الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور الأسئلة والاستفتاءات
الرد على إنكار فضيلة الصحبة في الغار
السؤال:
سماحة العلامة الشيخ حسين المؤيد وجدت على الموقع الالكتروني لمرجع شيعي لبناني عُرف عنه الدعوة إلى الوحدة الإسلامية والتقرب إلى أهل السنة كلاماً يتنافى مع ذلك، ففي جوابه عن سؤال حول هل مصاحبة أبي بكر الصّديق رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الغار فضيلة لأبي بكر قال في الجواب إنها لا تعتبر فضيلة في حد ذاتها. فما هو رأي سماحتكم؟
الجواب:
في هذا الجواب مغالطة وقفز على الحقائق لا بد أن يترفع عنه أهل العلم والتحقيق، فلا ينبغي التشكيك في أن صحبة أبي بكر الصّديق رضي الله عنه للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في هجرته مضافاً إلى كونها شرفاً عظيماً فهي فضيلةٌ لا تنكر سواءً بلحاظ الآية الكريمة الواردة في ذلك، أو بلحاظ القضية نفسها.
أما بلحاظ الآية الكريمة فيكفي في بيان هذه الفضيلة -:
أولاً: - إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد شرك معه أبا بكر رضي الله عنه في معية الله تعالى. فقال له: (لا تحزن إن الله معنا) وقد ذكر القرآن الكريم نص كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم من باب تصديق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما قاله. وبما أن هذه المعيّة هي معيّة حفظ ورعاية ربانية وهي لا تكون إلا لمؤمن صادق الإيمان دلّت الآية على فضل أبي بكر رضي الله عنه سواءً في تزكية إيمانه أو في نيله شرف المشاركة في هذه المعية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا يخفى على النبيه أن صيغة التعبير (إن الله معنا) فيها بيان لرفعة منزلة هذا الشريك وأنه ليسَ مجرد صاحب سفر أو طريق وإنما هو رفيق درب في الرسالة وحركتها، فلم يقل صلى الله عليه وآله وسلم : «سينجينا الله» أو «إن الله معي وسننجو» بل قال «إن الله معنا».
ثانياً: - بناءً على أن قوله تعالى: { وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} [التّوبَة: 40] هو عطف جملة على جملة وأن المراد به الإشارة إلى واقعة بدر وليس عطفاً على نفس واقعة الغار في مضامينها، فان الضمير في قوله تعالى: { فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} ]التوبة: 40[ يعود إلى أبي بكر رضي الله عنه فهو الذي تقتضيه المناسبة، ولا يناسب عوده إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان مطمئناً، والذي حزن هو أبو بكر الصّديق رضي الله عنه فأنزل الله سكينته عليه رفعاً لحزنه. مضافاً إلى القرينة التي ذكرها الفخر الرازي «ره» وهي أنه لو كان المراد إنزال السكينة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للزم من ذلك أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قلقاً خائفاً قبل ذلك ولو كانت هذه حال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لما أمكنه أن يهديء روع أبي بكر رضي الله عنه ويقول له «لا تحزن». وهكذا يتضح أن السكينة نزلت على أبي بكر رضي الله عنه . وفي تعبير الآية الكريمة ما يدلل على فضل أبي بكر رضي الله عنه من جهتين -:
الأولى: - استعمال لفظ «أنزل» وهذا يعني أنها سكينة خاصة أنزلت في هذهِ القضية ولهذا الشأن.
الثانية: - إضافة السكينة إلى الله عز وجل فهي سكينة ربانية.
وهناك فرق بين أن تقول «أسكنه» وبين أن تقول: «انزل السكينة عليه» فالأخيرة فيها فضل واضح لانها تستبطن عناية خاصة.
هذا بلحاظ الآية الكريمة. وأما بلحاظ القضية نفسها فانها تدلل على الفضل من جهات عديدة أبرزها -:
أولاً: - إختيار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر رضي الله عنه دون غيره من صحابته لهذا السفر التاريخي في معناه ومضمونه وبما يمثله من نقلة نوعية في حركة الرسالة الإسلامية وما له من دلالات حين يدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة المنورة مستصحباً أبا بكر أمام مستقبليه في المدينة وهو يفتح عهداً جديداً فيها.
فنحن نجد اختيارين مهمين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حادثة الهجرة وهما إختياره لعليّ ابن أبي طالب عليه السلام لينام في فراشه ويكون درعه الواقي ويقف في مواجهة المشركين وما قد ينجم عن إكتشافهم هجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ردود أفعالهم ثم لينجز وصاياهُ صلى الله عليه وآله وسلم بعدَ أن ينجيه الله تعالى من شرور المشركين بعد مبيته وما يتلوه، واختياره لأبي بكر رضي الله تعالى عنه ليكون صاحبه في هذه الهجرة التاريخية.
ثانياً: - دلالة هذا الإختيار على الدرجة العالية من الوثوق والإنسجام والمودة والقرب.
ثالثاً: - في هذا الإختيار إبراز لشخصية أبي بكر رضي الله تعالى عنه وإلفاتٌ إلى منزلته.
رابعاً: - إستجابة أبي بكرٍ رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومرافقته في هذه الرحلة دون أن يعتذر بأي عذر ودون أن يسوق أي مبررٍ للتنصل وهو يعلم ما قد تنطوي عليه هذه الرحلة من مخاطر وأنه قد يكون هو شخصياً عرضةً لهذه المخاطر يدلل على عمق إيمانه رضي الله عنه وإستعداده للتضحية ومدى حبه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وأعتقد أن أي دارس لهذه القضية لا يمكن إلا أن يخرج بنتيجة تدلل على أن هذه الصحبة هي فضيلة ومنزلة هامة لأبي بكر الصّديق رضي الله تعالى عنه، وهي لم تكن مجرد صحبة طريق إقتضتها ظروف طارئة أو ما شاكل، وإنما هي صحبة اختيرت بعناية وأن أبا بكر رضي الله تعالى عنه كان فيها رفيق درب رسالي في حركة الدعوة الإسلامية.
وقد حاول بعض من تنكب الانصاف الاتيان بتبريرات تخرج هذه الصحبة عن كونها منقبة وفضيلة، لكنها تبريرات سخيفة لا يقبلها المنطق السليم ولا تنسجم مع منطق طبيعة الأشياء.
البريد الالكتروني
[email protected]جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد