الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور الأسئلة والاستفتاءات
جواب سؤال عن قصة يأجوج ومأجوج المذكورة في سورة الكهف
السؤال:
الموضوع الذي أثيره أمامكم أخذ حيزاً واسعاً واهتماماً كبيراً من قبل علماء الدين والمفسرين بل حتى طلاب الدراسات العليا الذين جعلوا من هذا الموضوع مجال البحث في الأطروحة المقدمة للحصول على شهادة الماجستير أو الدكتوراة.
الموضوع يتعلق بقصة يأجوج ومأجوج مع ذي القرنين الواردة في سورة الكهف، لقد اطلعت على الكثير من كتب التفسير والكتب الخاصة بهذا الموضوع وكذلك بعض المواقع الدينية وأستطيع أن ألخص النتيجة بما يلي:
- الغالبية العظمى تشير إلى أحاديث للرسول عليه الصلاة والسلام تذكر فيه وجود هذه الأقوام وتتوسع في ذكر صفاتها وخواصها التي تختلف عن صفات البشر وأنها موجودة منذ ذلك الوقت محجوزة خلف السد وإلى قرب قيام الساعة وأنها تقوم بحفر فتحة في هذا السد يومياً إلا أن هذه الفتحة تعود فتنغلق وتتكرر هذه الحالة بشكل يومي وإلى قيام الساعة.
- بعض المفسرين ينهون عن الاستفهام عن هذا الموضوع ويجب أخذه كما هو ويعتبرون أن هذا الاستفسار إنما يعتبر تشكيكاً في مصداقية ما ورد في القرآن الكريم.
وردت استفسارات عديدة جداً إلى المواقع الدينية كما قرأتها تسأل عن أين توجد هذه الأقوام وبهذه الأعداد الهائلة وأين هذا السد الذي يحجزهم وكيف لم يمكن اكتشاف وجودهم إلى الآن بالرغم من التطور العلمي الذي لم يترك أي بقعة من الأرض دون معرفة ما موجود على سطحها أو في باطنها وطبقاتها، إن هذا السؤال أجده مشروعاً طالما أن الغاية منه هو المعرفة وليس التشكيك أو التكذيب.
- بعض المفسرين شرحوا بأن السد قد دك في وقته وأن هذه الأقوام قد خرجت واندمجت مع غيرها من الأقوام وأنهم سيعاودون الظهور قرب قيام الساعة.
هنا أود ان استفسر من سماحتكم حول ما يلي:
- ما هي رؤية سماحتكم حول هذه القصة المتعلقة بيأجوج ومأجوج وقصة السد.
- هل إن الإِستفسار عن تفاصيل هذا الموضوع يعتبر غير مشروع كما يعتبره بعض علماء الدين.
جزاكم الله كل خير والسلام عليكم.
الجواب:
لا يعتبر الإستفسار عن هذه القصة أمراً غير مشروع، فليس هناك من النصوص الشرعية ما يمنع من الإِستفسار أو ما يحجر على العقول. وللإِنسان أن يبحث دائماً حتى يتمكن من الوصول إلى الحقيقة، وليس في البحث تكذيب للقرآن الكريم، فالقرآن الكريم له مصداقية تتضائل أمامها وتذوب كل نقاط التشكيك، وليس من المنطقي أن يعكس الإنسان جهله الناشيء من قصور في رؤيته أو نضب في مادة بحثه على القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وما أكثر الحقائق التي جاء بها القرآن الكريم ولم تكتشف في قرون مضت ثم جاء التطور العلمي ليكشف هذه الحقائق التي سبق إليها القرآن الكريم.
ولا بد للباحث أن يتقيد بمنهج معين في التعامل مع آيات القرآن الكريم فيما يتصل بأمثال هذه الأمور. فالقرآن الكريم ليس كتاب تاريخ أو جغرافيا، وليس كتاباً لبيان حقائق الفيزياء أو الكيمياء أو ما شاكل، وإنما هو كتاب هداية ودستور عمل وسِفر عقيدة وإيمان، وإذا تطرقت بعض آياته إلى قصص تاريخية فليس الغرض منها سرد التاريخ، وإنما الغرض بيان الدروس والعبر التي تصب في الأهداف المتوخاة للقرآن الكريم ككتاب هداية وإيمان. ومن هنا نجد أن آيات القرآن الكريم لا تتوقف كثيراً عند التفاصيل التأريخية إلا في حدود معينة يقتضيها هدف النص القرآني.
