استعرض سماحة العلامة الشيخ حسين المؤيد فقرات مشروع الميثاق
الوطني العراقي الذي أعلنه من مقر نقابة الصحفيين المصريين في القاهرة يوم
13/12/2006 بشرح دقيق ومفصل مبينا الدوافع التي استند عليها في إصدار هذا المشروع
الذي استجلى من خلاله رؤى جميع القوى الوطنية المعارضة للعملية السياسية بالإضافة
إلى التأييد الذي حصل عليه من جانب الحشد الشعبي والرسمي العربي الذي وجد في
المشروع مرحلة جديدة من الخلاص الذي لا بد للشعب العراقي من اللجوء إليه باعتباره
يمثل المظلة الوطنية الجامعة التي تهدف إلى إرساء دعائم عراق مستقل متحرر يضطلع
بدوره المميز في المحيطين العربي والدولي .
جاء ذلك في المؤتمر الصحفي الموسع الذي انعقد للإعلان عن مشروع الميثاق الوطني .حيث حضر
المؤتمر جمع غفير من الصحفيين والإعلاميين العرب والأجانب بالإضافة إلى شبكات التلفزة العربية والعالمية التي سجل وبث قسم منها هذا المؤتمر المهم حيث قامت قناة
الجزيرة مباشر بتسجيل تفاصيل المؤتمر وبثه من على شاشتها ليومين متعاقبين.
هذا وقد حدد الإمام المؤيد في رده على أسئلة الصحفيين والإعلاميين بنظرة موضوعية
وتحليل منطقي عوامل الأزمة التي تمثلت باحتلال العراق الذي نتج عنه مصادرة السيادة
العراقية وتفكيك بنية الدولة على أساس وضع سياسي بعيد عن إرادة الشعب الذي يعيش
اليوم بفعل ذلك جوا من الانتهاكات الصارخة على يد المحتل .كما بين سماحته ضرر
البناء الخاطئ للعملية السياسية التي غيبت المشروع الوطني وأوجدت اصطفافات طائفية
واثنيه وحصرت السلطة بيد مجموعة تماشت أو تماهت مع مشروع الاحتلال باستغلال الظرف
الذي يعيشه المجتمع العراقي .وفي فضحه للتدخل الإقليمي والدولي المتقاطع مع المصلحة
الوطنية حمل سماحته القوى الممسكة بالسلطة المسؤولية بأنها جعلت من العراق ساحة
لتلك التدخلات بالضد من مصلحته العربية والإسلامية والدولية والإقليمية مبينا بأن
تلك القوى وجدت في تمزيق النسيج الاجتماعي وتفتيته مصلحتها التي صار بفعلها العراق
ميدانا للتجاذبات والأطماع الخارجية .فيما استغلت تلك القوى الظروف الاستثنائية
التي أوجدها الاحتلال بتسويق نفسها جماهيريا معتمدة على الوضع غير المستقر وفقدان
فرصة الاختيار والتقييم لدى العراقي الذي أصبح قبالة حالة من الشحن ألاثني والطائفي
بما لا يمكنه حسب توقعات ومخططات تلك القوى من اتخاذ الموقف إزاء الاحتلال
وإفرازاته .وفي كشفه لا صالة العراقي وثراء مخزونه الوطني ووعيه الفطري قال سماحته
بأن العراقي قد اكتشف عدوانية تلك الدوافع والأهداف رغم المبررات والذرائع التي
بينت العجز والقصور السياسي لقوى السلطة .
كما استعرض سماحته ثقل المهمة التي ألقيت على عاتق القوى الوطنية التي حدّد مهمتها
بضرورة توحيد الصفوف والتمسك بالمشروع الوطني بوصفه البديل لحالة التردي والمنطلق
لبناء الدولة العراقية السليمة بعد إزاحة الاحتلال البغيض مستعينا بواقع يشير إلى
ان القوى الوطنية تقف على قاعدة صلبة من المشتركات تؤدي بها الى تكوين جبهة سياسية
متماسكة على خلاف قوى السلطة المعبر عنها بالتكتلات والتجمعات غير المتجانسة
والمرتبطة بالنفعية الفرطة والمصالح الشخصية على حساب الشعب العراقي وآماله
وتطلعاته .
وفي نقد سماحته لفقدان التوازن السياسي للقوى الوطنية بعد سنوات الاحتلال شدّد على
ضرورة التوحد والانسجام وصولا الى ترجيح الكفة الوطنية رغم العناصر الذاتية
والموضوعية التي فرضت التشتت وعدم التوازن .ملفتا الانظار بأن خلل العملية السياسية
ونضال المقاومة الشريفة وسقوط الأقنعة الزائفة قد أدى الى تعثر المشروع الأمريكي
أمام جهود وجهاد القوى والشخصيات الوطنية في مواجهة الاحتلال واذنابه مذكّرا
بالحاجة الى تبني المشروع الوطني لتلبية استحقاقات المرحلة .
وفي تحديده للرؤية السياسية في معالجة الازمة ربط سماحته النتائج بالأسباب موضحا
بأن إنقاذ العراق يجب ان يمر عبر عملية سياسية واضحة المعالم وبالإمكان تلمس تلك
المعالم في خارطة المشروع الوطني العراقي والتي حددها سماحته بثماني عشرة نقطة
ارتكزت على رفض الوجود العسكري للقوات المحتلة والمطالبة بإنهاء الاحتلال وتحرير
الإرادة والقرار السياسي بالوسائل المشروعة والمجدية ورفض التدخلات الإقليمية
والاعتراف بمشروعية المقاومة والتفريق بينها وبين الأعمال الإجرامية التي تستهدف
الابرياء وتضرب امن المجتمع مشددا على وحدة العراق ورفض مشاريع التقسيم وأساليب
تمزيق النسيج الاجتماعي عبر عناوين الفدرالية سواء أكانت عرقية ام جغرافية مع تأمين
الخصوصية الكردية عبر الحكم الذاتي وضمان خصوصية الأقليات الأخرى تحت خيمة العراق
الواحد بهويته الوطنية وانتمائه العربي والإسلامي الذي يضمن المحافظة على الهوية
الحضارية الإسلامية للعراقيين جميعا مع التأكيد على حقوق الأقليات الدينية والعرقية
الاخرى بالاعتماد على مبدأ المواطنة واتخاذ الكفاءة والنزاهة في تولي المناصب التي
ترفض الطائفية السياسية .وفي رد سماحته على ضرورة التلاحم والانسجام بيّن سماحته
بأن ذلك كفيل بالمحافظة على النموذج التاريخي للعراقيين وتعميق أواصر اخوّتهم في ظل
دستور جديد إطاره الوفاق الوطني ليكون المرشد لسياسة الدولة العراقية الحديثة كما
بين الضرورة الوطنية في بناء قوة عسكرية للعراق تكون بعيدة عن التجاذبات السياسية
مع تأكيده على حل المليشيات كافة ورفض دمجها في قوى الجيش والشرطة لتجنيب القوة
العسكرية الجديدة للعراق حالات التشرذم والانقسام المتقاطع مع دولة المؤسسات
والقانون التي هي منظار العراق الجديد الضامن للتداول السلمي للسلطة وللمشاركة
الجماهيرية الواسعة والتأثير الشعبي لصناعة القرار بما يفضي لإنهاء مشاكل العراقيين
ومعاناتهم ويضمن المحافظة على ثرواتهم عبر تحقيق البرامج الناجحة في التنمية
والاعمار وضمانات العدالة الاجتماعية وإعطاء الدور لمؤسسات المجتمع المدني لا سيما
طبقات المثقفين والعشائر لكي يلعب الجميع دوره في صيانة الهوية العراقية .وفي
تسجيله لجملة ما يتصل بهذا البرنامج الكبير اوضح سماحته ضرورة التأكيد على جدول
زمني مرتبط بضمانات دولية لانسحاب قوا ت الاحتلال وعدم ربط الانسحاب بجهوزية قوى
الجيش والامن موجبا ان يملأ الفراغ بقوات من الامم المتحدة .وفي تعقيب سماحته
لموضوع ما يسمى بالفدرالية اكد بأن البديل للديكتاتورية انما هي دولة المؤسسات
والقانون وليست الفدرالية مع تأشير سماحته بأن ذلك لا يتعارض مع توسيع الصلاحيات
الادارية للمحافظات التي هي البديل الأفضل لمصلحة الشعب العراقي من التقسيمية
الفدرالية .مشيرا كذلك بأن الخصوصية المثلى للاكراد هي صيغة الحكم الذاتي التي من
الممكن ان تكون خاضعة الى دينامية الحوار والاتفاق . وحول اهمية الهوية الإسلامية
للعراق شدد سماحته بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع ولا قانونية لما
ينافي ذلك لأن المنافاة هنا تتعارض مع الإسلام الذي يجب ان يكون هو الدين الرسمي
للدولة .كما أجاب سماحته بأن القوانين التي صدرت في ظل الاحتلال وتلك المتنافية مع
المشروع الوطني لاغية .وفي تعرضه لممارسات العنف دان سماحته تلك الممارسات التي
تضرب اواصر المودة والانسجام كما دان عمليات التطهير العرقي والطائفي وتصفية
الكفاءات العراقية وتهجيرها .وفي ختام المؤتمر دعا سماحة الامام المؤيد العراقيين
جميعا الى التعاقد والدخول في الميثاق الوطني المفتوح لكل العراقيين وسد الأبواب
بوجه الانتهازية السياسية مشددا على اهمية الدعم العربي والإقليمي وضرورة احتضان
المشروع الوطني أملا في إنقاذ العراقيين من أزمتهم وتمكينهم من بناء عملية سياسية
وطنية وتفادي توسع أخطار وتداعيات الأزمة التي صنعها الاحتلال وأذنابه من ان تمتد
الى المحيطين الدولي والإقليمي موجها الدعوة في ذات الوقت الى المنظمات الدولية
والاسلامية والعربية ومنابر الرأي الحر والمؤسسات التي تنشد العدالة والاستقرار
وعلى رأسها منظمات الأمم المتحدة والمؤتمر الإسلامي والجامعة العربية ان تدعم نضال
شعب العراق وجهاده وان تكون سببا في تجاوزه لهذه المحنة التي يمر بها والتي هي بلا
شك النتيجة التي جاءت بسبب الاحتلال الغاشم .
السابق