الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور الأسئلة والاستفتاءات
جواب سؤال حول الشفاعة
السؤال:
أعرض أمام سماحتكم موضوعا يعتبر من الأمور الغيبية لطالما كان موضع غموض وعدم وضوح بالنسبة لي، وهو (الشفاعة). هذه الكلمة الواحدة تحمل في مكنونها معانى ودلالات عميقة الأبعاد وقد تكرر ذكرها في القرآن الكريم مرات عديدة وفي مواضع مختلفة، ويمكن ان نضعها تحت بندين اثنين:
- البند الاول:
هو نفي إمكانية الشفاعة وبشكل تام وهو عندما يتعلق الأمر بالكفار الذين يكون قضاء الله تعالى فيهم أن يكونوا في النار، وأدرج فيما يلى بعض الآيات التى تؤكد ذلك.
- سورة الأنعام الآية 51: { لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ} .
- سورة البقرة الآية 254: { مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ}
- سورة غافر الآية 18: { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ}.
- سورة المدثر الآية 48: { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}.
- البند الثاني:
هو إمكانية الشفاعة ولكنها مشروطة بأن تكون باذن ومشيئة الله تعالى وفيما يلي بعض الآيات التى تؤيد ذلك: -
- سورة البقرة الآية 255: { مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ }.
- سورة طه الآية 109: { يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً}.
- سورة النجم الآية 26: { وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى}.
مما تقدم أعلاه يثار السؤال الأساسي وهو (ما فائدة الشفاعة)، فاذا كانت هذه الشفاعة لا تستطيع أن تخرج الكافر من النار مهما كانت منزلة ومرتبة من يقوم بالشفاعة، وفى نفس الوقت لا تكون سبباً في إدخال أي كائن إلى الجنة دون استحقاق، لأن دخول الجنة سيكون بسبب الايمان وصالح الأعمال دون الحاجة إلى شفاعة، أليس الأمر يتعلق بميزان أعمال الإنسان والذى بموجبه يتحدد مصيره، وسأورد مثالاً واحداً فقط عن ذلك وهو ما ورد في سورة المؤمنون الايتين 102 و103: {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}.
إن هذا الموضوع كان على الدوام مصدر جدال ونقاش بل واختلاف بين علماء المسلمين.
والأسئلة التى تثار حول هذا الموضوع هي:
- لمن تكون الشفاعة.
- من هم الذين تقبل شفاعتهم.
- والسؤال الأهم عندي هو ما فائدة الشفاعة بشكل عام.
لدي رغبة أكيدة في معرفة رؤية سماحتكم بهذا الخصوص جزاكم الله كل خير.
الجواب:
شغل موضوع الشفاعة حيزاً مهماً في الفكر الإسلامي، وكان منذ وضع على طاولة البحث مدار جدل ونقاش، بل تحول إلى معركة آراء ونظريات بين المدارس الإسلامية.
ولم تكن قضية الشفاعة مجرد قضية نظرية تتصارع عليها آراء الفلاسفة وعلماء الكلام والمحدثين والمفسرين في إطار نظري بحت، وإنما هي قضية تعيش في وجدان الناس وتنعكس على سلوكهم وطريقة تفكيرهم ونظرتهم إلى الأمور، وهي مضافاً إلى أنها تلتقي مع نزعة في نفس الإنسان تميل إلى التشبث يأطواق النجاة وإن على مستوى الأمل، فانها اتخذت بدوافع سياسية ومصلحية أيضاً لتبرير تصرفات الظالمين ومن على شاكلتهم وترميم صورتهم بين الناس وتسكين خواطرهم إزاء ما يصدر عنهم من سيئات. أو كما في التراث الشيعي وظف مفهوم الشفاعة لتكريس عقيدة التشيع.
وفي الوقت الذي يقتصر القرآن الكريم على عدد محدود من الآيات تتصل بهذا الموضوع نجد كثرة وافرة من الأحاديث لا تكتفي بتناول الأطار العام والمباديء الاساسية، وإنما تمتد إلى التفاصيل الصغيرة وبنحو مذهل لا يتناسب والمستوى والحجم الذي حدده القرآن الكريم للشفاعة، الأمر الذي يثير استفهامات كبيرة أمام هذه الأحاديث من حيث صدق صدورها، على أنّ عدداً غير قليل منها إما أن يكون ضعيفاً سنداً، أو لا يتفق متنا مع محكمات القرآن الكريم.
ومن هنا فإنّ تكوين مفهوم صائب عن الشفاعة يجب أن يمر عبر التركيز على ما ورد في القرآن الكريم وجعله الأساس الذي بناءً عليه يتم التعامل مع ما ورد في الشفاعة من أحاديث فلا يؤخذ إلا بما ينسجم والمعطيات الموجودة في القرآن الكريم، ويترك ما عدا ذلك وإن كان له سند معتبر، لأن اعتبار السند لوحده لا يكفي في حجية الحديث وإنما يجب التأكد من سلامة المتن أيضاً على أساس عدم التنافي مع محكمات القرآن الكريم ومسلمات العقل والفطرة.