ومن هنا فان الآيات الكريمة التي تحدثت عن ذي القرنين والأحداث التي جرت له لم تدخل في تفاصيل شخصية ذي القرنين ولا الخصوصيات الزمكانية لهذه الأحداث لأن الهدف ليس إلا استخلاص الدروس والعبر التي تتصل بالعقيدة والسلوك الإِيماني.
ومن الأمور المهمة كمنهج في التعامل مع الآيات القرآنية التي تتحدث عن أحداث تاريخية -:
1. عدم التعويل على الأحاديث المروية في تفسير هذه الآيات مما لا ينسجم وحدود هذه الآيات ومعطياتها أو لا ينسجم مع الواقع القطعي لأن كثيراً من هذه الأحاديث ضعيف أو موضوع أو مدسوس من الإسرائيليات.
2. لا يصح محاكمة ما يعرضه القرآن الكريم إلى التاريخ وقد أشار المرحوم سيد قطب في كتابه القيّم في ظلال القرآن إلى هذه الحقيقة قائلاً-:
«ومن البديهي أنه لا تجوز محاكمة القرآن الكريم إلى التأريخ لسببين واضحين: -
أولهما: - إن التاريخ مولود حديث العهد فاتته أحداث لا تحصى في تاريخ البشرية لم يعلم عنها شيئاً. والقرآن يروي بعض هذه الأحداث التي ليس لدى التاريخ علم عنها.
وثانيهما: إن التاريخ - وإن وعى بعض هذه الأحداث - هو عمل من أعمال البشر القاصرة يصيبه ما يصيب جميع أعمال البشر من القصور والخطأ والتحريف. ونحن نشهد في زماننا هذا - الذي تيسرت فيه أسباب الاتصال ووسائل الفحص - أن الخبر الواحد أو الحادث الواحد يروى على أوجه شتى وينظر إليه من زوايا مختلفة ويفسر تفسيرات متناقضة ومن مثل هذا الركام يصنع التاريخ مهما قيل بعد ذلك في التمحيص والتدقيق.
فمجرد الكلام عن استفتاء التاريخ فيما جاء به القرآن الكريم من القصص كلام تنكره القواعد العلمية المقررة التي ارتضاها البشر قبل أن تنكره العقيدة التي تقرر أن القرآن هو القول الفصل».
وأقول يجب الالتفات إلى ما يلي -:
1. لا يعوّل على الأحاديث التي توسعت في ذكر خصوصيات هذه القصة لا سيما ما يخرج عن حدود ما جاء به القرآن الكريم وما لا يسنده الواقع القطعي وما لا ينسجم ومضمون الآيات الكريمة الواردة بهذا الشأن.
2. إن عدم وجود شواهد تاريخية فيما بين أيدينا من تاريخ لا يمكن أن يزعزع إيماننا بصحة ما ورد في القرآن الكريم، لأن مصداقية القرآن الكريم فوق كل الشبهات ولأن المنهج العلمي يرفض محاكمة آيات القرآن إلى التاريخ كما تقدم قبل قليل.
