الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور الأسئلة والاستفتاءات
جواب سؤال حول الإستواء على العرش
السؤال:
أنا أحب الإطلاع كثيراً على الثقافات الدينية لدى كل الطوائف الإسلامية وكذلك الطوائف التي تتبع الديانات السماوية الأخرى ومن ضمن هذا مسألة استواء الله على العرش التي ذكرت في القرآن في أكثر من محل فأريد من سماحتكم أن يجلي لي المراد الصائب في هذه المسألة كما عهدت أسلوبكم الذي كم تمنيت أن يكون عندي منه ألف ألف مجلد.
الجواب:
لقد ورد الإستواء منسوباً إلى الله تعالى في آيات عديدة في القرآن الكريم منها ما ورد في إستوائه تعالى على العرش كقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه : 5] وقوله تعالى: {اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الرعد : 2] وقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف : 54] وقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ} [يونس : 3].
ومنها ما ورد في غير الإستواء على العرش كقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة : 29] وقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [فصلت : 11-12] .
وقد ذكر أئمة اللغة كالزبيدي في تاج العروس وابن منظور في لسان العرب ما حاصله أن الإستواء إذا عُدّي بـ «إلى» أعطى معنى الإنتهاء إلى الشيء وبلوغه أو الإقبال عليه أو القصد اليه، وإذا عُدّي بـ «على» أعطى معنى الإستيلاء.
ويأتي الإستواء بمعنى الإعتدال أو الإستقرار أو العلو.
وفي ضوء ذلك يكون معنى قوله تعالى: { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء } [البقرة: 29] هو عمد اليها أو قصد اليها أو أقبل عليها.
ويكون معنى قوله تعالى: { اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعرَاف: 54] علا عليه أو استولى عليه.
هذا من حيث المعنى اللغوي المباشر ومدلول اللفظة لغةً.
وقد وقع الخلاف في تصوير ذلك بالنسبة للذات الإلهية وإضطربت الأقوال.
ومن الواضح أنّ تصوير هذه المعاني تصويراً على نحو تصوير القضايا المادية والحسية هو تصوير باطل، لأنّ الله تعالى ليس مادة ولا يتحيز بحيز ولا يتأين بأين ولا ينطبق عليه الكيف الحسي والمادي بحال، فهو المطلق الخالق غير المحتاج. وتصوير المعاني على نحو تصوير القضايا الحسية والمادية يستلزم المحدودية والحاجة إلى الغير وذلك محال. والجسمية منفية عن الله تعالى، إذن حمل الآيات المتقدمة على هذه المعاني غير تام إذ لا بد من صرفها عن ظاهرها إلى المجاز فيكون معنى قوله تعالى: { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء } [البقرة: 29] أي قصد أمره اليها وعمدت مشيئته اليها، وبلغها أمره. ويكون معنى قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه : 5] أي أحاطت مالكيته وتدبيره بما خلق وأوجد وليس بمعنى استولى على الملك أي الاستيلاء المطلق، فان هذا المعنى ثابت لله تعالى قبل خلق السموات والأرض فهو المالك المستولي ومالكيته واستيلاؤه تعالى وعلوه عز وجل ثابت له منذ الأزل، وإنما آيات الإستواء على العرش تعني خضوع ما خلقه تعالى وأوجده من السموات والأرض وما فيهما وما بينهما لمالكيته وتدبيره بعد أن كانت عدماً.
فليس العرش من المعاني الحسية، وليس الإستواء هنا من المعاني الحسية ولا هما على نحو المعاني الحسية وشبهها، وإنما يرمزان بالمجاز إلى معنى المالكية والتدبير والإحاطة.
وقد أوضح القرآن الكريم حقيقة بطلان التجسيم وتصوير الذات الإلهية وأفعالها على نحو القضايا الحسية والمادية بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشّورى: 11] فان هذه الآية الكريمة تقتضي بطلان التجسيم وذلك التصوير، فيجب أن لا تحمل الآيات الكريمة المرتبطة بالذات الإلهية وأفعالها على هذا التصوير الباطل وإنما تصرف إلى المعاني المجازية التي تتناسب والذات الالهية وتتناسب وقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشّورى: 11] .
إن من يقرأ القرآن الكريم بتدبر وإمعان يجد أن القرآن الكريم يبعد الأذهان عن التصوير المشابه للتصورات الحسية فيما يتصل بالذات الإلهية، فهو حين يتحدث عن نور الله تعالى يقول: {مَثَلُ نُورِهِ} [النُّور: 35] ، وما ذاك إلا لبيان أن التصورات المألوفة للذهن البشري لا تنطبق على الله تعالى، فيجب تنزيهه عز وجل عنها، فلا يجوز تجسيمه تعالى ولا يجوز تشبيهه أيضاً لأن التشبيه يعطي عنه تصوراً يدخل في ضمن التصورات المألوفة للذهن البشري وهو ما يتنافى وقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشّورى: 11] ويتنافى والثقافة القرآنية التي تدعو إلى التنزيه.
فإن قيل : - إذا كان المقصود بالآيات المتقدمة الترميز إلى معانٍ مجازية لا ربط لها بمداليل الألفاظ المستعملة من حيث التشبيه، فلماذا يأتي القرآن الكريم بهذه الألفاظ؟ ألم يكن التعبير المباشر عن المعاني التي يقال إنها مجازية أولى وأحرى؟
قلنا : - هذا نظير من يقول لمن عبّر عن الرجل الشجاع بالأسد أنه أوَليس الأجدر أن تقول رجل شجاع بدلاً من أن تقول أسد، فهل يصح هذا الإعتراض والذي مؤداه إلغاء التعبير بالمجاز في الإستعمالات وابطال أغراض المجاز؟
ثم إنّ المصير إلى المجاز لازم بدلالة العقل الذي يدرك استحالة انطباق التصورات الحسية، ونظائرها على الذات الالهية، وبدلالة القرآن الكريم في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشّورى: 11] الواضح في نفي التشبيه والتجسيم.
هذه لمحة لتوضيح الفكرة، والبحث العلمي التفصيلي موكول إلى محله وبالله التوفيق.
البريد الالكتروني
[email protected]جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد