الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور الأسئلة والاستفتاءات
جواب سؤال عن وجود نبي بين عيسى ونبينا محمد عليهما الصلاة والسلام
السلام عليكم هل يوجد نبي بين عيسى عليه السلام ونبينا ولكم جزيل الشكر والتقدير.
الجواب:
ذهب جمع من العلماء إلى وجود أنبياء في الفترة الواقعة بين عيسى عليه السلام ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، واستدل لذلك بقوله تعالى في سورة يس: - {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ} [يس : 13-14]، فقد ذكر المفسرون أنها قصة ثلاثة من الأنبياء أرسلوا بعد عيسى عليه السلام . وردّ بعض المفسرين على ذلك بأنهم لم يكونوا أنبياء وإنما أرسلهم عيسى عليه السلام - وقد كانوا من حوارييه وتلامذته - للدعوة إلى التوحيد والإيمان بالله الواحد وترك عبادة الأصنام. ولكن هذا الرد لا ينسجم مع ظاهر الآيات الكريمة المتعرضة لهذه القصة، فمضافا إلى أن ظاهر عبارة (المرسلون) هو أنهم رسل من قبل الله عز وجل وكذلك ظاهر قوله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ} [سَبَإ: 44] حيث أن نسبة الإرسال إلى الله تعالى ظاهرة في كونهم أنبياء مبعوثين من الله عز وجل أقول مضافاً إلى ذلك دلالة قوله تعالى: { قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ} [يس: 15] فانهم لو كانوا مجرد دعاة أرسلهم عيسى عليه السلام لإيصال الدين المسيحي إلى تلك القرية لم يكن هناك وجه للإعتراض عليهم بأنهم بشر، فإن هذا الإعتراض كان يوجه من الكفار إلى مدعي النبوة والإرسال من قبل الله عز وجل وليس إلى الدعاة والمصلحين من غير الأنبياء.
لكن الصحيح في الرد أن يقال إنه لم يثبت أن زمان بعثة الرسل الثلاثة كان بعد عيسى عليه السلام ، إذ لا يوجد في الآيات ما يسعف في تحديد الزمان بذلك، فيمكن أن تكون بعثتهم متقدمة، لاسيما وأن قوله تعالى: { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} [يس: 29] تدل على إهلاك هذه المدينة بالصيحة، وهي حادثة مهمة ومثار توجه من الناحية التاريخية تتوفر الدواعي على نقلها وانتشار خبرها على نحو ما حصل لأبرهة مثلاً، مع أنه لا يوجد من ذلك شيء تاريخياً مع أن الفترة تلك تعتبر تاريخياً - لو كانت في عصر عيسى أو ما بعده - قريبة ولا يذهب خبرها أدراج الرياح، مما يؤكد أنها حصلت في فترة أسبق بكثير.
كما استدل بأحاديث عن بعثة نبي باسم خالد بن سنان، والروايات حوله مذكورة عند السنة والشيعة، إلا أنها محط مناقشة لا سيما الروايات التي تذكر قرب عهد نبوته بعهد نبينا المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فانها بذلك تكون منافية لقوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة : 19] فالآية الكريمة واضحة الدلالة على أن بعثة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام أتت بعد انقطاع وسكون في بعثة الأنبياء، والمقصود بالرسل في الآية الكريمة هو المعنى الأعم الشامل للأنبياء وليس المعنى الخاص الذي يتمايز به الرسول عن النبي، فلا يصح أن يقال إن الآية الكريمة تدل على انقطاع الرسل وليس الأنبياء، ووجه دلالة الآية على المعنى الأعم هو احتجاجها على أهل الكتاب أن يقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير أي من مبلغ عن الله تعالى نبياً أو رسولاً، فكل من الرسول والنبي هو بشير ونذير، فالآية تقول إننا بعثنا لكم رسولنا بعد سكون وانقطاع كي لا تحتجوا بأنه لم يأتكم بشير ونذير، ومن الواضح أنه لو كان في زمن الإنقطاع قد جاء اليهم نبي حتى لو لم يكن رسولاً لكان قد جاءهم بشير ونذير ولما صح أن يقال لهم إنا بعثنا رسولنا بعد انقطاع كي لا تحتجوا بأنه لم يأتكم بشير ولا نذير. نعم هذه الآية لا تصلح دليلاً على أن زمن الفترة كان مستوعباً لما بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام لصدق الفترة على ما هو أقل من ذلك بكثير، فلا يمكن الإستدلال بها على نفي بعثة نبي خلال كامل تلك المدة الزمنية.
إذن نخلص إلى أنه لا يوجد دليل معتبر على بعثة نبي بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام. بل تدل على عدم بعثة نبي في هذه الفترة رواية أبي هريرة رضي الله تعالى عنه التي أوردها مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أنه قال: (و ليس بيني وبين عيسى نبي)، ودلالتها على النفي واضحة جداً. ويوافقها الإعتبار، لأن وجود نبي أو أكثر بين عيسى ونبينا محمد عليهما الصلاة والسلام - وهو مقطع من المقاطع الزمنية التي تعتبر قريبة تاريخياً وفي متناول الإهتمام التاريخي في وقتها وبعده - لا بد أن يذكر عادة لتوفر الدواعي على ذلك لا سيما وأن حركة ذلك النبي بما لها من أنصار ومعارضين ومعجزات لا بد أن تترك عادة أثرا اجتماعيا يجعلها حديث الناس ويسجلها التاريخ ولو بنحو مقتضب أو منقوص، مع أنه لا يوجد في التاريخ أثر لذلك، الأمر الذي يؤشر إلى عدم تحققه. وأضف إلى ذلك أن عدم ذكر القرآن الكريم قضية وجود نبي أو أكثر في الفترة ما بين عيسى ونبينا عليهما الصلاة والسلام يعتبر مؤشرا آخر يدعم قضية النفي.
وأما النبي يحي عليه السلام ، فالصحيح أنه قضى أيام عيسى عليه السلام ، فلم تستمر نبوته إلى ما بعد عيسى عليه السلام .البريد الالكتروني
[email protected]جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد