الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور الأسئلة والاستفتاءات
جواب سؤال حول إعراب آيات قرآنية كريمة
السؤال:
أعرض أمام سماحتكم استفسارا لا يتعلق بالتفسير أو التحليل هذه المرة بل يتعلق بالناحية النحوية والإعرابية وذلك في الآيات التالية:
1 - الآية 162 من سورة النساء، حيث نلاحظ أن كل الكلمات والصفات كانت في حالة الرفع بالواو (الراسخون - المؤمنون - المؤتون - المؤمنون بالله) وبينها كلمة واحدة ليست في حالة الرفع وهي (والمقيمين) علما إنها معطوفة على ما سبقها.
2 - الآية 177 من سورة البقرة نلاحظ نفس الحالة والتي يرد فيها (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء)، حيث نلاحظ ان كلمة الصابرين لم تكن مرفوعة بالواو مثل كلمة الموفون التي سبقتها وهي أيضاً معطوفة على ما سبقها.
3 - في سورة الفتح نقرأ (.... ومن أوفى بما عاهد عليه الله) فنجد أن الهاء في كلمة - عليه - مرفوعة وليست في حالة جر كما هو مألوف.
اختلفت كتب التفسير في بيان أسباب ذلك اختلافاً كبيراً، لذا أضع هذا الموضوع أمام سماحتكم لمعرفة رأيكم بشأنه حتى يكون مفهوماً لدي، جزاكم الله كل خير والسلام عليكم.
الجواب:
أما ما يتصل بالآية 177 من سورة البقرة والآية 162 من سورة النساء فلتوضيح الإبهام المثار في السؤال نقول إنّ النحاة بحثوا في باب النعت قضية تعدد النعوت وما يترتب على تعددها من الإتباع والقطع. ففي الإتباع يكون النعت مماثلاً للمنعوت في رفعه ونصبه وجره، بينما في القطع يأخذ النعت إعراباً آخر حيث تنتقل الكلمة من حالة النعت التي كانت عليها إلى حالة أخرى مغايرة لها ولا تسمى حينئذ نعتاً لأن صلتها بالنعت تكون قد انقطعت ولهذا يطلق النحاة عليها اصطلاح النعت المقطوع أو النعت المنقطع وذلك باعتبار أنها كانت في الأصل نعتاً ثم انقطعت وانتقلت إلى إعراب جديد. وإنما يصار إلى القطع لسبب بلاغي حيث يكون النعت المقطوع حقيقاً بالاهتمام والتنويه، فلأجل إبراز مكانته والتركيز عليه وجعله مميزاً يتم قطعه ونقله إلى إعراب جديد ينسجم وهذا الغرض البلاغي، وكثيراً ما يقع ذلك إذا تعددت النعوت وطالت الجملة.
وقد قرر النحاة أن القطع هذا بحكمه وحكمته ثابت وجارٍ إذا تعددت النعوت وفصل بينها بحرف عطف فصارت بعد هذا الفصل بالعاطف معطوفات لا نعوتاً ومن هنا صح القطع في المعطوف عطف نسق وكثيراً ما يحصل ذلك في المعطوفات المتعددة التي كانت في أصلها نعوتاً ثم فصل بينها بحرف العطف فصارت معطوفات بعد أن كانت نعوتا، وكذلك يصح القطع فيما يجري هذا المجرى.
وهناك شواهد عديدة على هذا الأمر من كلام فصحاء العرب من ذلك ما أنشده الكسائي لبعض فصحاء العرب.
وكل قوم أطاعوا أمر مرشدهم إلا نميرا أطاعت أمر غاويها
الظاعنين ولما يظعنوا أحدا والقائلون لمـــــــن دار نخليها
فهنا نجد أن كلمة القائلون جائت مرفوعة مع أنها معطوفة على منصوب.
ومن ذلك ما أنشده الفراء لبعضهم.
إلى الملك القرم وابن الهمام وليثَ الكتيبة في المزدحم
وهنا نجد أن كلمة ليث جائت منصوبة مع أنها معطوفة على مجرور.
إذا اتضح ذلك نقول إن ما جاء في الآيتين الكريمتين هو من هذا القبيل فكلمة الصابرين في الآية 177 من سورة البقرة وكلمة المقيمين في الآية 162 من سورة النساء عرض عليهما النصب بسبب القطع فلم تأخذ كل من هاتين الكلمتين الإعراب الذي يقتضيه العطف وإنما صار لكل منهما إعراب جديد حيث تعرب كل منهما مفعولاً لفعل محذوف، وما ذاك إلا لسبب بلاغي اقتضى القطع حيث أراد القرآن الكريم التركيز على هاتين الصفتين وتمييزهما وإبراز مكانتهما فقطعهما لتوجيه الأذهان إليهما وشد الانتباه إلى أهميتهما.
وبهذا يرتفع الابهام. وأما دعوى أن اختلافهما إعرابا هو من باب خطأ النساخ، فهذه جهل بقواعد اللغة العربية، وجهل بحقيقة تواتر القرآن الكريم وأن إعراب كلماته ثابت مأخوذ قبل النسخ من النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وقد وقر في صدور الصحابة وحفر في أذهانهم ولم يكن أحد منهم ليتسامح مع غلط في النسخ كي يبقى هذا الغلط ويستمر. ومن هنا فانّ ما روي عن عثمان وعائشة رضي الله تعالى عنهما من أنهما قالا تعليقاً على هاتين الآيتين وغيرهما إن في هذا المصحف لحناً وستقيمه العرب بألسنتها، أقول هذه الرواية من الموضوعات على لسان عثمان وعائشة رضي الله تعالى عنهما وشأنهما أجل من هذا الكلام كيف وقد جمع عثمان رضي الله عنه القرآن الكريم من أجل صيانته عن الإختلاف وكيف يرضى هو والصحابة معه أن يثبت غلط النساخ ولحنهم اتكالاً على تصحيح العرب لهذا الغلط وقد كانت الفتوحات قائمة وغير العرب يدخلون في الإسلام أفواجا ويتداولون النسخة المكتوبة من القرآن الكريم.
وهل يحتمل أن تتفوه أم المؤمنين عائشة عليها السلام بمثل هذا الكلام وهي الذكية الواعية العارفة بتوقيفية القرآن وحرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة رضي الله تعالى عنه على حفظه كما نزل به الوحي.
نعم نقل عن ابن مسعود قراءة أخرى يطابق فيها الإعراب لما يقتضيه العطف ونقل عن عدد محدود من التابعين. ولكن لا يعول على ذلك وإنما يعول على القراءة المشهورة المعروفة التي أخذها الناس جيلاً فجيلاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واتفقت عليها الأكثرية الساحقة من الصحابة (رضي الله عنهم) .
وأما ما يتصل بالآية 10 من سورة الفتح المباركة فضم الهاء هو قراءة حفص وقرأها الباقون بالجر ولكل من القراءتين وجه، أما قراءة الضم فلأنها الأصل بمعنى أن هذه الهاء هي هاء هو وهي مضمومة فأبقيت على الضم ونظير ذلك قولك لهُ، وأما قراءة الكسر فلرعاية الياء ولهذا تقول إليه وفيهِ فتكسر لمجاورة الياء، وكذلك لو كان قبلها كسرة نحو به لثقل الانتقال من الكسر إلى الضم.
ومناسبة الضم هنا في الآية الكريمة بإبقاء الهاء على أصلها المضموم كما ذكره بعض المفسرين هي التوصل إلى تفخيم لفظ الجلالة الملائم لتفخيم أمر العهد المشعر به الكلام، كما أن إبقاء الهاء على أصلها ملائم للوفاء بالعهد وإبقائه وعدم نقضه.البريد الالكتروني
[email protected]جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد