الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور الأسئلة والاستفتاءات
جواب سؤال عن البداء وبيان بطلان عقيدة البداء
السلام عليكم مامعنى البداء ولكم جزيل الشكر والتقدير
الجواب:
البداء في اللغة هو الظهور، تقول بدا الشيء بداء أي ظهر. وجاء لفظ البداء في اللغة بمعنى تغير الشيء عما كان عليه، وبمعنى استصواب شيء علم بعد أن لم يكن معلوما، وبمعنى نشوء الرأي يعني أنه رأي حادث لم يكن موجودا قبل حدوثه.
والبداء سواء أكان بمعنى ظهور الرأي بعد خفائه، أو بمعنى حدوث رأي لم يكن قد حدث، فهو يستلزم سبق الجهل وحدوث العلم.
والبداء مصطلح وعنوان بارز في عقيدة الشيعة الإمامية، ووردت في كتب الحديث الشيعية روايات منسوبة إلى بعض أئمة أهل البيت تنص على عقيدة البداء، منها ما رواه زرارة عن أحدهما أي محمد الباقر أو جعفر الصادق أنه قال: ما عبد الله بشيء مثل البداء، وما رواه هشام بن سالم عن أبي عبد الله أي جعفر الصادق أنه قال: ما عظم الله عز وجل بمثل البداء، وغير ذلك من الروايات.
والبداء بالمعنى الذي تقدم أي ظهور الرأي بعد خفائه أو حدوث رأي لم يكن موجودا، يستحيل ثبوته في حق الله عز وجل والقول به كفر بلا ريب، فان علم الله تعالى أزلي أبدي شامل مستوعب لكل الأشياء والحوادث، ويستحيل على الله تعالى الجهل بشيء أو حدوث علم له لم يكن حاضرا عنده. فالظهور بعد الخفاء والعلم بعد الجهل لا يتصوران في حق الله عز وجل لأن ذلك يوجب النقص في ذات الله عز وجل وهي منزهة عن النقص، فالله تعالى هو المطلق الكامل في ذاته وصفاته، ويوجب أيضاً النقص في أفعاله تعالى وهي منزهة عن النقص، فالله تعالى هو المطلق الكامل في قدرته وخلقه وتدبيره وسائر أفعاله. وقد وردت آيات كثيرة تدل على كمال علم الله تعالى نظير: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء} [آل عمران : 5] ، {وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء} [إبراهيم : 38] ، {وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران : 29]، {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [الأنعام : 59]، {يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ} [الرّعد: 42] ، {قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الفرقان: 6] ، {فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الزمر: 46] {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة : 29] ، {وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس : 79]. فالبداء بالمعنى المتقدم تكذيب للقرآن الكريم وهو كفر واضح.
بيد أن الشيعة الإمامية عرّفوا البداء الذي هو من مفردات عقيدتهم بأنه عبارة عن أن يظهر الله تعالى شيئاً على لسان نبيه أو وليه في ظاهر الحال لمصلحة تقتضي ذلك الإظهار ثم يمحوه فيكون في الواقع غير ما ظهر أولا مع سبق علمه بذلك. وقالوا إن البداء في الأمور التكوينية هو نظير النسخ في الأمور التشريعية، واستشهدوا لذلك بقوله تعالى: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد : 39].
والقول بالبداء بهذا المعنى باطل أيضا. ويمكن تسجيل الملاحظات التالية عليه:-
الملاحظة الأولى: - إن البداء بهذا التعريف الذي ذكره علماء الشيعة في كتب العقيدة قد تبلور في مرحلة لاحقة، وإلا فان القول بالبداء بمعناه الباطل المستلزم للكفر كان موجوداً عند بعض فرق الشيعة في مرحلة أسبق على ما يظهر، ولذا رد عليه أئمة من أهل البيت، فقد وردت روايات عن بعض أئمة أهل البيت في رد القول بالبداء وتكفير القائل به، نظير ما روي عن جعفر الصادق أنه قال: من زعم أن الله تعالى بدا له في شيء بداء ندامة فهو عندنا كافر بالله العظيم، وروي عنه أنه قال: من زعم أن الله بدا له في شيء ولم يعلمه أمس فأبرأ منه.
ويبدو من هذه الروايات أنها في معرض الرد على قول كان يتردد وفي أوساط الشيعة، لوضوح أن كل فرق المسلمين الأخرى لا تقول بالبداء، فبطبيعة الحال يكون الرد على الوسط الشيعي وهو الذي منه ظهر وعرف القول بالبداء.
ومما يدلل على ذلك أيضاً ما نسب إلى الإمام الصادق أنه قال في موت إبنه إسماعيل الذي كان يفترض أو يروج على أنه الإمام بعده: ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل إبني. وظاهر هذا الكلام إرادة البداء بمعناه الباطل المنحرف، ومعنى ذلك أن البداء بهذا المعنى كان دائراً على لسان الشيعة ولو في نطاق ما.
فما نسبه بعض كبار علماء السنة إلى الشيعة من القول بالبداء بمعناه الباطل المنحرف لم يأت عن فراغ أو اختلاق.
الملاحظة الثانية: - إن التعريف المذكور للبداء في كتب الشيعة والذي قلنا إنه جاء في مرحلة لاحقة، وإن لم يطرح البداء بمعناه الباطل المستلزم لنسبة الجهل إلى الله تعالى، لأن التعريف الذي ذكروه لا يطرح البداء بمعنى ظهور شيء كان مخفيا عن علمه تعالى وإنما علمه به تعالى سابق، إلا أن ما عرفوا به البداء ليس بداء ولا تصح تسميته به لخروجه عن معناه. فالبداء هو إما ظهور الرأي بعد الخفاء، أو حدوث رأي لم يكن قد حدث ولم يكن حاضرا. وأما إظهار الله تعالى شيئاً ثم محوه فليس من البداء أصلا، فيكشف ذلك عن أن هذا التعريف هو نوع تخريج للتخلص من البداء بمعناه الكفري الذي كان دائرا في مرحلة أسبق، ومحاولة لصرف بعض الروايات المروية في كتب الحديث الشيعية - والتي ظاهرها البداء بمعناه الكفري - عن معناها الظاهر إلى معنى آخر خروجا عن مخالفة المعنى الظاهر لما هو الثابت من كون علم الله تعالى أزليا أبديا مستوعبا، فصار معنى البداء بدلا من ظهور علم ورأي لم يكن والذي هو محال في حق الله تعالى بداء من الله للناس وإظهارا منه عز وجل .
ومن الواضح أن التعبير بالبداء بهذا النحو غير صحيح ومخالف للبداء الوارد في الروايات المثبتة له كالرواية السالفة (ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل إبني)، فهي واضحة في نسبة البداء إلى الله تعالى، فهو بداء لله وليس بداء من الله، فما يكون من الله هو الإبداء وليس البداء. والإبداء معنى آخر هو الإظهار، بينما البداء بمعناه الباطل الكفري ليس هو الظهور فحسب، وإنما ظهور علم ورأي لم يكن.
الملاحظة الثالثة: - إن قضية المحو والإثبات التي ذكرتها الآية الكريمة {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد : 39] هي قضية حقة اتفق عليها المسلمون من حيث المبدأ وإن اختلفوا في بعض تفاصيلها من حيث سعة وضيق دائرة المحو والإثبات، وقد ذكر الفخر الرازي قولين في الآية الكريمة قولا بأنها عامة في كل شيء كما يقتضيه ظاهر اللفظ، وقولا بأنها خاصة في بعض الأشقياء دون بعض، ثم قال: إن قال قائل ألستم تزعمون أن المقادير سابقة قد جف بها القلم وليس الأمر بأنف فكيف يستقيم مع هذا المعنى المحو والإثبات؟، قلنا: ذلك المحو والإثبات أيضاً مما جف به القلم فلا يمحو إلا ما سبق في علمه وقضائه محوه.
وهذا ليس بداء كما هو واضح، وإنما هو محو وإثبات، وكله بعلم سابق من الله تعالى. فلا يصح أن يعبر عنه بالبداء لا بالمعنى الباطل الكفري، ولا بالمعنى المعرف في كتب الشيعة. ومما يدلل على ذلك أنهم نظروا البداء بالنسخ ونقول كيف يصح أن يكون النسخ بداء أو كالبداء؟، فالنسخ رفع الحكم التشريعي بانتهاء أمده، وما يكون نظيراً له في الأمور التكوينية هو المحو والإثبات بتغيير الحكم التكويني في حال وجود المانع أو فقدان الشرط، فأين ذلك من البداء حتى بالمعنى المطروح عند الشيعة أي أن يظهر الله تعالى شيئاً على لسان نبيه أو وليه في ظاهر الحال ثم يمحوه فلا يقع ما أخبر به نبيه أو وليه، فهذا المعنى لا يعبر عن قضية المحو والإثبات في الواقع ونفس الأمر، ولا يعبر عن شيء نظير النسخ، وإنما هو من باب تخلف الخبر بتخلف المخبر به لعدم استجماع الخبر عناصر مطابقته للواقع.
الملاحظة الرابعة: - إن البداء بالمعنى المعرف في كتب الشيعة أي أن يظهر الله تعالى شيئاً على لسان نبيه أو وليه في ظاهر الحال لمصلحة تقتضي ذلك الإظهار ثم يمحوه فيقع خارجاً غير ما ظهر أولا مع سبق علمه تعالى بذلك، أو بالمعنى المطروح في كتب عقائد الشيعة أيضاً وهو اطلاع النبي أو الإمام على قضية غيبية والإخبار عنها ويكون قد اطلع على المقتضي في القضية دون الإطلاع على فقدان الشرط أو وجود المانع فيتخلف خبره عن الواقع، أقول البداء بهذا المعنى هو أيضاً أمر باطل وعقيدة فاسدة وإن لم تنطو على نسبة الجهل إلى الله تعالى، وذلك لأنه بالنسبة إلى النبي فلا يمكن أن يقع منه ذلك، لأنه أساساً لا يطلع على الغيب إلا في حدود ما يطلعه الله تعالى، ولا يبين من الغيب إلا ما أذن له به، وما يكون صادقا من حيث التحقق الخارجي، وإلا لأصبح كلامه مظنة التكذيب ولو من جهة الظن بنقص ما يعلمه ويخبر عنه، وهذا لا يمكن أن يثبت في حق النبي أصلاً، لأنه يوجب الطعن فيه وفي أقواله، فالنبي منزه عن ذلك. وأما غير النبي فلا سبيل له إلى معرفة الغيب ولا هو ممن يوحى إليه، فلا يصح له أن يخبر عن الغيب أصلاً، وإذا كان قد اطلع على أمر غيبي من ناحية إخبار النبي له وإذنه له بالتحديث بذلك الأمر الغيبي، فإخبار النبي لا يتخلف عن الواقع كما بينا قبل قليل في هذه الملاحظة. أضف إلى ذلك أنه لم يثبت مصداق خارجي للمعنى الذي ذكروه في تعريف البداء لا من القرآن الكريم ولا من سنة نبوية صحيحة، كما لا يشهد له دليل من الكتاب والسنة، فكيف يتخذ عقيدة وهو فاقد للمستند الشرعي؟. بل الأدلة على خلافه قال تعالى: { وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً (23) إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } [الكهف: 23-24] وقال تعالى: { كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً} [المزّمِّل : 18] ، وقال تعالى { إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران : 9] وقال تعالى { إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً} [مريم : 61] وقال تعالى: { وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم : 6] وقال تعالى: { فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ} [إبراهيم: 47] وغير ذلك من الآيات الكريمة التي لا يتمشى معها القول بالبداء بالمعنى المطروح في عقائد الشيعة، فلا يمكن أن يخبر النبي عن شيء ويتخلف خبره عن الواقع فهو لا يخبر إلا عما أبرم، وإذا أخبر عن شيء لتوفر المقتضي فيه فإنه لا يخبر عنه خبرا مطلقاً، وإنما يخبر عنه مقيداً، لأنه مخبر عن الله تعالى ولا يمكن أن يخبر عن الله تعالى ما يتخلف خارجاً، لأن ما يأذن الله تعالى بالإخبار عنه هو من الوعد الذي لا يتخلف.
وأما ما استشهدوا به من آيات لدعوى وقوع البداء بالمعنى الذي عرفوه به، فلا يصح شاهدا. فمن ذلك قوله تعالى: { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ } [الصافات: 101-102] بدعوى أن قوله { إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصَّافات: 102] يكشف عن أمرين:-
الأول: - الأمر التشريعي بذبح ولده، لأن رؤيا الأنبياء من أنحاء الوحي إليهم.
الثاني: - الحكاية عن ذلك في الخارج أي تحقق الذبح وأن إبراهيم سيمتثل، مع أنه لم يتحقق ذلك لفقد الشرط وهو عدم النسخ حيث تم نسخ الأمر. فكيف أخبر إبراهيم بشيء لم يتحقق؟ أوليس ذلك لأجل أنه اطلع على المقتضي ولم يقف على المانع؟ فهذا هو البداء بالمعنى المعرف به شيعيا.
