الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور الأسئلة والاستفتاءات
تفسير آية (7) من سورة آل عمران
حضرة الإمام الكريم المؤيد حفظكم الله. ...السلام عليكم.
السؤال:
أرجو إجابتكم على سؤالي في الرسالة السابقة والمتعلقة بـ (الراسخون في العلم) هل يعلمون تأويل القرآن كما تذكر الروايات الشيعية.
وما هي القراءة الصحيحة للآية «وما يعلم تأويله إلا الله..... »؟ أجيبونا مأجورين.
الجواب:
إختلف المفسرون في هذه الآية الكريمة على وجهين -:
الأول: - إنها تدل على اختصاص العلم بالتأويل بالله عز وجل وأن عبارة {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران : 7] هي مبتدأ خبره { يَقُولُونَ آمَنَّا } [آل عِمرَان: 7] والواو هي واو الإستئناف لا العطف.
وعلى هذا الوجه تحصر الآية الكريمة العلم بالتأويل بالله تعالى، وأما الراسخون في العلم فمع رسوخهم في العلم فإنهم لا يعلمون تأويله، إلا أن رسوخهم في العلم ومعرفتهم بالله عز وجل يجعلانهم متمسكين بكل ما جاء من عند الله تعالى ومؤمنين به. وهذا هو شأن الراسخين في العلم فان شأنهم هو الوقوف عند الشبهة والإيمان والتسليم وعدم اتباع الهوى في التأويل بخلاف من في قلبه زيغ أي ميل وانحراف عن الحق والصواب فانه يتبع هواه ويقوم بالتأويل مغرضاً.
الثاني: - إن الآية الكريمة تدل على معرفة الراسخين في العلم بالتأويل فالله تعالى يعلم تأويله والراسخون في العلم يعلمون تأويله، وإن معرفتهم بالتأويل جائت من رسوخهم في العلم. وعليه تكون عبارة {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران : 7] معطوفة على إسم الجلالة في الآية الكريمة.
وأما قوله تعالى: { يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عِمرَان: 7] فهو حال لهم، فالراسخون في العلم الذين يعرفون تأويله حالهم انهم يقولون آمنا به.
وترجيح أحد هذين الوجهين لا بد أن يخضع لأسس علمية أولها ما تقتضيه قواعد العربية، ثم ما تقتضيه مناسبات الآية الكريمة.
أما قواعد العربية، فقد ذكر بعض كبار المفسرين أنّ الوجه الثاني ينافي ما تقتضيه هذه القواعد لأن جعل قوله تعالى: { يَقُولُونَ آمَنَّا} [آل عِمرَان: 7] حالاً يعني أن الحال للمعطوف دون المعطوف عليه، وهذا خلاف الأصل لأن صاحب الحال هو الذي تقدم ذكره والمتقدم ذكره ههنا هو إسم الجلالة وعطف عليه «الراسخون في العلم» وإذا حملنا عبارة { يَقُولُونَ آمَنَّا} [آل عِمرَان: 7] على أنها حال فمعنى ذلك أننا يجب أن نخرج عما تقتضيه قواعد العربية لعدم إمكان جعل هذه الحال لاسم الجلالة ولزوم اختصاصها بالراسخين في العلم.
وأجيب عن ذلك بأن جعل الحال للمعطوف دون المعطوف عليه سائغ في اللغة والنحو وله شواهد عديدة منها قوله تعالى: { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفَجر: 22] فاختص الحال بالمعطوف وهو الملك دون المعطوف عليه وهو اسم الجلالة.
وهذا الجواب مردود فنياً بلحاظ أن جعل الحال للمعطوف دون المعطوف عليه سائغ إذا اقتضته قرينة وهو خروج عن الظاهر ولا يكون إلا بقرينة. وفيما نحن فيه لا توجد قرينة تقتضي ذلك فجعل الحال للمعطوف دون المعطوف عليه خروج عن القاعدة الأولية من دون قرينة تقتضيها إذ يمكن إبقاؤها على أصلها كمبتدأ وخبر دون التصرف في الدلالة بما يفضي إلى الوجه الثاني.
وبعبارة أوضح إن الأخذ بالوجه الثاني بحاجة إلى تصرف وخروج عن القاعدة الأولية للنحو، بينما الأخذ بالوجه الأول لا يحتاج إلى ذلك فيكون المتعين.
هذا ما تقتضيه قواعد اللغة.
وأما مناسبات الآية الكريمة فلا بد من دراستها جيداً لنرى هل هناك ما يقتضي الأخذ بالوجه الثاني وبالتالي يكون الخروج عن القاعدة الأولية للنحو لازماً بحكم مناسبات الآية؟ أوليس هناك ما يقتضي ذلك.
