الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور الأسئلة والاستفتاءات
جواب سؤال حول سورة براءة والآية (29) منها
الشيخ حسين المؤيد المحترم
أود الاجابة من سماحتكم على سؤالي واستفساري التالي وجزاكم الله خير الجزاء.
السؤال:
لماذا نزلت سورة التوبة بدون البسملة وما هو تفسيركم للاية رقم 28 من سورة التوبة التي خص بها الباري عز وجل اصحاب الكتاب وسبب استفساري هذا هو كثرة الحديث مؤخراً من إخواننا المسيحيين في العراق حول هذه السورة وتحديدا للآية الانفة الذكر، حيث استشعرت منهم بعدم شعورهم بالأمان خاصة بعد العدوان الآثم على كنيسة سيدة النجاة.
أود من سماحتكم الاجابة بوضوح واسهاب على سؤالي ولكم مني جزيل الشكر والتقدير والاحترام.
الجواب
أما لماذا نزلت سورة براءة بدون البسملة فقد وقع إلاختلاف في ذلك بين العلماء وذكرت أقوال عدّة في هذا الشأن ذكرها الإمام القرطبي في تفسيره، والذي يمكن قبوله في هذا الشأن قولان: -
1. أنه قد كان من شأن العرب في الجاهلية إذا كان بينهم وبين قوم عهد وأرادوا نقضه كتبوا اليهم كتاباً ولم يصدروه بالبسملة «بسم الله» أو «بسمك اللهم» فلما نزلت سورة براءة بنقض العهد الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين المشركين لم تتصدر البسملة بداية السورة جرياً على عادتهم من ترك البسملة عند نقض العهد وإبطاله.
2. أن البسملة أمان وفيها رحمة والسورة نزلت بالبراءة والبراءة فيها سخط وسلب الأمان.
وينبغي الإلتفات إلى أنّ عدم تصدر البسملة للسورة هوَ أمر توقيفي بمعنى أن ذلك كان من الله عز وجل لواحد من السببين المتقدمين أو كليهما.
وأما الأقوال الأخرى فليست صحيحة فإنّ بعضها باطل بالضرورة لابتنائه على طرو النقص في القرآن الكريم، فقد نقل القرطبي في تفسيره قولاً بأن سورة براءة كانت بمقدار سورة البقرة أو قربها فذهب منها وسقطت البسملة مع ما ذهب. وهذا قول شاذ باطل، لأن القرآن الكريم سالم جزماً من النقيصة والزيادة وقد تكفل الله تعالى بحفظه { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر : 9] ، وقد جمع القرآن الكريم في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كاملاً وحفظه الصحابة (رضي الله عنهم) ، وثبت بالتواتر القطعي ولم يسقط من سوره شيء أصلاً.
كما نقل القرطبي قولاً بان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إختلفوا فقال بعضهم بأن الأنفال وبراءة سورة واحدة، وقال آخرون بانهما سورتان، فللتوفيق بين القولين تركت فرجة بين السورتين لقول من قال انهما سورتان ولم تكتب البسملة في صدر سورة براءة لقول من قال إنهما سورة واحدة. وهذا قول غير تام أيضاً فانه لو صحت هذه الحكاية وكان هناك خلاف لعرف ذلك واشتهر ولما تعددت الأقوال في ترك البسملة، مضافاً إلى أن إهتمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة بأمر القرآن الكريم وتوقيفية سوره وآياته يضعف هذا القول فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم حريصاً على إبلاغ القرآن وحفظ سوره وبيان آيات كل سورة، ومنه أخذ الصحابة ذلك، ولذا لم يقع خلاف في سائر سور القرآن الكريم وعرفت آيات كل سورة.
ومن ذلك نعرف أيضاً ضعف القول الآخر الذي حكاه القرطبي مروياً عن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه بأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبض ولم يبين هل أن براءة من الأنفال أو سورة مستقلة فظنوا أنها من الأنفال فلم تكتب البسملة في صدرها. فهذا القول ضعيف أيضاً إذ لا يحتمل فوت البيان على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا سيما فيما يتصل بأمر القرآن الكريم الذي يجب أن لا يقع فيه الإختلاف وأن يكون محفوظاً من التحريف والتغيير، مضافاً إلى أن سورة براءة نزلت قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمدة كافية للبيان، فالقول بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد مات ولم يبين وضعها فيه طعن برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنه أهمل أو قصر حاشاه صلوات الله وسلامه عليه، والرواية المنسوبة إلى عثمان رضي الله تعالى عنه بهذا الشأن يجب ان ترد وحاشا عثمان أن يقول ذلك.
فالصحيح أن براءة سورة مستقلة وأنها خالية من البسملة توقيفاً وبأمر من الله تعالى لأحد السببين المتقدمين أو كليهما.
وأما الآية 29 - وليس 28 كما ورد في السؤال - من السورة، وهي قوله تعالى: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة : 29].
فلا بد كي نفهمها فهماً صحيحاً من أن توضع في إطارها الصحيح، وذلك بالنظر إلى النقاط التالية : -
1. إن الإسلام يؤمن بحرية الإنسان ولا يكرهه على عقيدته وقد قال تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة : 256].
2. إن أخذ الجزية من أهل الكتاب لا يتوقف على قتالهم وإنما يمكن أن يكون بوسائل أخرى وقد دفع أهل الكتاب الجزية في أحايين كثيرة صلحاً، مضافاً إلى أن طبيعة الأشياء تقتضي أن الخاضع للحكومة والحاكم في إطار دولة ما فانه يلتزم بقوانين الدولة، فما على الحاكم إلا أن يصدر القانون ويأمر بتنفيذه والعادة هي خضوع الناس للقانون، وأهل الكتاب الخاضعون للدولة الإسلامية والحكومة الإسلامية هم خاضعون لقوانينها بطبيعة الحال، فليس من المعقول أن يأمر القرآن بقتال أهل الكتاب ابتداء وللوهلة الأولى من أجل أخذ الضريبة منهم.
3. إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما هاجر إلى المدينة المنورة وأقام دولة الإسلام فيها وأسس الحاكمية الإسلامية في مجتمع المدينة، كان من أول ما عمله هو وثيقة المدينة التي نظمت العلاقة بين الدولة والمواطنين وبين المواطنين أنفسهم، وكان هناك وجود ملحوظ ومؤثر لأهل الكتاب في المدينة المنورة لا سيما اليهود، وقد نظمت وثيقة المدينة التي هي أول دستور مدني إسلامي لعلاقة مع أهل الكتاب وليس فيها حديث عن القتال، وإنما عن التعايش بين المسلمين وأهل الكتاب وقد ورد فيها «وأنه من تبعنا من يهود فان له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم» وورد «وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم» وبعد أن ذكرت الوثيقة قبائل اليهود وألحقتهم بما أعطي ليهود بني عوف قالت: «وأن بينهم - أي اليهود والمسلمون - النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الأثم وأنه لم يأثم أمرؤ بحليفه وأن النصر للمظلوم وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم». وغير ذلك من المواد التي إن دلت على شيء فانما تدل على سماحة الإسلام وتعايشه مع الأديان السماوية وإعترافه بها رسمياً ومساواته بين المواطنين وإن لم يكونوا مسلمين في المواطنة وأداء الحقوق. ولم تتعرض الوثيقة إلى أخذ الجزية من أهل الكتاب.
4. لقد أسس القرآن الكريم قاعدة مهمة جداً للتعايش والعلاقة مع الآخر. قال تعالى في سورة الممتحنة: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة : 8-9] .
وهاتان الآيتان قد وضعتا الأساس الرئيس في التعامل والتعايش لا سيما مع أهل الكتاب، فالقرآن الكريم يؤسس للتعامل بالعدل والبر مع الآخر الذي يتعايش مع المسلمين بسلام ولم يرفع السلاح بوجه المسلمين ولم يعمل على ضرب استقرارهم.
إننا إذا أخذنا كل هذه النقاط بنظر الإعتبار نستطيع أن نفهم الآية 29 من سورة براءة فهماً صحيحاً ونضعها في إطارها، ذلك أن الآية إذ تأمر بقتال أهل الكتاب فانها لا تأمر بذلك من أجل أخذ الجزية منهم وبهذا الهدف، ولا في سياق إدخالهم في الإسلام بالسيف وإكراههم على العقيدة، ولا على أساس أن العلاقة مع أهل الكتاب تقوم على العداء معهم والصراع، وإنما جائت هذه الآية الكريمة كموقف من الكتابيين الذين أعدوا لقتال المسلمين والذين تآمروا على المسلمين وأولئك الذين نقضوا العهد معهم، فهي رد فعل على من اختار أسلوب الصراع والعداء ضد المسلمين بدلاً من أسلوب التعايش والعلاقة الحسنة. ونجد أن لهجة الآية الكريمة تتفاوت مع لهجة آيات أخرى لها صلة بأهل الكتاب ففي هذه الآية صرامة وورد التعبير «حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» بينما في آيات أخرى مرونة وتسامح، مضافاً إلى ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشأن إكرام الكتابيين من أهل الذمة وحرمة إيذائهم. والسبب في هذا التفاوت هو أن آية القتال وردت لبيان موقف من الكتابيين الذين إختاروا موقف العداء من الإسلام ورسالته، بينما الآيات والأحاديث الأخرى وردت لبيان موقف من الكتابيين الذين إختاروا موقف الوئام والتعايش مع المسلمين.
وقد دلت الآية الكريمة على خُلق الإسلام مع أهل الكتاب فانها بعد أن أمرت المسلمين بقتال الذين اتخذوا موقف العداء والتآمر من أهل الكتاب لم تأمر بإجبارهم على دخول الإسلام ولم تأمر باستيصالهم بالقتل والتشريد، وإنما جعلت للقتال حداً حينما يسيطر المسلمون على الموقف ويترك المعادون من أهل الكتاب الصراع والقتال ويدفعوا الجزية كرمز لنبذهم الصراع وقبولهم بالتعايش مع المسلمين بعد أن كانوا هم البادئين بالعداء ضد المسلمين.
ونجد أنه في الوقت الذي لم يقبل الإسلام من الكفار ملحدين أو مشركين دفع الجزية وإقرارهم على ما هم عليه، فانه قبل من أهل الكتاب إقرارهم على دينهم واحترام عقيدتهم ومنحهم الأمان وأعطاهم حقوق المواطنة.
وقد نزلت هذه الآية إثر إعداد الروم لقتال المسلمين وتآمر اليهود ونصارى العرب لا سيما الغساسنة ضد المسلمين.
وقبل ذلك لم يأمر الإسلام بقتال أهل الكتاب وقد كانت العلاقة معهم علاقة تعايش سواء أكانوا ضمن إطار الدولة الإسلامية أو خارجها.
وأما فيما يتصل بالوضع الراهن فان المسيحيين في العراق والبلاد العربية مواطنون أصيلون عاشوا ولا زالوا مع المسلمين في وئام وتفاهم ومسالمة وهم شركاؤنا في الوطن يقاسموننا الآمال والآلام، وليسوا هم أعداء للمسلمين ولا أعداء للدين الإسلامي، ولهم بحكم الشريعة الإسلامية كامل حقوقهم وهم في أمان الشرع وفي أمان المسلمين لا يجوز قتالهم ولا الإعتداء عليهم ولا ايذاؤهم ولا تنطبق عليهم آية القتال. وما وقع عليهم من عدوان هو أمر منكر ترفضه الشريعة الإسلامية وليس من الإسلام في شيء بل يجب إسلامياً معاقبة المعتدين عليهم كمجرمين انتهكوا الحرمات وارتكبوا المحرمات وأفسدوا في الأرض والله لا يحب الفساد.
البريد الالكتروني
[email protected]جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد