الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور
 

الأسئلة والاستفتاءات

جواب سؤال عن تفسير آية (284) من سورة البقرة

السؤال:
بداية أتقدم لسماحتكم بازكى التبريكات واطيب التمنيات بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك اعاده الله تعالى عليكم بالصحة وموفور العافية وأدامكم ذخرا للاسلام والمسلمين. لدي استفسار حول ما هي رؤية وتفسير سماحتكم لمعنى الآية الكريمة التالية من سورة البقرة.
{ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البَقَرَة: 284] .
جزاكم الله كل خير والسلام عليكم.


الجواب:
جائت هذه الآية المباركة عقب الآية التي حرم فيها كتمان الشهادة فقال عز من قائل: { وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [البقرة: 283] وبحكم هذا السياق يتشكل للآية ظهور في أنها مرتبطة بما قبلها فيكون معنى قوله تعالى: { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ } [البقرة: 284] هو أن إقامة الشهادة أو كتمانها سيخضع للمحاسبة، فاذا أقيمت لزم أن تقام بحدودها وكما هي فان الله تعالى سيحاسب عبده ويسائله عن إقامة الشهادة وهل أقامها بحدودها أم لا، وإن كتمها ولم يبدها فسوف يحاسب على كتمان الشهادة فان كتمان الشهادة أمر محرّم. وبعد أن أثبتت الآية الكريمة هذه المحاسبة والمسائلة تعرّضت إلى موضوع العقوبة على الإثم وذكرت أن العقوبة بيد الله تعالى فيغفر لمن يشاء من العاصين ويعذب من يشاء منهم. ولا يعني ذلك أن الغفران والعذاب لا يخضعان لمعيار وأنهما مرتبطان بمحض المشيئة، لوضوح أن الله تعالى عادل وحكيم فلا يصدر منه ما ينافي عدله وحكمته، فلا بد أن يكون الغفران بمعيار وأن يكون العقاب بمعيار، إلّا أنّ الآية الكريمة ذكرت ذلك ليبقى الإنسان بين الخوف والرجاء فلا يتكل على احتمال غفران ذنبه فيتمادى ولا يبادر إلى التوبة وتدارك التقصير والخوف من الذنب والحذر من العقاب، كما لا ييأس من المغفرة ويغلق باب رجاء عفو الله تعالى وشمول رحمته الواسعة له، فينبغي أن يبقى متعلقاً برجاء المغفرة هذا الرجاء الذي يدفعه إلى العمل لكسب رضا الله تعالى لاستدرار لطفه وفضله. وفي كلتا الحالتين يتحقق ما هو معيار في المغفرة وفي العذاب، فعدم التوبة والتمادي في الإثم يستوجب العقوبة، وعلى عكس ذلك فانّ الخوف من الذنب ورجاء العفو والعمل لكسب رضا الله تعالى يستوجب الغفران.
وتبقى الآية الكريمة عامة لا تختص بمورد الشهادة إقامة أو كتمانا فالمورد لا يخصص الوارد بحال حينما يكون الوارد وارداً على نحو العموم كما في الآية الكريمة، فتشمل كل عمل محرم من أعمال الجوانح، فلا يعارضها ما دلّ على أن نية الذنب أو هواجس النفس وما يحدث الإنسان به نفسه لا يكون محلاً للمؤاخذة، إذ هناك من أعمال الجوانح ما هو محرم كالحقد والضغينة والعقيدة الفاسدة، وربما العزم على المحرمات، فما يخفيه الإنسان من أعمال الجوانح يعلمه الله تعالى ويحاسبه عليه بخلاف ما لا يكون من أعمال الجوانح محلاً للمؤاخذة كمجرد النية السيئة، أو حديث النفس. وورد أنّ الصحابة (رضي الله عنهم) لما اشتد عليهم ما ورد في الآية الكريمة من المحاسبة على كل ما تخفي النفس نزل بعد ذلك ما ألغى المحاسبة على مثل حديث النفس وما يختلج فيها من قضايا سلبية وحصر المؤاخذة بما يكسب الإنسان من عمل سيء سواء أكان من أعمال الجوارح أو من أعمال الجوانح. وربما أنّ ذلك لا يحمل على النسخ وإنما يحمل على التوضيح والتبيين بمعنى رفع توهم شمول آية { إِنْ تُبْدُوا .... } لمثل حديث النفس وما شاكله ومجرد التفكير في المعصية فجاء قوله تعالى: { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } [البقرة: 286] للتوضيح والتبيين وليس للنسخ، وذلك لأنّ التكليف بغير المقدور محال وقبيح عقلاً فلم تكن آية { إِنْ تُبْدُوا .... } شاملة لما لا يقدر عليه الإنسان من السيطرة على ما يختلج في نفسه من أفكار.

الفهرست || الأسئلة القرآنية

 

السابق

Twitter Facebook قناة الشيخ حسين المؤيد في اليوتيوب google + البريد الالكتروني
[email protected]

جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد

www.almoaiyad.com