الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور
 

الأسئلة والاستفتاءات

معنى عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال

السؤال:
أنزل تعالى في الآية 72 الأحزاب قوله عز اسمه {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} أكان في مقدور الإنسان الاختيار ورفض حمل الأمانة كما فعلت السماوات...... وهو المخلوق المدرك المفكر صاحب الإرادة؟ أم أن هذه الآية المجيدة نزلت في مجرى التمثيل لبيان عظمة وثقل الأمانة؟ وتفضلوا قبول احترامي.


الجواب
لا يخفى أن كتاب الله المنزل بحر عميق لا يسبر غوره ولا يدرك قعره وإنما تنال منه الأذهان بمقدار ما تسمح به الأفهام وفيه من الآيات ما يخبيء من كنوز المعاني مما لا يمكن الوصول إليه بمجرد معرفة معاني الألفاظ أو الاكتفاء بالظاهر البدوي بل يحتاج إلى تأمل وتدقيق وتدبر وتحقيق، ومن ذلك تلكم الآية الكريمة التي ذكرت في السؤال. ومن يراجع تفاسير علماء التفسير يقف على اختلافهم بل اضطرابهم في تفسيرها الأمر الذي يكشف بوضوح عن تعقيد في مفاد الآية من حيث عمق المعنى. وهناك من الأقوال مالا يستحق أن يصغى إليه ويتوقف عنده لوضوح ضعفه ومجافاته للمفاد. ولذا نقتصر على ما يستحق أن يذكر من الأقوال والوجوه ثم نذكر ما نفهمه نحن من هذه الآية معززا بالشاهد عليه. أما الأقوال فهي -:
1 - إن إسناد عرض الأمانة - وهي الفرائض التي ائتمن الله تعالى العباد عليها وجميع وظائف الدين - إلى السموات والأرض والجبال إنما هو إسناد مجازي نظير المجاز في الإسناد في قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يُوسُف: 82] والمراد هو السؤال من أهل القرية، وعليه فالأمانة عرضت على أهل السموات وهم الملائكة وعلى أهل الأرض والجبال وهم الجن.
ويرد على هذا القول: مضافاً إلى أنه لا وجه لذكر الجبال إذا أريد بأهل الأرض الجن فان الجبال جزء من الأرض، وإن كان المقصود بالجبال ما كان في كوكب آخر فسكانها هم إما من الملائكة أو الجن فلا معنى لذكر الجبال مستقلة عن السموات والأرض، مضافاً إلى ذلك أن الجن مكلفون بالوظائف الدينية ومحاسبون عليها فلم يكن لهم أن يرفضوا تحمل الأمانة، والملائكة عليهم من الوظائف ما هو أكبر وأكثر مما على الإنسان.
2 - إن إسناد العرض إلى السموات والأرض والجبال إنما هو من باب ضرب المثل أي أن التكليف الذي حمله الإنسان لو عرض على السموات والأرض والجبال لعجزت عن حمله.
ويرد عليه: - إن المراد لو كان بيان التمثيل لجائت الآية الكريمة بلسان الافتراض كما في قوله تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحَشر: 21] بينما الآية في المقام جاءت بصيغة الماضي وبلسان تقرير الواقع والأخبار عنه وبيان أمر متحقق مما لا يتناسب وإرادة التمثيل.
3 - إن العرض في الآية هو عرض حقيقي لكن بما يتناسب والمعروض عليه وقد كشف لنا القرآن الكريم عن أن كل كائن مسبح لله تعالى حتى لو كان جمادا قال تعالى: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } [الإسراء: 44] فإذا أمكننا عقلاً تصور تسبيح الجمادات من السموات والأرض يمكننا تصور عرض الأمانة على السموات والأرض بما يتناسب معها كجمادات.
ويرد عليه: إن المستفاد من الآية الكريمة هو أن الإنسان إنما حمل الأمانة نفسها التي عرضت على السموات والأرض والجبال فأبين حملها وأشفقن منها وعليه فهذه الأمانة ليست شيئاً يمكن عرضه حقيقة عرض خطاب على السموات والأرض والجبال بل لا أهلية لها لمثل هذا العرض سواء أكانت الأمانة عبارة عن الوظائف الدينية أو خلافة الله تعالى.
وهكذا يتضح أن شيئاً من تلك الأقوال لا يتم منطقياً لفهم سنخ العرض.
لكن الذي يقرب إلى الذهن هو أن هذا العرض عرض حقيقي لكنه ليس عرض خطاب وإنما هو عرض موازنة ومقايسة وتحليل لكن في عالم نظير عالم الاعتبار الذهني لكن بما يتناسب والمطلق جل وعلا. فالعرض عرض حقيقي لأن الآية تتحدث عن تقرير حقيقة واقعة وليس عن فرض وتمثيل، كما أنه ليس عرض خطاب لعدم أهلية السموات والأرض والجبال لتحمل الأمانة التي حملها الإنسان ولا يصح الخطاب لما لا أهلية له ولا قدرة عليه. فهو إذن عرض مقايسة وموازنة وتحليل في عالم هو من سنخ عالم الاعتبارات الذهنية كما لو أراد شخص عرض موازنة وتحليل في ذهنه لأمر من الأمور. فـثقل الأمانة التي حملها الإنسان في مقام الموازنة والتحليل والمقايسة مما تأبى السموات والأرض والجبال عن حمله. والآية الكريمة وإن تحدثت عن عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال لكنها لم تتحدث عن عرضها على الإنسان وإنما قالت: { وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ } [الأحزَاب: 72] فحمله للأمانة ناشئ من تكليف وإلزام لا من تخيير، فأصل الحمل إنما هو تكليف، وهو تكليف تشريف للإنسان أي كلف بحمل الأمانة تشريفاً له، فتوجيه ذلك إلى الإنسان إنما هو تكليف وإلزام وان كان في مقام الامتثال مخيراً بين الطاعة والمعصية لكنه إن عصى عوقب. وعلى هذا فقوله تعالى: { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } [الأحزاب: 72] لا يراد به أنه ظلم نفسه بقبوله حمل الأمانة وجهلاً منه بثقلها، وإنما المراد أنه ظلوم للتفريط بها وجهول بقيمتها وعظمتها والله العالم بالحقائق ومنه نستمد وبه الاعتصام.

الفهرست || الأسئلة القرآنية

السابق

Twitter Facebook قناة الشيخ حسين المؤيد في اليوتيوب google + البريد الالكتروني
[email protected]

جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد

www.almoaiyad.com