ذهب بعض المفسرين إلى أن مناسبات الآية الكريمة تقتضي الأخذ بالوجه الثاني، وذكروا لذلك عدة بيانات منها -:
1. إنّ الآية الكريمة ذكرت الراسخين في العلم في سياق المدح وقد مدحتهم على رسوخهم في العلم، فكيف تمدحهم على رسوخهم في العلم وهم جهال بالتأويل؟ اذن جاء مدحهم بلحاظ معرفتهم بالتأويل.
وهذا البيان يمكن الجواب عليه بأنّ مدح الراسخين في العلم جاء في قبال ذم الذين في قلوبهم زيغ والذين يعملون على تأويل المتشابه لهواهم. بينما الراسخون في العلم لشدة رسوخهم في العلم يقفون أمام ما يتشابه عليهم ولا يتبعون الهوى في تأويله، ولا يدخلهم الريب لمجرد التشابه وإنما يؤمنون به وأنه من عند الله تعالى، ولا يخلّ جهلهم بالتأويل في رسوخهم في العلم لأنه ما من عالم إلا وهو يجهل بعض الجوانب، والعالم الحقيقي لا يدعي العلم بكل شيء.
2. إن جملة {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران : 7] لو كانت مبتدأ ولم تكن معطوفة على اسم الجلالة، لم يكن لتخصيص الراسخين في العلم بالذكر فائدة لأن الوقوف عند الشبهة والتسليم لله عز وجل هو شأن كل مسلم مؤمن بالله تعالى وآياته، يستوي في ذلك العالم وغيره، فكل مسلم مؤمن لا زيغ في قلبه يقول آمنا به هو من عند ربنا، وإن لم يكن ذلك المؤمن راسخاً في العلم. إذن ذكر الراسخين في العلم جاء لخصوصية فيهم ألا وهي معرفتهم بالتأويل.
ويمكن الجواب على هذا البيان أيضاً بأن الآية الكريمة لما ذكرت شيئاً فيه علم وجهل أرادت أن تبين أن الوقوف أمام الشبهة هو من شأن الراسخين في العلم الذين لا يحاولون توظيف علمهم في ابتغاء الفتنة والتأويل بالهوى.
وبعبارة أخرى إنّ التأويل لما كان بحاجة إلى علم وأن الذين في قلوبهم زيغ يعملون على توظيف العلم في التأويل بالهوى، ذكرت الآية الكريمة شأن الراسخين في العلم لبيان أن العالم الحقيقي هو الذي لا يتبع إلا العلم ولا يبتغي الفتنة ولا يوظف علمه للتأويل بالهوى وإنما يؤمن ويسلّم بآيات الله حتى وإن لم يعرف تأويلها.
3 - وهو بيان آخر بتحرير منا وهو إن الآية الكريمة تتحدث عن القرآن كله {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ} [آل عِمرَان: 7] ثم تقسّم آيات الكتاب إلى محكمات ومتشابهات «منه آيات محكمات وأخر متشابهات» ثم تبيّن موقف الناس من متشابهات القرآن الكريم.
إذن تتحدث الآية الكريمة عن قضية فيها عمومية. ومن الواضح أن متشابه القرآن لو لم يعرف تأويله إلا الله تعالى لأنسد باب الاستفادة من كثير من آيات القرآن الكريم ولتعطلت بحكم عدم القدرة على فهمها. مضافاً إلى وجود آيات عديدة تشير إلى أن آيات القرآن جائت بياناً للناس ومعنى ذلك أنها بشكل عام قابلة للفهم، ولو لم يكن يعلم بتأويل المتشابه إلا الله تعالى لانحصر فهم المتشابه بالله عز وجل ولما كان القرآن الكريم بشكل عام بياناً للناس. إذن من المنطقي أن يكون الراسخون في العلم ذوي معرفة بالمتشابه ومن خلال معرفتهم به فإنهم يقومون بتوضيحه للناس. وهذا الوجه صحيح وبه لا بد من الخروج عما تقتضيه القاعدة الأولية في النحو والمصير إلى أن عبارة: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران : 7] ليست مبتدأ وإنما هي معطوفة على إسم الجلالة.
نعم تدل الآية الكريمة على أنه ليس كل عالم بقادر على أن يعرف المتشابه معرفة حقيقية وإنما القادر على ذلك هم الراسخون في العلم الذين لهم رسوخ وشدة تمكن من العلم، وهذا أمر نسبي أيضاً ويرتبط بجهة اكتساب العلم ونوع المتشابه فمن المتشابه ما يمكن معرفته من خلال قواعد علمية مقررة ومنه ما يستعصي على كبار العلماء ويحتاج في اكتسابه إلى جهة متصلة بالله عز وجل بمعنى أن من المتشابه ما لا يعرفه إلا من علّمه الله تعالى وهو النبي عليه أفضل الصلاة والسلام فالراسخون في العلم تتفاوت درجاتهم أيضاً والراسخون في العلم عنوان عام وقد ذكرنا أنه نسبي ومن الطبيعي أن لا ينحصر بأهل البيت عليهم السلام .البريد الالكتروني
[email protected]جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد