الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور
 

الأسئلة والاستفتاءات

جواب سؤال عن عذاب القبر

أعرض أمام انظار سماحتكم موضوعاً من المواضيع الغيبية والذي طالما قرات عنه في كتب التفسير والكتب الدينية المختلفة ووجدت في بعضها تفاصيل تختلف عن ما اوردته كتب اخرى، وهذا الموضوع هو: (عذاب القبر).
أنا اتطلع لمعرفة رؤية سماحتكم حول هذا الموضوع لما نعهده من عمق وغزارة علومكم التى تتصف على الدوام بالمصداقية العالية.
جزاكم الله كل خير والسلام عليكم.


الجواب:
ينتقل الإنسان عبر الموت من عالم الدنيا والحياة الدنيوية حيث يعيش فيها ببدنه المادي في عالم محسوس، إلى عالم جديد يختلف إختلافاً جوهرياً عن عالم الدنيا. فالروح التي كانت في قالب الجسد المادي المحكوم بقوانين عالم المادة تنتقل إلى عالم آخر خارج إطار المادة وقوانين عالم المادة، ويسمى العالم الجديد عالم البرزخ، وهو المرحلة الفاصلة بين الحياة الدنيوية والآخرة. ويعتبر عالم البرزخ من عوالم الغيب التي لا يتمكن الإنسان أن يعرف تفاصيلها معرفة حقيقية عبر وسائل البحث وأدواته المنهجية التي من خلالها يستطيع أن يكتشف الوجود وقوانينه في الدنيا، فلا التجربة ولا الإدراك الذهني أو الوجداني سبل موصلة إلى معرفة خفايا وتفاصيل ذلك العالم، فهو يندرج بلا شك في حيز الغيب الذي لا مجال لمعرفته إلا من خلال الوسائل الشرعية الصحيحة لمعرفة الغيب أي عبر القرآن الكريم وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وعبر السنة النبوية الشريفة الثابتة بطرق معتبرة حيث لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
وقد ذهب علماء العقيدة الإسلامية إلى ثبوت العذاب والنعيم في عالم البرزخ وأطلق عليه عذاب القبر ونعيم القبر.
وإستندوا في ذلك إلى نصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية. وقد أخذ إصطلاح عذاب القبر مما ورد في السنة النبوية الشريفة.
وفيما يتصل بالعذاب والنعيم في عالم البرزخ، فاننا إذا رجعنا إلى القرآن الكريم نجد نصوصاً بعضها واضح في وجود ذلك كقوله تعالى: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر : 45-46].
فقد دلت هذه الآية الكريمة على تعرض آل فرعون للعذاب بعد الموت وقبل يوم القيامة أي في عالم البرزخ. إلاّ أنّ هذه الآية لا يستفاد منها حكم عام، فدائرتها ونطاقها هو آل فرعون ولم يرد فيها ما يبرز تفاصيلاً عن عذاب عالم البرزخ فهل هو شامل لكل الكفار والفساق حتى العاصين من المؤمنين أم هو خاص بآل فرعون أو يعم الكفار ولا يعم المؤمنين؟ هذه التفاصيل لم تتعرض لها الآية الكريمة. لكننا علمنا من خلالها إجمالاً أن عالم البرزخ فيه عذاب بدليل أن الآية صرحت بتعرض آل فرعون للعذاب في هذا العالم حيث يعرضون على النار غدواً وعشياً، وهذا غير عذاب النار يوم القيامة إذ تقول الآية الكريمة عنه: { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46] وإذا كانت عبارة: { أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46] ناظرة إلى كل مراحل عذاب آل فرعون فان في المقطع الأول ما يدلل بوضوح على تعرض آل فرعون للعذاب في مرحلتين الأولى بعد الموت وقبل قيام الساعة { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} [غَافر: 46] والثانية مرحلة العقاب الأخروي { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} [الرُّوم: 12] .
وفيما يتصل بالنعيم في عالم البرزخ فقد دلّ عليه بوضوح قوله تعالى: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران : 169] فالآية الكريمة تتحدث عن عالم ما بعد الموت وتقول إن الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله لا تحسبهم أمواتاً بالقتل كما هو ظاهر حال أجسادهم التي فارقتها الحياة وإنما هم أحياء عند ربهم يرزقون. فللآية الكريمة دلالة واضحة على وجود حياة برزخية ذات نعيم في عالم ما بعد الموت. وأوضح من ذلك قوله تعالى: { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ} [البقرة : 154] فهي تتحدث بوضوح عن الحياة البرزخية وإلا لا معنى لقوله تعالى: { وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ} [البَقَرَة: 154] اذن ما يظهر على الجسد المفارق للحياة بالقتل هو غير الوضع الحقيقي الذي عليه المقتول في سبيل الله فهو بعد القتل في حالة حياة لا يشعر بها الناس في الدنيا.
إلاّ أن دائرة هاتين الآيتين ونطاقهما هو الشهداء الذين يقتلون في سبيل الله، فهي لا تتحدث أيضاً عن تفاصيل عالم البرزخ ونعيمه فهل النعيم خاص بالشهداء أم هو عام للمطيعين والصالحين؟ هذا ما لم تتعرض له الآيتان.
وهناك آيات أخرى استدل بها على العذاب والنعيم في عالم البرزخ.
فمن ما استدل به على العذاب قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة : 20-21] .
فذكر المستدلون بهذه الآية الكريمة أن المقصود بالعذاب الأدنى هو عذاب عالم البرزخ وأما العذاب الأكبر فهو عذاب الآخرة يوم القيامة.
ولو صح الإستدلال بهذه الآية الكريمة لكانت دليلاً على ثبوت العذاب البرزخي لكل الفساق فتشمل العصاة جميعاً.
إلاّ أن الإستدلال بالآية الكريمة يواجه مشكلة وذلك لقوله تعالى في ذيل الآية الكريمة: {وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف : 174] أي يعودون إلى الصراط المستقيم، وهذا يعني أن العذاب الأدنى هو المصائب والبلايا التي تعرض على الإنسان في الحياة الدنيا والتي قد تكون سبباً لإستقامته بعد الإنحراف. وأما إذا مات الإنسان وانتقل إلى العالم الآخر فقد إنقطع عمله وهناك حساب ولا عمل ولا مجال لرجوعه ولا فائدة من العذاب إذا كان الهدف منه الرجوع إلى الإستقامة.
واستدل أيضاً بقوله تعالى: {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الطور : 45-47] ففي هاتين الآيتين الكريمتين تتحدث الآية الأولى عن يوم القيامة الذي فيه يصعق الكفار، والآية الثانية تتحدث عن عذاب ينال الذين ظلموا دون ذلك. و«ذلك» إشارة إلى يوم القيامة، فهو عذاب قبل يوم القيامة.
ولكن الإستدلال بهذه الآية الكريمة قد يواجه مشكلة الإجمال في المدلول فهل المقصود بالعذاب قبل يوم القيامة هو عذاب عالم البرزخ؟ أو أنه عذاب في الدنيا ينال الظالمين إنتقاماً منهم وعقاباً لهم على ظلمهم؟
لكن الواقع العملي يدلل أن ليس كل الظالمين لاقوا عذاباً دنيوياً قبل موتهم وفيهم من ظل منعماً في الدنيا حتى مات مع أن الآية الكريمة تتحدث عن العذاب قبل يوم القيامة على نحو القضية المطلقة وتتوعد بعذاب ينال كل الذي ظلموا قبل يوم القيامة. فهو إذن غير العقاب الدنيوي. لكن ربما يكون المراد منه غير عذاب البرزخ وإنما العذاب حين الموت وإخراج الروح من الجسد.
وان أريد به عذاب البرزخ فسياق الآية يعطي ظهوراً في ارادة الظالمين من الكفار والمحاربين لله ولدينه وليس لها عموم شامل لكل ظالم يعم حتى العصاة من المؤمنين.
ومن الآيات أيضاً قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} [الأنفال : 50-51] .
وهذه الآية يذكر الشطر الأول منها ضرب الملائكة لوجوه الكفار وأدبارهم عند الموت وفي حال الوفاة، وهذا يثبت تعرض الكفار عند الموت للعذاب، وأما في البرزخ فاستدل بالشطر الثاني وهو { وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الأنفَال: 50] . لكنه مجمل إذ قد يكون المقصود بـه عذاب النار في الآخرة، وهي على كل حال تتحدث عن الكفار فنطاقها هم الكفار ولا تدل على تعرض العصاة من المؤمنين للعذاب البرزخي.
وأستدل بقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام : 93] .
والآية الكريمة تتحدث عن حالة الظالمين عند الوفاة وبالتالي فان قوله تعالى : { الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [الأنعَام: 93] هل يقصد به العذاب عند الوفاة أو المقصود به ما يعرض عليهم من العذاب عند موتهم وبعد إنتقالهم إلى البرزخ؟
لا تخلو الآية الكريمة من دلالة على الإحتمال الثاني ولا يبعد أن يكون المراد بالظالمين في الآية الكريمة المفترين على الله ومدعي الوحي والمحاربين لرسالة الله تعالى بقرينة صدر الآية: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ } [الأنعام: 93] . فلا عموم في الآية الكريمة.
ومما استدل به على النعيم قوله تعالى: {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} [الواقعة : 88-89] على أساس أن المراد بالروح والريحان ما يلقاه في عالم البرزخ وأما { جَنَّةَ نَعِيمٍ} [المعَارج: 38] فهو ما يكون مأواه في الآخرة. والحق أن الآية الكريمة مجملة من هذه الناحية فلعلها ناظرة إلى الجزاء الاخروي أو أن المراد من الروح الراحة والإستراحة من تكاليف الدنيا ومشاقها وليس النعيم في عالم البرزخ.
وعلى أي حال فنطاقها المقربون وهم السابقون حسبما وصفتهم الآية.
ومنها قوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر : 27-30] .
لكن الأظهر أن الآية الكريمة تتحدث عن حالة المؤمن يوم القيامة وهذا ما يساعد عليه السياق الذي جائت فيه الآيات: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً (21) وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [(23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [الفجر : 21--27].
وهكذا يتضح أن أصل العذاب والنعيم في البرزخ دل عليه القرآن الكريم، لكن لم يتعرض القرآن الكريم لتفاصيل ذلك، وإنما غاية ما يمكن أن يستفاد منه أن الشهداء المقتولين في سبيل الله ينعمون في البرزخ وأن المفترين على الله والمحاربين لرسالة الله يعذبون في البرزخ. هذا ما يتصل بإثبات العذاب والنعيم في البرزخ من القرآن الكريم.
وقبل أن ننتقل إلى معطيات السنة النبوية الشريفة نجد أن بعض آيات القرآن الكريم يستفاد منها عدم تعرض المؤمنين الصالحين لأي أذى أو شيء مخيف في عالم البرزخ. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} [فصلت : 30-32] وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأحقاف : 13] وقال تعالى: «فمن إتبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون» وقال تعالى { مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [المَائدة: 69] وقال تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة : 112] وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة : 277] وقال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأنعام : 48] وقال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأعراف : 35] . وقال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس : 62-64].
إن المستفاد من هذه الآيات الكريمة وهي كثيرة ووردت في مناسبات شتى أن المؤمن الصالح لن يتعرض لما يخاف منه أو لأي أذى بعد موته فهي تنفي بشكل مطلق تعرض المؤمن الصالح لما يحزنه أو يخاف منه وهذا الإطلاق شامل لمرحلة البرزخ كما هو واضح وهي بشكل عام تأبى التقييد بمرحلة ما فان مقتضاها عدم ثبوت وعيد في حقهم. بل بعضها فيه ظهور لكل مراحل ما بعد الموت كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} [فصلت : 30-32] .
إذا اتضح ذلك نأتي إلى الأحاديث المروية في ما يحصل للإنسان بعد موته في عالم البرزخ وهي على أنحاء -:
1. ما ورد في بيان حصول السؤال من الملكين في القبر أي سؤال منكر ونكير حيث ورد أنهما يسألانه عن ربه ودينه ونبيه. والمسائلة ليست عذاباً ولا شيئاً فيه ضيق أو أذى، والمؤمن يجيب على السؤال بمعتقده الصحيح. وليس المقصود بالسؤال إستنطاق الجثمان فإن الجثمان إذا خرجت منه الروح أصبح جسداً جماداً لا حياة فيه ولا وعي ولا قدرة على الحراك ولا ترجع الروح إليه عند المسائلة، فان الثابت قرآنياً أنه ليس للإنسان شقياً كان أو سعيداً إلا موتة واحدة، مضافاً إلى أن الجسد لا يتمكن من الحياة المادية في داخل القبر وبين التراب. فالمسائلة تكون للروح.
2. ما ورد في بيان ضمة القبر وأن الميت إذا وضع في قبره ضغطه القبر وضم ضمة تختلف فيها أضلاعه.
وهذه الأحاديث لا يعول عليها بالنسبة إلى المؤمن الصالح لما تقدم من أنّ الآيات الكثيرة أثبتت أن المؤمن الصالح لا يتعرض في البرزخ إلى ما يخاف منه ولا إلى ما يحزنه، ولا شك في أن ضغطة القبر هي من الأمور المحزنة والمخوفة، فالقرآن الكريم ينفي تعرض المؤمن الصالح لها.
على أن كثيراً من أحاديث ضغطة القبر ضعيف السند.
3. ما ورد في بيان ظلمة القبر ووحشته.
وهذه الأحاديث مردودة فيما يتصل بالمؤمن الصالح لعين ما ذكرناه في النقطة الثانية لأن آيات القرآن الكريم واضحة في أن المؤمن الصالح لا يتعرض لما يخاف منه أو يحزنه.
ثم إنّ الذي يجب أن يلتفت إليه هو أن النعيم والعذاب لا يقعان على الجسد بعد خروج الروح منه، وإنما يقعان على الروح ولذا ربما يكون الميت منعماً أو معذباً مع أن جسده معدوم كما لو أحرق مثلاً أو تشظت أجزاؤه وتناثرت أو تحلل جسده المادي وما ذاك إلا لأنّ الذي يعرض عليه النعيم أو العذاب هو الروح. نعم ربما يستفاد من بعض الأحاديث الشريفة أنّ الميت في عالم البرزخ - وهو عالم غير مادي - لا تنقطع صلته بعالم الدنيا فهناك صلة ما بين الروح في البرزخ وبين عالم الدنيا والمادة، ومن مفردات ذلك الصلة بمكان دفن الإنسان وموضع جسده سواء أكان الجسد موجوداً أو معدوماً ولذا جاء التعبير بعذاب القبر ونعيم القبر وما شاكل من تعابير بلحاظ هذه الصلة بين الروح في البرزخ والقبر. وتفصيل هذه الصلة وكيفيتها مجهولة لكن الثابت أنها ليست صلة بنحو وجود حياة في الجسد أو وعي أو إحساس فيه وإنما الحياة والإدراك للروح.
هذا ويجب التدقيق في الأحاديث الواردة في نعيم القبر وعذابه ولا يكتفى بملاحظة السند وإنما لا بد من التدقيق في المتن مضافاً إلى ملاحظة عدم معارضتها للقرآن الكريم أو أن تكون هي مبتلاة بالمعارض من بين الأحاديث الواردة في هذا المجال.

الفهرست || أسئلة عقائدية عامة

السابق

Twitter Facebook قناة الشيخ حسين المؤيد في اليوتيوب google + البريد الالكتروني
[email protected]

جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد

www.almoaiyad.com