والجواب على ذلك هو أن إبراهيم لم يخبر عن تحقق الذبح خارجاً، وإنما أخبر عما رآه في المنام، فإن كان ما رآه في المنام حاكياً عن تحقق ذلك في الخارج، فهذه الحكاية ليست جزء من إخبار إبراهيم، وإنما هي جزء من المخبر به والذي هو مورد لاحتمال المحو، وهو ما لا يخفى على إبراهيم وإسماعيل، إلا أن عليهما الإمتثال ما لم يبلغا بالنسخ ويكتشفا أن الأمر بالذبح أمر إمتحاني مثلاً.
ومما استشهد به أن يونس عليه السلام أنذر قومه بأن العذاب سيصيبهم بعد ثلاثة أيام، إلا أن هذا الأمر لم يقع، وما ذاك إلا لأنه اطلع على المقتضي ولم يطلع على المانع وهو أن القوم سيتوبون، وإلى ذلك يشير قوله تعالى: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس : 98]. فهذا من البداء بالمعنى المتقدم.
والجواب على ذلك هو أن خبر يونس لم يتخلف فإنهم لما أصبحوا طفق العذاب يغشيهم وأن حمرة لم تزل تدنو حتى وجدوا حرها بين أكتافهم كما ورد عن ابن عباس فشرعوا بالتوبة فكشف الله تعالى عنهم العذاب. والتعبير بكشف العذاب يعطي معنى رفعه بعد أن وقع كما هو الحاصل في آيات أخرى ورد فيها التعبير بالكشف كقوله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ} [الأنبياء: 83-84] ، وقوله تعالى: { وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ} [الأنعَام: 17] ، وقوله تعالى: { وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمْ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمْ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } [الأعراف: 134-135] ، وقوله تعالى: { إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان : 15]. والأخبار النافية لذلك لا يؤخذ بها فالأصل ما جاء في القرآن الكريم.
ومما استشهد به أن موسى أخبر قومه أنه سيغيب عنهم ثلاثين ليلة كما روي عن ابن عباس أن موسى قال لقومه إن ربي وعدني ثلاثين ليلة أن ألقاه وأخلف هارون فيكم، فلما فصل موسى إلى ربه زاده الله عشرا فكانت فتنتهم في العشر التي زاده الله، وإلى هذا يشير قوله تعالى: { وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } [الأعرَاف: 142] ، فموسى عليه السلام قد اطلع على الخبر الأول ولم يطلع على نسخه وأن التوقيت سيزيد، فأخبر بني إسرائيل بما اطلع عليه فلم يتحقق، وهذا هو البداء.
والجواب عليه هو أن المستفاد من قوله تعالى في سورة البقرة: { وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ} [البقرة : 51] أن الأربعين داخلة في الوعد، الأمر الذي يعني أن الزيادة لم تكن مستدركة، وإنما كانت في جملة الوعد، فالأربعون كلها داخلة في الميعاد، فإتمام الثلاثين بعشر لم يكن خارج الوعد وإنما كان قد دخل في الوعد، ولم يثبت بدليل معتبر أن موسى عليه السلام قد أخبر قومه عن أن الوعد هو ثلاثون ليلة، بل ورد في بعض الروايات أن قومه اتخذوا العجل بعد عشرين ليلة من غياب موسى عليه السلام عنهم.
وهكذا يتضح أن ما استشهد به من آيات لوقوع البداء بالمعنى المعرف عند الشيعة الإمامية لا يصح شاهداً. وأما الأستشهاد له بالروايات، فنقول إنه لو فرض وجود روايات معتبرة سندا ودلالة فإنها لا تنهض دليلاً لمخالفتها للقرآن الكريم حسبما تقدم من دلالة آياته على نفي البداء، مضافاً إلى مخالفتها للعقل كما تقدم أيضاً في الملاحظة الرابعة من أن القول بالبداء يوجب الطعن بالنبي وأقواله فيمتنع.
فتحصل من كل ما تقدم أن عقيدة البداء باطلة ولا يجوز الإعتقاد بها. فعلى علماء الشيعة أن ينزهوا عقيدتهم منها ويسقطوا القول بالبداء، وعلى عموم الشيعة لا سيما المتنورين منهم أن يرفضوا هذه العقيدة ولا يتبعوا علمائهم عليها. ومن الله تعالى نستمد السداد وبه الإعتصام.البريد الالكتروني
[email protected]جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد