الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور
 

الأسئلة والاستفتاءات

وقت صلاة المغرب والإفطار مع الإشارة إلى الدليل

السؤال:
أفتيتم بأنه بمجرد سقوط قرص الشمس عن الأفق يدخل وقت صلاة المغرب ووقت الإفطار وهي فتوى تخالف ما عليه فقهاء الإمامية وعمل عامة الإمامية. نرجو من سماحتكم الإشارة إلى الدليل.
 

الجواب:
إن ما ذهبنا إليه كما أنه موافق لما ذهب إليه عامة مذاهب المسلمين من غير الإمامية فانه موافق أيضاً لأتجاه فقهي موجود في الفقه الإمامي سواء عند المتقدمين من فقهاء الإمامية أو عند المتأخرين، وقد ذهب إليه عدد ليس بالقليل من مشاهير فقهاء الإمامية وأساطينهم، لكنه لم يكن الإتجاه المسيطر على الساحة، ولذا فانّ عمل عامة الإمامية هو على الإتجاه الآخر القائل بأن وقت الإفطار وصلاة المغرب يكون بغياب الحمرة المشرقية. لكن هذا الاتجاه خاطيء جداً من الناحية العلمية وقد فصلنا الكلام على ذلك في بحث ضاف موجود في الحلقة الثالثة من كتابنا مسائل من الفقه الإستدلالي. لكننا هنا نريد ونحن في معرض الإشارة إلى الدليل التأكيد بان ما أذهب إليه يمتلك أدلة متقنة هي مضافاً إلى الروايات وعمل المسلمين، ما دلّ عليه القرآن الكريم إذ يمكن أن يستدل بقوله تعالى: { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ } [هود: 114] على أن أول وقت المغرب هو سقوط قرص الشمس، بتقريب أن المراد بالصلاة طرفي النهار هو صلاة الصبح وصلاة المغرب، والتعبير عن وقت صلاة المغرب بطرف النهار يقتضي أن يكون عند غروب الشمس المتحقق بسقوط القرص فهو نهاية النهار وطرفه كما أنّ طلوع الفجر هو الطرف الأول للنهار وبدايته.
والحقيقة إن الإستدلال بهذه الآية الكريمة في المقام يتوقف على طي مقدمات :-
الأولى: - أن تكون الآية الكريمة ناظرة إلى الصلوات اليومية المفروضة.
الثانية: - أن يكون المراد بالصلاة طرف النهار هو صلاة المغرب.
الثالثة: - أن يراد من الطرف نهاية الشيء وما يقع على حافته، فإذا كان الطرف ينطبق على ما يقرب من نهاية الشيء لم يصح الاستدلال بالآية الكريمة لأن زوال الحمرة المشرقية قريب من نهاية النهار.
المقدمة الرابعة: - أن يكون المراد من طرف النهار حافته ومنتهاه الحاصل بسقوط القرص عن الأفق الظاهري، وإلا إذا أريد أمر آخر كما ادعاه بعض وعبر عنه بالنهار الشرعي المنتهي بزوال الحمرة المشرقية الذي هو أمارة غروب الشمس في أفق المغرب لم يتم الإستدلال بالآية الكريمة كما هو واضح.
أما المقدمة الأولى فالذي يظهر في كلمات المفسرين المفروغية عن كون الآية الكريمة ناظرة إلى الصلوات اليومية المفروضة عدا ما ذهب إليه ابن كثير في تفسيره فانه ادعى أن هذه الآية الكريمة قد نزلت قبل فرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء وأنه كان يجب من الصلوات صلاتان صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل الغروب وفي أثناء الليل قيام أوجب على النبي وعلى أمته ثم نسخ الوجوب في حق الأمة ثم نسخ الوجوب في حق النبي. وعلى هذا فالآية ليست ناظرة إلى الصلوات اليومية وإنما هي ناظرة إلى ما كان واجباً قبل فرض الصلوات الخمس وهو صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل الغروب فتخرج الآية على هذا عن ساحة الإستدلال في المقام.
وهذه دعوى تفرد بها - فيما نعلم - إبن كثير ولا شاهد عليها، بل ما ورد في شأن نزول الآية وما روي في بيان الصلوات المقصودة بهذه الآية ينفي ويرد دعواه، ومجرد أن سورة هود قبل سورة الإسراء في الترتيب القرآني لا يسوغ دعواه لإمكان أن تكون هذه الآية مما نزل متأخراً وألحق بسورة هود كما هو الحال في آيات عديدة من هذا القبيل حيث لم تنزل بعض السور دفعة واحدة. والمصير إلى حمل الآية على ما ذكره ابن كثير بحاجة إلى دليل وهو مفقود. بل ظاهر الآية يقتضي عطف لفظ «زلفا» على «طرفي» وعطفه على «الصلاة» خلاف الظاهر وعليه فحمل الآية على صلاة الليل والتي لا تؤدى في أول ساعات الليل خلاف الظاهر الأمر الذي يقضي بارادة الصلاة المفروضة من الصلوات اليومية الخمسة بعد وضوح أنها لم تكن صلاة ليلية مفروضة في أول ساعات الليل كما سلم به ابن كثير نفسه.
وهكذا يتضح تمامية المقدمة الأولى.
وأما المقدمة الثانية فارادة صلاة المغرب هو ما يقتضيه ظاهر الآية الكريمة، لأن حملها على صلاة العصر يستدعي تجوزاً لا يمكن المصير إليه مع عدم القرينة عليه. وذلك لأنّ صلاة العصر ليست موقتة بطرف النهار ونهايته، فحمل الآية على صلاة العصر يستدعي تجوزاً بأن يراد بطرف النهار ما يقرب من طرف النهار بلحاظ أن ما يقرب من طرف النهار يجوز أن يسمى باسمه وهذا مجاز لا يصار إليه إلا بقرينة وهي مفقودة في المقام.
وقد أورد على القول بان المراد صلاة المغرب ما يلي:-
أولاً: - إن الطرف الثاني لا يجوز أن يكون صلاة المغرب لأنها داخلة في قوله تعالى: {وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ } [هود: 114].
وفيه: - إن دخول صلاة المغرب تحت عنوان «وزلفا من الليل» بحاجة إلى دليل، ولو مشينا على ظاهر الآية لكان المراد بالصلاة الداخلة تحت ذلك العنوان هو صلاة العشاء لا غير بعد أن كانت الآية ظاهرة كما تقدم في أن أحد طرفي النهار هو صلاة المغرب، والمعول إنما هو ما يقتضيه ظهور الآية الكريمة.
ثانياً: - إن صلاة الصبح وصلاة المغرب تقعان في طرفي الليل فكيف تجعلان طرفي النهار.
وفيه: - ان صلاة الصبح وصلاة المغرب كما تقعان طرفي الليل تقعان كذلك طرفي النهار وقد عبرت الآية الكريمة عن وقتيهما بطرفي النهار - كما يظهر - لمكان إدخال صلاة العشاء الذي عبرت عن وقته بقوله تعالى: {وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ } [هود: 114] المعطوف على طرفي النهار.
ثالثاً: - ما أفاده المقداد السيوري في كنز العرفان من أنه يحتمل في الآية الكريمة قول آخر بناء على أن النهار إسم لما بين الصبح الثاني وذهاب الشفق المغربي فالمراد بطرفي النهار نصف النهار والواقع في النصف الأول هو صلاة الفجر وفي النصف الثاني باقي الصلوات اليومية المفروضة.
وفيه :-
أولاً: - إن النهار على ما صرح به أئمة اللغة هو الزمان الواقع ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس وقيل من طلوع الشمس إلى غروبها. وإطلاقه على غير ذلك لو ثبت فهو مجازي بحاجة إلى قرينة فحمل الآية على ذلك خلاف الظاهر.
ثانياً: - إن حمل الآية الكريمة على ذلك يقتضي أن يكون عطف { وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ } [هود: 114] على الصلاة لا على { طَرَفَيِ النَّهَارِ}[هود: 114] وهو خلاف الظاهر أيضاً.
رابعاً: - إن صلاة المغرب لا يمكن أن تكون المرادة من الصلاة طرف النهار لأن طرف الشيء من الشيء وعليه فطرف النهار من النهار والحال أن صلاة المغرب ليلية.
وفيه: - إن طرف النهار هو منتهاه وحده وحرفه كما سوف يأتي وقد نصب «طرفي» على الظرفية لأنه مضاف إلى الوقت وعليه فمفاد الآية الكريمة هو الأمر باقامة الصلاة في الوقت الواقع في منتهى النهار وحدّه وهو سقوط القرص فلا ينافي ذلك ان تكون صلاة المغرب ليلية فتدبر.
وهكذا يتضح أن المقدمة الثانية تامة أيضاً.
وأما المقدمة الثالثة فكلمات أئمة اللغة ناصة على أن الطرف هو نهاية الشيء وحافته، ففي معجم مقاييس اللغة لابن فارس: «الطاء والراء والفاء أصلان فالأول يدل على حد الشيء وحرفه والثاني يدل على حركة بعض الأعضاء» وفي لسان العرب لابن منظور «الطرف بالتحريك الناحية من النواحي» ونقل عن ابن سيده أنه قال «طرف كل شيء منتهاه»، وفي مجمع البحرين «الطرف بالتحريك الناحية والجانب» وفي المنجد «الطرف ج أطراف جج أطاريف منتهى كل شيء».
وقد يقال إن ما يقرب من منتهى الشيء يمكن عده منتهى للشي فلا ينافي ذلك كون وقت صلاة المغرب هو زوال الحمرة المشرقية لأنه قريب من طرف النهار فلا تدل الآية الكريمة على أن وقت المغرب يبدء بسقوط القرص.
وفيه: - إن التعبير عما يقرب من طرف الشيء بالطرف مبني على مسامحة تأباها الآية الكريمة الواردة في مقام التعيين والتحديد الملحوظ فيه الدقة كما هو الحال في النصوص الواردة في مقام التحديد.
وهكذا يتضح أن المقدمة الثالثة تامة أيضاً.
وأما المقدمة الرابعة، فان النهار مستعمل في الآية الكريمة بماله من معنى عرفي وهو الزمان الواقع بين طلوع الفجر وغروب الشمس، والمراد من الغروب المأخوذ في المعنى العرفي للنهار هو سقوط قرص الشمس عن الأفق الظاهري. ولم يثبت أن للنهار حقيقة شرعية خاصة، ودعوى النهار الشرعي مستندة إلى الروايات التي يفهم منها تحديد الغروب بزوال الحمرة المشرقية وهي محل مناقشة، وإن أريد بها إناطة الأحكام الشرعية بالنهار الفلكي ورد عليه أنه خلاف الظاهر إذ ظاهر الآية الكريمة استعمال النهار بمعناه العرفي العام وإرادة المعنى الفني الخاص بحاجة إلى دليل وهو مفقود في المقام.
فالنتيجة أن الآية الكريمة تدل على أن أول وقت صلاة المغرب هو غروب الشمس المتحقق بسقوط القرص، فانه بسقوط القرص يكون النهار قد انتهى.
ومما يؤيد ما استفدناه من الآية الكريمة بعض الروايات الواردة في تفسيرها فعن تفسير العياشي عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال : { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} [هود: 114] وطرفاة المغرب والغداة { وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ} [هود: 114] وهي صلاة العشاء الآخرة. وفي تفسير القمي عن أبيه عن سليمان الدليمي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام : وقوله «أقم الصلاة طرفي النهار» الغداة والمغرب «وزلفا من الليل» العشاء الآخرة.

الفهرست || الأسئلة الفقهية

السابق

Twitter Facebook قناة الشيخ حسين المؤيد في اليوتيوب google + البريد الالكتروني
[email protected]

جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد

www.almoaiyad.com