3. يجب التقيد بفهم معتدل لآيات القرآن الكريم وعدم تحميلها ما لا تحتمل، فعلى سبيل المثال ليس في قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً} [الكهف : 97] دلالة على التأبيد الدائم وإنما يمكن أن يكون وصفاً للحالة في وقت بناء السد وفي ذلك المقطع الزماني فلا ينافي تطور الأحداث فيما بعد وتغير المشهد التاريخي لذا لا يمكن طرح التساؤل عن أنه كيف لم يتم إكتشاف وجود هؤلاء إلى الآن برغم التطور العلمي، لسبب بسيط وهو أن الآية الكريمة تتحدث عن مقطع زمني لا ينفي تغير المشهد التاريخي بفعل تسلسل الأحداث. وليس من الصحيح تحميل الآيات أكثر من مداليلها. وقوله تعالى: {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً} [الكهف : 98] لا دلالة له على بقاء المشهد التاريخي الحاصل في ذلك الوقت، لأن المذكور في الآية الكريمة نقل لكلام ذي القرنين وهذا يعني تصور ذي القرنين نفسه. مضافاً إلى أن الحديث هو عن السد نفسه وليس عن الأقوام التي خلفه.
4. إن عدم اكتشاف السد على فرض عدم تشخيصه لا يثير أدنى شك في ما جاء به القرآن الكريم، فالآية لم تذكر زمان هذا الحدث فقد يكون حدثاً بعيداً جداً في أعماق التاريخ السحيقة ويكون السد موجوداً حقيقة لكن التغيرات الجيولوجية أخفته. ونحن نشهد في زماننا إكتشاف آثار لم تكن معروفة أصلاً قبل عقود من الزمن بفعل التنقيبات الأثرية، وتكتشف مدن تحت التراب، والتنقيبات الأثرية لم تبلغ مداها في جميع بقاع الأرض فمن الممكن أن يفاجأ الناس بفتح علمي أثري يكتشف هذا السد.
هذا، وللعلامة الطاهر بن عاشور في تفسيره بيان يرى فيه أن ذا القرنين كان ملكاً من ملوك الصين وذلك لما يلي -:
1. إن بلاد الصين اشتهر أهلها منذ القدم بأنهم أهل تدبير وصنايع.
2. إن معظم ملوكهم كانوا أهل عدل وتدبير.
3. إن من سماتهم تطويل شعر رؤوسهم وجعلها في ظفيرتين.
4. إن سداً وردماً عظيماً لا يعرف له مثيل في العالم موجود بين الصين وبلاد المغول وهو المشهور بالسور الأعظم.
5. ما روته أم حبيبة عن زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج ليلة فقال ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من الردم ماجوج وياجوج هكذا وأشار بعقد تسعين من السبابة والابهام.
ومن المعلوم أن زوال عظمة سلطان العرب كان على يد المغول فيتعين أن ياجوج وماجوج هم المغول وأن الردم هو الفاصل بين الصين ومنغوليا وكان موجوداً في حدود سنة 247 ق.م.
وهكذا يصل الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى إلى أن الردم المذكور في الآية الكريمة هو سور الصين العظيم الذي بناه أحد ملوك الصين.
لكن المذكور عن سور الصين أنه مبني من الطين والحجارة، بينما القرآن الكريم يتحدث عن سور مبني من الحديد الذي أذيب عليه النحاس حيث أن إختلاط النحاس المذاب بالحديد يزيد من صلابته، وقيل إن هذه الطريقة استخدمت حديثاً في تقوية الحديد حيث وجد أن إضافة نسبة من النحاس إليه تضاعف مقاومته وصلابته فكان هذا الذي هدى الله تعالى إليه ذا القرنين وذكره في القرآن الكريم سبقاً للعلم البشري الحديث بقرون.
إذن ليس المقصود بالردم سور الصين، وربما يكون السد أمام هجمات المغول لكن ليس سور الصين وإنما سد آخر لم يتم إكتشافه لحد الآن أو أن سور الصين ليس كله من طين وحجارة وإنما كان جزء منه قديماً قد استعمل في بنائه الحديد والقطر.
وكيفما كان فإننا نتقيد بالحدود المذكورة في الآيات الكريمات، وقد ذكرته الآيات الكريمات لأخذ العبر والدروس الإيمانية، ولا يهمنا أين كان هذا السد مكاناً وفي أي زمان، وإنما المهم وقوع هذه القضية كحدث تاريخي أخبر عن وقوعه القرآن الكريم، ومن أصدق من الله حديثاً.
البريد الالكتروني
[email protected]جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد