الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور الأسئلة والاستفتاءات
حول زواج الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أم كلثوم بنت الإمام علي عليه السلام
السؤال:
عندي سؤال قرأت كثيرا فيه ولكني كالعادة أحب أن آخذ برأي سماحتكم.
السؤال بخصوص مصاهرة عمربن الخطاب رضي الله عنه بأم كلثوم ابنة علي بن بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين وذلك لان كثير من الشيعة ينكرون ذلك بحجة ان كيف يكون هناك مصاهرة مع وجود العداوة بينهم وبحجة ان السيدة أم كلثوم كان ضمن السبايا بواقعة كربلاء فهل كانت فعلا ضمن السبايا.
لأني قرأت انها تزوجت من عمر رضي الله عنه ورزقت منه بزيد بن عمر ورقية ولذلك كان يقول أنا ابن الخليفتين كناية لعمر وعلي رضي الله عنهم أجمعين.
أريد توضيحاً شاملاً بخصوص هذا الموضوع.
لك مني جزيل الشكر.
الجواب:
إن زواج الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه من السيدة أم كلثوم بنت الإمام علي عليه السلام ثابت على الأصح الأشهر وتدل عليه النقول التاريخية المعتبرة والمعتضدة والقرائن المتعددة وإنكاره لايستند إلى أساس صحيح سواء أكان هذا الإنكار عبر تفنيد بعض الروايات الناقلة لهذا الزواج لخلل في سندها أو متنها أو عبر إدعاء التعارض في النقول. اما الأول فلأن تلكم الروايات المناقش في سندها أو متنها ليست هي الأساس في إثبات هذا الزواج وإنما ثبت هذا الزواج بنقول أخرى وقرائن متعددة موجودة حتى في كتب الشيعة، وأما الثاني فلأن المعارض النافي لايقوى على المعارضة إما لضعفه في نفسه أو لأن الأدلة المثبتة من القوة بمكان لاتتأثر بمثل هذا المعارض. ومن هنا أقر الكثير من كبار علماء الشيعة قديماً وحديثا بثبوت هذا الزواج.
وقد حاول بعض المتنطعين من المحسوبين على أهل العلم من الشيعة الإمامية بعد عجزهم عن نفي ثبوت هذا الزواج الطعن بمفاد هذا الزواج الذي يدل بلاريب على حسن الصلة والعلاقة بين الإمام علي عليه السلام والخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وعلى أهلية عمر لهذا الزواج شخصاً ومقاماً. ومحاولات الطعن هذه ليست سوى تخرصات لاترقى إلى مستوى التحقيق العلمي، نذكر بعضها لبيان مدى ضعفها وسخافتها.
منها: إن زواج عمر من أم كلثوم لافضيلة فيه لعمر ذلك أن آسية بنت مزاحم المرأة المؤمنة الصالحة هي زوجة فرعون فزواجها منه لافضيلة فيه لفرعون.
والرد على هذا التخرص السخيف هو أن آسية كانت زوجة لفرعون قبل دعوة موسى عليه السلام وإيمانها بموسى فهي إذ تزوجت فرعون لم تكن مؤمنة حين ذاك فكيف يقاس هذا بزواج عمر بن الخطاب من أم كلثوم؟ فلو كان في عمر رضي الله عنه مطعن لما زوّج علي عليه السلام إبنته من عمر وهي من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبنته من فاطمة عليها السلام وهو الذي لايمكن أن يعتمد في التزويج إلا على معايير الإسلام وقد وجدها متوفرة في زواج أم كلثوم من عمر.
ومن التخرصات أن لوطاً عرض بناته على قومه وهم كفار لأنه وجد في ذلك مصلحة فلتكن هذه من تلك. وهذا التخرص من السخافة بمكان:
أولاً: إن لوطاً لم يعرض بناته بالنسب على قومه وإنما قصد ببناته نساء قومه.
ثانياً: إن زواج عمر رضي الله عنه من أم كلثوم جاء في إطار شريعة الإسلام وثقافته وبني على هذا الأساس، فكيف يمكن أن يقال إن أهل بيت النبوة في مكانتهم الرفيعة يخرجون عن اطار هذه الثقافة التي لا تتيح للمسلم العادي الملتزم بالدين أن يزوج إبنته لكافر أو فاسق فكيف بشخص مثل علي عليه السلام وأسرة هم أهل بيت النبي عليه الصلاة والسلام.
ثالثاً: إن في هذا التخرص اتهاما لعلي عليه السلام بأنه يضرب أحكام الإسلام وقيمه عرض الحائط لأجل مصلحة غير ملزمة إذ من الواضح انه لاتوجد مصلحة ملزمة تسوغ له تزويج إبنته من كافر أو فاسق أو خصم لأهل بيت النبوة حسب ما يفترض المتخرصون من الشيعة.
ومن هذه التخرصات أن هذا الزواج لا يدل على المودة بين علي وأهل البيت من جهة وبين عمر من جهة ثانية بدعوى أن هناك نقولا تؤكد عدم المودة بينهما منها مارواه البخاري في صحيحه (فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة فلما توفيت إستنكر علي وجوه الناس فإلتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الاشهر فأرسل إلى أبي بكر ان إئتنا ولا يأتنا أحد معك كراهية لمحضر عمر).
والرد على هذا التخرص:
أولاً: لوفرضنا فرضاً أن الاجواء بين علي وعمر كانت متعكرة في أول خلافة أبي بكر رضي الله عنه إلا أن ذلك لم يستمر فإن زواج عمر من أم كلثوم وقع سنة 17هـ حسب بعض النقول وعلى كل التقادير وقع الزواج في خلافة عمر وهذا يعني أن الأجواء السلبية قد تبددت وصار هناك مناخ إيجابي جديد للعلاقة لأن الزواج بين المتخاصمين لا يخرج عن إحدى دلالتين:
الأولى: إن الخصومة قد انتهت وتبدلت الكراهية بالمودة.
الثانية: إنه يأتي في سياق إنهاء الخصومة والتودد والعمل على خلق مناخ إيجابي جديد.
وإلا فإنه في الحالات الطبيعية لايتم التصاهر بين المتخاصمين.
ثانياً: إن كل الشواهد التاريخية تؤكد أن العلاقة بين علي وعمر في أيام خلافة عمر كانت علاقة طيبة فعلي لم يعترض على إستخلاف عمر وبايعه، كما إن عمر تعامل مع علي بدرجات عالية من الإيجابية فكان علي أيام خلافته مستشاره الأبرز وكان عمر يرجع إلى قول علي، وصدرت من عمر كلمات طيبة في حق علي نظير (لولا علي لهلك عمر) و(لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن) وغيرها، وقد عين عمر عددا من الصحابة الذين كان لهم ميل إلى علي في مناصب مرموقة كما فعل مع عمار وسلمان، وعندما ذهب عمر ليتسلم مفتاح القدس ولى علياً مقاليد الأمور في المدينة، وغير ذلك من الشواهد وكلها تدل على الوئام بين الطرفين، فلا شك أن هذا الزواج جاء في أجواء المودة لا الكراهية.
ومن هذه التخرصات أن علياً عليه السلام كان مكرها على تزويج بنته من عمر لأن عمر هدد بفبركة تهمة السرقة على علي وقطع يده كما هدد بردم زمزم والتضييق على بني هاشم، ومن هنا ورد عن جعفر الصادق التعبير عن هذا التزويج بأنه فرج غصبناه.
وهذا التخرص من أوهن وأسخف التخرصات.
أولاً: إن نزاهة علي عليه السلام ومكانته وزهده وتعففه وورعه من الأمور الثابتة الجلية التي لا يمكن لأحد مهما بلغت مكانته أن يورط نفسه في التحايل لإلصاق تهمة مخلة بنزاهة علي ومكانته لأنها ستكون مفضوحة ويكون مردودها سلبيا على المتآمر نفسه فكيف يتصور أن يقوم شخص يتصف بالعقل والحكمة مثل عمر بمثل هذه الفبركة وهو العارف بمكانة علي في المجتمع. وهل يعقل أن يقدم عمر على ردم زمزم لأن علياً لم يزوجه من أم كلثوم؟
ثانياً: إن عليا وبني هاشم لم يكونوا بهذه الدرجة من الضعف بين الناس وفي مجتمع الصحابة كي يسهل تمرير مثل هذا التهديد والتهمة ومن أجل قضية تزويج.
ثالثاً: هل من المعقول أن يقدم عمر على مثل هذه الخطوة التي ستحدث احتقانا كبيرا بينه وبين علي وبني هاشم ويكون لها مردود سلبي في المسلمين ولاتنسجم مع ما حرص عليه عمر رضي الله عنه طيلة خلافته من السيرة الحسنة بين الناس عموماً والسيرة الحسنة مع أهل البيت وبني هاشم على وجه الخصوص. وكيف ستصفو له العلاقة الزوجية التي تأسست على هذا التهديد.
رابعاً: لم نجد على مدى خلافة عمر ما يدل على أن الاجواء كانت بينه وبين علي وبني هاشم محتقنة، ولو قام هذا الزواج على أساس التهديد وبهذا المنطق الرخيص لكان هناك احتقان مستمر ومناخ سلبي تستمر آثاره مع أن الأمور كانت على العكس من ذلك تماماً.
وهكذا يتضح أن هذه التخرصات لا تصدر إلا عن عقل مريض ونفسية حاقدة يمنعها الحقد من أن ترى الأمور على ما هي عليه في الواقع، وهي تدلل على عمق المأزق الذي واجهه أولئك الذين ينفخون في نار العداء والكراهية، لأن زواج عمر من أم كلثوم يعتبر حقيقة صارخة تفند مزاعمهم وتعطي صورة مغايرة للصورة التي يسعون إلى ترسيخها في الاذهان.
عصمنا الله تعالى من الزلل وسددنا في القول والعمل وجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه أولئك الذين هدى الله وأولئك هم أولوا الألباب.
البريد الالكتروني
[email protected]جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد