الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور
 

الأسئلة والاستفتاءات

تفسير الآية (15) من سورة الاحقاف

السؤال:
الموضوع الذي أعرضه أمام أنظار سماحتكم يتعلق بالآية 15 من سورة الأحقاف والتي ورد فيها {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [الأحقاف : 15].
كل كتب التفسير التى اطلعت عليها تشرح الآية على النحو التالى:
إذا كانت مدة الحمل ستة أشهر فتكون مدة الرضاعة 24 شهر وإذا كان الحمل سبعة أشهر تكون الرضاعة 23 شهر وإذا كان الحمل كاملاً أي تسعة أشهر تكون الرضاعة لمدة 21 شهر.
أي إن مدة الحمل إذا جمعت مع مدة الرضاعة ستكون ثلاثين شهراً لتوافق ما جاء في سورة الاحقاف.
ولكن أكثر المفسرين لم يشيروا إلى ما ورد في سورة لقمان الآية 14 والتي ورد فيها ما يلى.
{وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان : 14] وكذلك ما ورد في سورة البقرة بنفس المعنى أي إن الرضاعة حولين كاملين وهنا أود ان أبين النقاط التالية:
1 - توجد إشارة واضحة وصريحة بأن مدة الفصال بعد سنتين أي 24 شهر.
2 - إذا أنقصنا مدة 24 من 30 شهر سيكون المتبقى هو ستة أشهر كمدة للحمل.
3 - من المعلوم طبياً وحتى على المستوى العام أن الحمل الطبيعى المكتمل هو تسعة أشهر وتوجد إحصائيات علمية مثبتة تشير إلى أنه كلما نقصت مدة الحمل كلما كان المولود عرضة للاصابة بمختلف أنواع الأمراض الخطيرة إضافة إلى إمكانية حصول الوفاة لأن هذا المولود (ناقص مدة الحمل الطبيعية) يحتاج إلى عناية طبية مركزة مع وضعه في حاضنات خاصة وغيرها من الأمور الطبية والتي لا أريد ان أدخل في تفاصيلها ولكن فقط لأوصل فكرة محددة وهي أن المولود من مدة حمل ستة أشهر لا يعتبر طبيعياً أو متكاملاً.
4 - إن القرآن الكريم عندما يذكر أي شىء يتعلق بالخلق فانه يذكر الأشياء الطبيعية المتكاملة وغير الناقصة أو المرضية لأن هذا هو الأساس أما الأمراض أو العاهات فانها الاستثناء 5 - كما اشرت في الفقرة 2 اعلاه سيكون معنى الآية 15 (بعد أن نجمع ما ورد في السور المذكورة آنفا) إن المولود هنا عمره ستة أشهر حمل وهي تذكر أنه إذا بلغ أشده وبلغ سن الأربعين أي إنه مولود طبيعى ويعيش اعتياديا كأي مولود كامل مدة الحمل، طبعا إن قدرة الله تعالى لا حدود لها، فهل الحديث في هذه الآية عن شخص محدد أم هي عامة.
كما يلاحظ سماحتكم لدي إشكال واضح في تفسير ذلك بعد جمع ما ورد في سورة الاحقاف وسورة لقمان والبقرة، وأنا بانتظار رأي سماحتكم حول هذا الموضوع جزاكم الله كل خير والسلام.


الجواب:
ذكرت في تفسير ذلك وجوه عديدة -:
الوجه الأول: - وهو المذكور تفسيراً لما ورد في سورة الأحقاف هو أن جمع مدة الحمل إلى الفصال ثلاثين شهراً إنما هو لتطابق مختلف مدد الحمل، إذ قد يكون الحمل ستة أشهر أو سبعة أو ثمانية أو تسعة، فإذا كان الحمل تسعة شهور أرضعت الأم وليدها واحداً وعشرين شهراً، وكلما نقص من الحمل شهر زادت مدة الرضاعة شهراً لأن نقصان مدة الحمل يؤثر في الطفل هزالاً.
لكن هذا الوجه يتنافى مع قوله تعالى في سورة البقرة: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة : 233] مما يعني أن الرضاعة التامة هي سنتان وإليها يشير قوله تعالى قي سورة لقمان: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان : 14]. فهذا الوجه غير تام.
الوجه الثاني: - إن القرآن الكريم اعتبر الحمل ستة أشهر بلحاظ أن الجنين يكون في الأشهر الثلاثة الأولى نطفة ثم مضغة ثم علقة، فلا يكون له ثقل تحس به الأم في بطنها، ولا يسبب لها مشقة وعناء، فكأنّ الحمل وهو الذي فيه العناء والمشقة يبتديء من بعد الأشهر الثلاثة الأولى من حيث تبدأ الأم تحس به. فالآيات الكريمات ناظرة إلى المولود الطبيعي الذي يولد بعد استيفاء المدة الطبيعية وهي الشهور التسعة إلا أنها جائت بنكتة بلاغية فخصت الحمل بالشهور الستة الأخيرة ولم تبدأ به منذ بدايته، فكان ذلك من بلاغة القرآن الكريم في بيان المضامين والتعبير عنها.
وهذا وجه جميل وهو يتناسب مع قوله تعالى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً} [الأحقاف : 15] اشارة إلى عناء الحمل وأتعابه التي تظهر عادة على الأم بعد الشهور الثلاثة الأولى.
وعلى هذا الوجه يرتفع الإستغراب الذي ينطوي عليه السؤال ونخرج بفهم متسق لمجموع هذه الآيات المباركات. إلا أنه ينطوي أيضاً على إشكال، لأنّ آثار الحمل تظهر على الأم منذ البداية وإن لم تشعر بثقل الجنين في بطنها، فعناء الحمل يظهر على الأم منذ بدايته.
الوجه الثالث: - إن قوله تعالى في سورة الأحقاف {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً} [الأحقاف : 15] هو جملة إعتراضية في سياق الآية الكريمة يراد بها الإشارة إلى أقل مدة للحمل من حيث ثبوت الآثار الشرعية، إذ بعد طرح مدة الرضاعة التامة ينتج أن أقل مدة للحمل هي ستة أشهر ويراد بها تحديد شرعي من حيث ترتب الآثار الشرعية، فاذا ولدت المرأة بعد ستة أشهر من دخول الزوج بها لا يجوز إتهامها بالزنا ولا يجوز نفي الولد عن زوجها، وإنما يثبت النسب الشرعي لولدها، فالستة أشهر هي أقل مدة للحمل الشرعي.
فهذه الآيات ليست بصدد بيان أن المولود لستة أشهر هو مولود قد إستوفى المدة الطبيعية، إذ من المعلوم أن المدة الطبيعية هي تسعة أشهر ولو كانت المدة الطبيعية ستة أشهر لكانت الزيادة عبثاً أو لغواً وهي لا تجوز على حكمة الله عز وجل وإتقانه في خلقه، لكن من حيث ترتب بعض الآثار الشرعية جعل المشرع أقل مدة للحمل الشرعي ستة أشهر. ومن الواضح أن المولود على ستة أشهر وان لم يستوف المدة الطبيعية للحمل وقد يكون ناقصاً أو في معرض الوفاة، إلا أن فرص عيشه غير معدومة، فقد يعيش وينمو ويكبر ويبلغ أشده بعد ذلك كأي فرد عاديّ. فهذه الآية الكريمة تتحدث عن قضية عامة من حيث الآثار الشرعية وإن كان وقوعها في الواقع الخارجي محدوداً. وعلى هذا الوجه أيضاً يرتفع الاستغراب الذي أبديتموه في سؤالكم.
وأقول إن الآية الكريمة وإن كانت لها دلالة - لو أغمضنا النظر عن الوجه الثاني - على وجود مدة للحمل أقل من تسعة أشهر، لكنها لا تدل على أن المدة الأقل هي مدة طبيعية متكاملة كي يثار الإستغراب المذكور في السؤال ومجرد عدم دلالتها على التكامل في تلك المدة - مهما كان وراء تلك المدة من مضمون يراد التنبيه إليه - يكفي في نفي الإستغراب المذكور في السؤال.
وبالله التوفيق ومنه تعالى نستمد السداد وبه الإعتصام.

الفهرست || الأسئلة القرآنية

السابق

Twitter Facebook قناة الشيخ حسين المؤيد في اليوتيوب google + البريد الالكتروني
[email protected]

جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد

www.almoaiyad.com