أنه صائم فقال ليس من البر أن تصوموا في السفر وعليكم برخصة الله التي رخّص لكم فاقبلوها. فان الاشارة إلى الرخصة يراد بها ما ورد في قوله تعالى: { وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ } ]البقرة: 185] ومن الواضح أن موردها صوم شهر رمضان الأمر الذي يضفي ظهوراً على الرواية أو إشعاراً بأن موردها صوم رمضان فلا يصح حملها على صوم التطوع.
ولكن الصحيح في مناقشة الإستدلال بهذا الحديث أن يقال:
أولاً: - إن روايات هذا الحديث معارضة للآية الكريمة التي قد تقدم بوضوح دلالتها على رخصة الصيام للمسافر. وما يعارض القرآن الكريم إذا لم يكن قابلاً للتأويل لا يؤخذ به.
ثانياً: - إن روايات هذا الحديث معارضة أيضاً بروايات كثيرة فيها المعتبر سنداً دلت على الرخصة للمسافر في صوم رمضان، فتقديمها على معارضيها ترجيح بلا مرجح، كيف والمعارض لها موافق للآية الكريمة؟.
الطائفة الثالثة: - ما دل على أن الصيام موضوع عن المسافر. من ذلك ما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن رجلٍ من بني عامر أن رجلاً يقال له أنس حدثه أنه قدم المدينة فدخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحاجة فوجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأكل فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أدن فقال الرجل اني صائم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن المسافر قد وضع عنه الصوم وشطر الصلاة وعن الحامل والمرضع. وسند الحديث مخدوش بالمجهولين فيه.
ومن ذلك أيضاً رواية أبي أمية عمرو بن أبي أمية الضمري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له وقد دعاه إلى الغداء: أخبرك عن المسافر أن الله وضع عنه الصيام ونصف الصلاة. وسندها تام.
ومن ذلك رواية عبد الله بن الشخير أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له وقد دعاه إلى الغداء: أتدري ما وضع الله عن المسافر؟ قلت: ما وضع الله عن المسافر؟ قال: الصوم وشطر الصلاة. وسندها مخدوش فان هانئا مجهول الحال ولم يذكره في ميزان الإعتدال بشيء سوى قوله ما حدث عنه إلا ابن أبي بشر جعفر.
وهذه الطائفة معارضة بما دل على الرخصة للمسافر أن يصوم، ويمكن حمل عبارة «وضع عنه» على إرادة اسقاط الفرض والوجوب لا إسقاط أصل الصوم، ولو فرضنا عدم صحة هذا الحمل فإن هذه الطائفة معارضة بآية الصوم الدالة على الرخصة ومن المحتمل أن تكون هذه الأحاديث وحديث ليس من البر الصيام في السفر قد قيلت قبل نزول آية الصوم لكن هذا الإحتمال قد لا يتأتى في رواية جابر المتقدمة، وإن كانت هذه الطائفة ناظرة إلى آية الصوم، فبما أن آية الصوم تدل على الرخصة كان معنى وضع الصوم هو وضع وجوبه التعييني.
الطائفة الرابعة: - ما دلّ على النهي عن ردّ رخصة الإفطار للمريض والمسافر والتي استفيد منها أنها رخصة مفروضة.
وقد رويت هذه الروايات في مجاميع الحديث الإمامية وفي مجاميع الحديث السنية أيضاً. أما الإمامية فمنها رواية يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الصائم في السفر في شهر رمضان كالمفطر فيه في الحضر ثم قال: إن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول لله أصوم شهر رمضان في السفر؟ فقال لا. فقال يا رسول الله إنه عليّ يسير فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله عز وجل تصدق على مرضى أمتي ومسافريها بالإفطار في شهر رمضان أيعجب أحدكم لو تصدق بصدقة أن ترد عليه. وهي ضعيفة سنداً حيث لم تثبت وثاقة يحيى بن أبي العلاء.
ومنها رواية السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله عز وجل أهدى اليّ والى أمتي هدية لم يهدها إلى أحد من الأمم كرامة من الله لنا قالوا: وما ذاك يا رسول الله قال: الإفطار في السفر والتقصير في الصلاة فمن لم يفعل ذلك فقد ردّ على الله عز وجل هديته. وهي ضعيفة سنداً بالنوفلي الذي لم تثبت وثاقته.
ومنها مرسلة ابن أبي عمير عن بعض اصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله عز وجل تصدق على مرضى أمتي ومسافريها بالتقصير والإفطار أيسر أحدكم إذا تصدق بصدقة أن ترد عليه.
وهي معتبرة سنداً على قواعد علم الرجال عند الإمامية بناءً على اعتبار مراسيل ابن أبي عمير حيث انه لا يرسل إلا عن ثقة.
ومن مجاميع أهل السنة تقدمت رواية جابر «وعليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها» وقد تقدم الكلام عنها.
وفي مصنف عبد الرزاق عن أبي بكر بن محمد عن إسماعيل بن رافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سأله رجل عن الصلاة والفطر في شهر رمضان في السفر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفطر قال: إني أقوى على الصوم يا رسول الله قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنت أقوى أم الله إن الله تصدق بافطار الصائم على مرضى أمتي ومسافريهم أفيحب أحدكم أن يتصدق على أحدكم بصدقة ثم يظل يردها عليه. والحديث ضعيف فان إسماعيل بن رافع ضعيف متروك.
وهذه الروايات لو تمت دلالتها على أن الإفطار للمسافر رخصة مفترضة فانها معارضة بالعديد من الروايات المعتبرة الدالة على أنها ليست رخصة مفترضة والمرجع عند التعارض إلى كتاب الله تعالى، وقد عرفت أن آية الصوم دالة على أن الإفطار في شهر رمضان رخصة للمسافر وليس عزيمة.
هذا وهناك حديث روي بأكثر من طريق عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (خيار أمتي الذين إذا سافروا قصروا وأفطروا) وهو لا يدل على وجوب الإفطار وانما أقصى ما يدل عليه حسن الإفطار ورجحانه. ويتعارض مع قوله تعالى: { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [البقرة: 184] بالبيان المتقدم.
ثم إن الروايات الدالة على أن الإفطار رخصة كثيرة وفيها ما هو معتبر سنداً وهي موافقة للآية الكريمة، فيتعين الأخذ بها.
وببيان آخر إن آية الصوم { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] آية محكمة وغير منسوخة إجماعاً وهي دالة على أن الإفطار للمسافر رخصة وليس عزيمة. فهي المرجع عند تعارض الأخبار ويؤخذ بالأخبار الموافقة لها دون المخالفة.
وهكذا نصل إلى أن المسافر في شهر رمضان يشرع له الصوم، وصومه صحيح ولا يجب عليه إن صام رمضان في السفر القضاء فيما بعد والله هو العالم بحقائق أحكامه ومنه نستمد وبه الإعتصام والحمد لله أولاً وآخراً.

الفهرست || الأسئلة الفقهية

السابق

Twitter Facebook قناة الشيخ حسين المؤيد في اليوتيوب google + البريد الالكتروني
[email protected]

جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد

www.almoaiyad.com