ومن هذا المنطلق فان نظريتي عن الشفاعة تستند في الأساس إلى هذه المنهجية التي أعتقد أنها يجب أن تكون المعيار في قبول أو رفض ما قدمته المدارس الإسلامية المختلفة من أفكار حول هذا الموضوع.
وبناء على ذلك ومن خلال دراسة ما ورد في الشفاعة من آيات قرآنية كريمة ووضعها في الإطار العام والشامل لما يتصل بالجزاء والثواب والعقاب يمكن أن نخرج بمفهوم قرآني وإسلامي عن الشفاعة يتلخص في النقاط التالية -:
1 - إن الأصل والقاعدة العامة في الثواب والعقاب والجزاء هيَ الإيمان والعمل، وهما المعياران الرئيسان في الثواب والعقاب وليست الشفاعة معياراً في ذلك، وإنما هي الاستثناء وفي حدود معينة وتلعب دور العامل المساعد وليست العامل الأساس والرئيس.
وإلى هذا تشير آيات كريمة كقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة : 254].
وقوله تعالى: { وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} [البقرة : 123] .
وقوله تعالى: { وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} [البقرة : 48] .
فهذه الآيات الكريمة إذ تنفي دور الشفاعة يوم القيامة فانها تتحدث عن الشفاعة كمعيار في الجزاء يتحدد في ضوءه مصير الإنسان، فتنفي بوضوح أن تكون الشفاعة ذلك المعيار الذي يرتبط به الجزاء بغض النظر عن كفر الإنسان وعدمه، فليس المورد في هذه الآيات الكريمة هو الكفار، بل الخطاب في الآية الأولى موجه للمؤمنين، ذلك أن هذه الآيات تقدم تصوراً عن معايير الجزاء يوم القيامة، وهي تتسق مع الاطار العام الذي يربط الجزاء بالايمان والعمل { وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم : 39] ، { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدّثر : 38] ، {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس : 9-10] ، {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر : 1-3] ، { يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق : 6] ، { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الأحقاف : 19] ، { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286] ، {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتْ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 35-41] إلى غير ذلك من الآيات الكريمة المحكمة الدالة على ارتباط الجزاء بالايمان والعمل وأنهما المعياران الأساسيان والرئيسان في الثواب والعقاب. ومن هنا ليست الشفاعة معياراً أساسياً ورئيساً في الجزاء. وهذا ما يتفق أيضاً والدليل العقلي فيما يرتبط بفلسفة الحياة والمعاد.
2 - إن للشفاعة دوراً في يوم الجزاء وإن لم تكن الأصل والقاعدة لكنها عامل مساعد. وهذا ما يمكن فهمه من الآيات التي تثبت الشفاعة، ويفهم من مجموع الآيات المتصلة بالشفاعة ومن الأطار العام والشامل لما يتصل بالجزاء أن الشفاعة استثناء في حدود معينة.
3 - إن قرار الشفاعة بيد الله تعالى وحده، فهو مالك الشفاعة وإليه يرجع أمرها، وليس هناك تفويض عام بها لأحد من دون الله عز وجل : {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً } [الزُّمَر: 44] . {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} [مريم : 87].
4 - إن الشفاعة يوم القيامة لا تكون إلا بإذن من الله عز وجل في ذلك اليوم فليس لأحد أن يبادر بالشفاعة لأحد، وإنما يقوم الشافع بدور الشفيع بعد إذن خاص من الله عز وجل . {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البَقَرَة: 255] .
{مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ} [يونس: 3] .
فهاتان الآيتان الكريمتان واضحتان في أن الشفاعة يوم القيامة لا تكون إلا باذن خاص.
5 - إن تأثير الشفاعة يتوقف على أمرين -:
الأول: - إذن الله تعالى بالشفاعة.
الثاني: - رضاه بها.
وهذا ما يستفاد من قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} [طه : 109] . وقوله تعالى: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم : 26] .
وقد صرحت بعض الآيات بعدم قبول الشفاعة في بعض الموارد {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غَافر: 18] . فهذه الآية الكريمة على وجه في تفسيرها ليست بصدد نفي وجود شافع للظالمين وإنما بصدد نفي تأثير شفاعة الشافع لهم فشفاعته لهم غير مقبولة. {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدّثر : 48]. فان الذي يفهم من هذه الآية على وجه في تفسيرها أيضاً إمكان وجود شافع لكن شفاعته لن تكون نافعة.
وهذا يعني أن تأثير الشفاعة يتوقف مضافاً إلى إذن الله تعالى للشافع في الشفاعة، على رضى الله تعالى بمورد الشفاعة ومضمونها.
6 - إنّ الشفاعة لا تكون في كل المجالات، وإنما هي تقتصر على بعضها، فهناك مجالات لا يمكن الشفاعة فيها، ومن ثم لا يكون فيها شافع أصلاً، أو لا تنفع فيها الشفاعة، فالكافر لا يتمكن من التشبث بالشفاعة ولا ينهض له شفيع { تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ} [الشعراء: 97-100] .
وتارك الصلاة ومن لم يطعم المسكين ومن كذب بالآخرة لا مكان لشفاعة تنجيه{ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ } [المدثر: 42-48] .
{ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غَافر: 18] .
7 - إنّ الاذن بالشفاعة لن يعطى إلا إذا ارتضى الله تعالى الشفاعة للمشفوع له. قال تعالى { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبيَاء: 28] .
ولم تحدد الآية الكريمة كما لم ترد آيات قرآنية تحدد من هم الذين يرتضي الله تعالى أن يشفع لهم. ولعل هذه الغيبية تأتي في سياق يربي الناس على عدم الاتكال على الشفاعة بدلاً من العمل، لأن الإنسان لا يدري هل سيرتضي الله تعالى أن يشفع له أم لا، فلا يستطيع أن يعول في نجاته على الشفاعة، وإنما يمكن أن يتعلق بها أمله، لكن بشرط أن يعول على عمله لا سيما وأن أبواب التوبة في الحياة الدنيا مفتوحة له وامكانيات التصحيح والانابة إلى الله تعالى موجودة.
8 - لم يذكر القرآن الكريم تفاصيل المجالات التي تقبل فيها الشفاعة، ولم يذكر للشفاعة سقفاً وهذا يأتي في السياق الذي ذكرناه في النقطة السابقة، ومن الممكن أيضاً أن يبقي حالة الرجاء مفتوحة أيضاً سواء فيما يتصل بالغفران ودفع العذاب أو تخفيفه، أو ما يتصل برفع الدرجات وكسب بعض الامتيازات.
9 - لم يتحدث القرآن الكريم عن تفاصيل الشافعين، ولم يرد بهذا الشأن سوى آيتين الأولى تفيد بان الملائكة يشفعون { وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم : 26] وهي تفيد أن الملائكة هم من جملة الشافعين بعد إذن الله تعالى لهم. والثانية تعطي عنواناً عاماً للشافعين هو عنوان { عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} [الأنبيَاء: 26] قال تعالى في سورة الأنبياء: { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 26-28] ولا شك في أن الملائكة والانبياء داخلون في هذا العنوان العام وقد وردت أحاديث في أن الشهداء والعلماء الصالحين هم من جملة الشافعين.
ومن خلال كل النقاط المتقدمة نفهم أن الشفاعة قضية محدودة بحدود معينة وانها ترتبط باذن الله تعالى ولها مجالات معينة ولا تكون إلا في حق أشخاص معينين.
وبناءً على ذلك لا بد أن تعرض أحاديث الشفاعة على هذه المعطيات القرآنية فيقبل منها ما لا يتعارض وهذه المعطيات تعارضاً بيناً ويرفض الباقي.
ومن كل ذلك نفهم أيضاً أن الشفاعة هي باب من أبواب رحمة الله عز وجل لعباده وحبه لهم ورأفته ولطفه بهم جعلها الله تعالى عاملاً مساعداً في الآخرة بما لا يخرج عن قواعد عدل الله عز وجل وحكمته في الجزاء.
وهكذا يتضح أن الشفاعة ليست ذلك الباب المفتوح على مصراعيه ليكون طوق النجاة للمجرمين والآثمين ليتعلقوا به، وليست رجاءً يعوّل عليه من لا يريد أن يسعى ويتواكل عن العمل إتكالاً على الشفاعة، كما أنها ليست باباً ضيقة تختص بالمتقين فقط دون غيرهم، فإن هذا الاختصاص لا تدل عليه آيات القرآن الكريم، وقوله تعالى: { وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى } [الأنبياء: 28] المقصود به من ارتضى للشفاعة وليسَ من ارتضى بمعنى من اتقى ورضي عنه لتكون الشفاعة خاصة بالمتقين لأن هذا الفهم لا ينسجم مع ما يفهم عرفاً من معنى الشفاعة ومن الجو العام لآيات الشفاعة وقيودها الموحي بالشفاعة لمن يحتاج اليها في درء العذاب أو تخفيفه، وهذا لا يتنافى مع استحقاق المذنب للعقاب الاخروي حتى تلك الذنوب التي يستحق عليها الخلود في النار لأنه قد يكون له من الأعمال والمواقف ما يفتح له معها باب الشفاعة عند الله تعالى في التخفيف أو المسامحة. نعم كل ذلك في الاطار الذي لا يخرج بالشفاعة عن مقتضى فلسفة المعاد وعن القاعدة الأساسية في الجزاء.البريد الالكتروني
[email protected]جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد