الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور الأسئلة والاستفتاءات
رد على شبهات زائفة حول صحبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الغار
سماحة العلامة الشيخ حسين المؤيد حفظه الله تعالى ورعاه
طالعت بإعجاب ردكم القيم على بعض علماء الشيعة الذي زعم أن صحبة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه للنبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في الغار ليست فضيلة لأبي بكر، ولقد كان ردكم عليه ردا علميا مفحما كشف عن عمقكم العلمي وتبحركم وموضوعيتكم. لقد وجدت مقطعاً على اليوتيوب بعنوان إثبات أن أبا بكر لم يكن في الغار مع النبي الأكرم يعرض في هذا المقطع معمم شيعي من الحوزة وعلى قناة فضائية رواية ينقلها من مسند الإمام أحمد بن حنبل، وعلى أساس هذه الرواية أثار شبهات حول ثبوت صحبة أبي بكر رضي الله عنه للنبي عليه الصلاة والسلام في الغار وصار يشكك في أن يكون المراد بصاحبه في الآية الكريمة أبا بكر، وصار يضع علامات استفهام حول ما ينقل من أن النبي عليه الصلاة والسلام ائتمن أبا بكر في سفر هجرته واستصحبه معه. أرجو من سماحتكم بحكم تبحركم العلمي أن توضحوا القضية وتدلوا برأيكم فيها مشكورين غير مأمورين، جزاكم الله تعالى خير الجزاء وبارك فيكم.
الجواب:
لقد اطلعت على هذا المقطع المشار إليه في سؤالكم، وما أثير فيه من شبهات أقل ما يقال فيها أنها شبهات زائفة وبعيدة كل البعد عن المنهج العلمي وعن العلم. ولتوضيح ذلك يجب أن ننقل المقطع المستشهد به من رواية مسند ابن حنبل ثم نوضح بطلان الشبهات المثارة، بل دلالة الرواية على صحبة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه للنبي صلوات صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في الغار وعلى فضيلة هذه الصحبة لأبي بكر الصديق.
أما المقطع المستشهد به من الرواية فهو التالي: - (وشرى علي نفسه لبس ثوب النبي صلى الله عليه وسلم ثم نام مكانه، قال:و كان المشركون يرمون رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبو بكر وعلي نائم، قال: وأبو بكر يحسب أنه نبي الله، قال: فقال يانبي الله، قال: فقال له علي: إن نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمون فادركه، قال: فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار).
هذا هو المقطع كاملاً، ويتضح منه:-
أولاً: - إن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قد صاحب النبي صلوات الله وسلامه عليه وكان معه في الغار، وهذا المعمم الذي حاول إثارة الشبهة لم يقرأ المقطع بكامله، ولا شك في أن ما عمله يندرج في باب الخيانة العلمية، إذ مقتضى الأمانة العلمية قراءة النص بكامله لا أن يُقرأ قسم منه ويبنى عليه ما هو غير مقتضاه، فالرواية صريحة في أن أبا بكر دخل مع النبي عليه الصلاة والسلام في الغار، وعليه لا معنى أصلا للتشكيك في من هو المقصود في قوله تعالى: { إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} [التّوبَة: 40] فصاحبه هو أبو بكر وليس أي شخص آخر.
ثانياً: - إن الرواية تدلل على فضل أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، فهو المؤتمن الذي دله علي عليه السلام على مكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وطلب منه أن يدرك النبي. ومن المقطوع به أن عليا لم يفعل ذلك في مثل هذا الظرف الحساس والعصيب من عند نفسه، وإنما امتثالا لأمر رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، وفي هذا مزية لأبي بكر حيث اختاره رسول الله لصحبته في هجرته مع ما فيها من حساسية وملابسات. والذي يدقق في الرواية بسليقة معتدلة يفهم منها أن مجيء أبي بكر لم يكن صدفة أو اعتباطا، وإنما كان عن موعد وترتيب مسبق ولذا قال له علي - ولاشك في أنه قال ذلك عن أمر النبي - إن نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه.
وبملاحظة هاتين النقطتين يتضح أن الرواية التي حاول هذا المعمم أن يوظفها زورا للتشكيك في صحبة أبي بكر الصديق في الغار والتشكيك في مكانته وفضله قد جائت واضحة على عكس ما أراد، فهي صريحة في أن أبا بكر قد كان مع النبي في الغار، وأنه كان الصاحب المؤتمن المنتقى لهذه الرحلة التاريخية البالغة الأهمية.
ثالثاً: - قد حاول هذا المعمم في ضمن ما أثاره من شبهات توظيف هذه الرواية ضد ما قال إنها روايات متناقلة ويقصد أنها متناقلة عند أهل السنة تتضمن أن النبي عليه الصلاة والسلام قد ائتمن أبا بكر في سفره واستصحبه معه منذ بداية سفره، وقد غفل هذا المعمم أو تناسى أنه لا يستطيع توظيف الرواية لمبتغاه، لأن الرواية دلت أيضاً على أن أبا بكر هو الصاحب المؤتمن، وأنه رافق النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في هجرته وكان معه في الغار، وهي إذن متفقة في الأساس مع الروايات الأخرى فلا يمكن توظيفها ضدها، وإذا كان هناك اختلاف في خصوصيات أخرى فهو اختلاف لا ينعكس سلبا على ما هو الجوهري في الموضوع، ومثله موجود في النقول التاريخية في وقائع أخرى ويتم التعامل معه حسب مقتضيات المنهج العلمي.
البريد الالكتروني
[email protected]جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد
