الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور
 

المقالات

نقد ما أثاره منظرو التشيع المذهبي حول فدك

 
دأب مُنظٍّرو التشيع المذهبي على إثارة قضية فدك للطعن على أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه و أرضاه ، و لم يكتفوا بذلك بل عملوا على توظيف هذه القضية للطعن في شرعية خلافته رضي الله عنه ، و غالى بعضهم فاعتبر أن هذه القضية ليست مجرد حادثة تأريخية و إنما هي قضية تمس صميم العقيدة ، و قد اعتبر بعضهم أن المطالبة بفدك هي في جوهرها مطالبة برد الخلافة الى عليّ كرم الله وجهه و أن فدك هي رمز للخلافة . و هكذا نلحظ و يلحظ كل متناول لهذا الموضوع حجم التهويل في قضية فدك على طريقة منظري التشيع المذهبي في طعنهم بالصحابة رضي الله عنهم و طعونهم في مدرسة أهل السنة و الجماعة ، هذا التهويل الذي لا يستند الى معطيات علمية يركن إليها و لا الى منطق موضوعي و منهج سليم في الدراسة و النقد . و أول ما يقف عليه الباحث الموضوعي في قضية فدك هو التخبط في تحديد مركز القضية ، فتارة يزعم منظرو التشيع المذهبي أن فدك كانت نحلة من رسول الله صلى الله عليه و سلم لابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها و أرضاها ، بل زعم بعضهم أن فاطمة الزهراء كانت صاحبة يد على فدك و أن فدك كانت تحت تصرفها في حياة أبيها بعد أن نحلها إياها . و تارة يزعم منظرو التشيع المذهبي أن فدك هي ميراث الزهراء من أبيها و أنها طالبت أبا بكر بإرثها من رسول الله صلى الله عليه و سلم كونها بنته الوحيدة التي توفي عنها . و لا يحتاج الباحث الى مزيد تأمل ليعرف حقيقة التخبط الذي وقع فيه منظرو التشيع المذهبي ، فبين دعوى كون فدك نحلة و دعوى كونها ميراثا بون جوهري ، و لا تلتقي الدعويان على مركز واحد ، مضافا الى أن كل دعوى تحتاج الى أدلة و إثباتات تتناسب و طبيعة تلك الدعوى ، و تحتاج علاوة على ذلك الى الجواب عن استفهامات لها تأثيرها على صحة الدعوى و تعتبر من عناصر النفي . و نحن في هذه المقالة لن ندخل في مناقشة أدلة الإثبات فهذا ما يحتاج الى تفصيل يخرج عن نطاق المقالة مضافا الى أننا نعتقد بعدم وجود دليل متقن على إثبات أيّ من الدعويين اللتين يدعيهما منظرو التشيع المذهبي سواء دعوى كون فدك نحلة أعطاها النبيّ عليه الصلاة و السلام في حياته لابنته الزهراء رضي الله عنها و أرضاها ، أو دعوى كونها إرثا تركه النبيّ لها بعد وفاته . لكننا في هذه المقالة سنركّز الحديث على عناصر النفي التي تلعب فيما نرى دورا أساسيا في تفنيد مزاعم منظري التشيع المذهبي حول هذه القضية من خلال مجموعة استفهامات ملحة في مقاربة هذا الملف نوجهها الى مُنظِّري التشيع المذهبي . و هذه الإستفهامات على قسمين ، يتعلق القسم الأول بدعوى كون فدك نحلة ، و يتعلق القسم الثاني بدعوى كون فدك ميراثا . أما القسم الأول ، فهناك مجموعة استفهامات هي :- ١- إذا كان النبيّ عليه الصلاة و السلام قد أعطى فدكا نحلة منه الى فاطمة رضي الله عنها فلماذا لم يعرف ذلك عنه أهل المدينة و الصحابة لا سيما القريبين منه و لم يطلع على ذلك من نسائه أحد ، فهل نحلها لها بالسر و تعمد كتمان ذلك ؟ و لماذا يكتم النبيّ عليه الصلاة و السلام هذا العطاء الذي يعطيه لابنته من الفيء ؟ و هل من المنطقي أن يُقدِم رسول الله صلى الله عليه و سلم على اقتطاع أرض مثل فدك مما أفاء الله على رسوله دون أن يُشهِد على ذلك و من غير معرفة أحد من نسائه و أصهاره و صحابته و دون أن يعلم أهل المدينة بذلك لا سيما في ذلك الوقت الذي يحتاج فيه المسلمون الى الموارد المالية لسد حاجاتهم و لسد حاجة الكيان الإسلامي في حروبه ، علاوة على أن القرآن الكريم قد صرح بأن لليتامى و المساكين و أبناء السبيل حقاً في الفيء ، فليس من المنطقي أن يقوم النبيّ عليه الصلاة و السلام بهذه الهبة حتى لو كانت من نصيبه هو في الفيء دون أن يُشهِد عليها و يُطلع عليها صحابته و أقرباءه و نساءه . و من المعلوم أن أهل المدينة و الصحابة لم يكن لهم علم بهذه الهبة باعتراف منظري التشيع المذهبي حيث صرحوا بأنه لم يشهد للزهراء عند أبي بكر على أن فدك نحلة غير عليّ و أم أيمن و أن أبا بكر لم تكتمل عنده البيّنة ، و نقول لهم : هبوا أن عموم الصحابة قد كتموا الشهادة ، فما الوجه في عدم شهادة مثل سلمان و أبي ذر و عمار و المقداد ؟ أليست عدم شهادتهم دليلا على عدم علمهم بهذا العطاء و هم من أقرب الناس الى عليّ كرم الله وجهه بل يعتبرهم منظرو التشيع المذهبي من خواصه . و يتأكد هذا الإستفهام أكثر حين يزعم بعض منظري التشيع المذهبي أن الزهراء رضي الله تعالى عنها كانت ذات يد على فدك في حياة أبيها عليه الصلاة و السلام ، و أن فدك في يدها و تحت تصرفها ، و لهذا قالوا كيف تطلب البيّنة من صاحب اليد . و نقول لو كانت الزهراء رضي الله عنها صاحبة يد على فدك في حياة أبيها و كانت فدك تحت تصرفها فكيف يخفى ذلك على أهل المدينة و وجوه الصحابة و نساء النبيّ ؟ أيعقل أن تكون فدك تحت تصرف الزهراء و لا يدري بذلك حتى الجمع القليل من خواص الصحابة و القرابة ؟ . ٢- لو كانت فدك نحلة للزهراء من أبيها عليه الصلاة و السلام و كان ذلك معروفا للناس في المدينة لا سيما على القول بأنها كانت صاحبة يد على فدك ، فهل من المعقول أن يتجاهل أبو بكر رضي الله عنه ذلك و هو يعلم أنه لا سبيل الى إنكار ما هو معروف لدى الناس في المدينة ؟ فهذا ما لا يحتمل أن يُقدِم عليه إنسان عادي فضلا عن مثل أبي بكر في حكمته و اتزانه ، و كيف يعرّض أبو بكر نفسه لمأزق شرعي أمام الناس في قضية موازينها و أحكامها الفقهية معروفة للصحابة و كيف لم يشتد الإنكار عليه من الصحابة حتى مثل سلمان و عمار و أبي ذر و لم ينهض أحد ليدافع عن الزهراء و يشهد على أن فدكا كانت نحلة للزهراء و تحت تصرفها ، و أين العمال الذين كانوا يعملون للزهراء في أرض فدك و لماذا لم تأتِ هي بهم لإثبات أن فدك تحت تصرفها ؟ . ٣- إذا كانت فدك نحلة للزهراء رضي الله عنها و أرضاها فلماذا كانت تعيش مع زوجها و أولادها عيشة الفقر ؟ فهب أنها كانت تتصدق بما كان يأتيها منها لكن ألا تأخذ حد الكفاف و تتصدق بالباقي و هي العالمة بالفقه و بالكتاب و السنة و تقرأ قوله تعالى : و لا تجعل يدك مغلولة الى عنقك و لا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا . ٤- هل من المنطقي أن يُقدٍم رسول الله صلى الله عليه و سلم على تمليك فدك لابنته و هو الذي امتنع عن إعطائها خادمة من السبي و أبدلها بالتسبيح المعروف ، و هو الذي رجع عن دخول بيتها حين وجد على بابه قطعة قماش رآها تخرج عن السياق الذي يريد أن يلتزم به أهل بيته من الزهد و التقشف فدخل بيت ابنته بعد أن رفعت تلك القطعة من القماش عن باب بيتها ، و هو الذي لم يرضَ لها أن تستفيد من عقد من بيت المال استفادة مؤقتة ، و قد عرف عنه حرصه على أن يحافظ على نمط من الزهد في العيش له و لنسائه و أهله . و هل من المنطقي أن يخيٌر النبيّ زوجاته بين الطلاق إن أردن الدنيا و زينتها و بين البقاء على ذمته بشرط الزهد في الدنيا و طلب الآخرة ثم يعطي لابنته ما يحرم زوجاته مما هو أدنى منه بكثير ؟ . و هل من المنطقي أن يعطي النبيّ مثل فدك هدية لابنته ثم يطلب من الصحابة التبرع و الإنفاق للحرب و لسد حاجة الكيان الإسلامي و شؤون المسلمين ، أفعل يضع النبيّ نفسه في مثل هذا الموضع و هو يعلم أن في المدينة منافقين يتربصون به و بصحابته و دولته و يشيعون الأراجيف في المدينة و من السهل عليهم أن يعترضوا على الإنفاق في سبيل الله بحجة أن الأجدر برسول الله أن ينفق من الفيء لشؤون المسلمين بدلا من تمليك شيء منه بحجم فدك لابنته . إن هذه الإستفهامات تعتبر عناصر موضوعية في نفي ما يزعمه منظرو التشيع المذهبي من كون فدك نحلة من رسول الله صلى الله عليه و سلم لابنته الزهراء رضي الله تعالى عنها و أرضاها . و أما القسم الثاني ، فهناك أيضا مجموعة من الإستفهامات بشأنه : - ١- كيف تكون فدك إرثا و الأنفال و الفيء ليست ملكا لشخص النبيّ و إنما هي ملك المنصب أي ما يسمى في المصطلح الحديث بأملاك الدولة ، و ملك المنصب غير قابل للتوريث لورثة النبيّ عليه الصلاة و السلام . و لو قيل إن للرسول نصيبا في الفيء نص عليه القرآن و سلمنا جدلا أن المقصود بذلك النصيب هو التملك الشخصي فلغير النبي نصيب في الفيء و هو مشاع فكيف أختص نصيبه الذي يورِّثه من كل الفيء المشاع بفدك ؟ و من الذي قسٌم و فرز حتى تطالب الزهراء رضي الله عنها و أرضاها بفدك على نحو التعيين ؟ . ٢- لماذا تلجأ الزهراء رضي الله عنها الى أبي بكر رضي الله عنه للمطالبة بالإرث ابتداء ؟ ذلك أن تقسيم الإرث يتم عادة فيما بين الورثة لا سيما و أن للنبيّ عليه الصلاة و السلام ورثة غير الزهراء و هم نساؤه ، و لا يلجأ الناس في تقسيم الإرث الى الدولة و الحاكم إلا إذا حصل بين الورثة نزاع ، و لم ينقل في المصادر التاريخية و الروائية حصول نزاع بين قرابة النبيّ بعد وفاته مباشرة في تقسيم الميراث ، فلماذا تبادر الزهراء رضي الله عنها الى أبي بكر للتوصل لإرثها ؟ و هي من وجهة النظر الشيعية لم تعترف بشرعية خلافته فكيف ترجع اليه بوصفه الخليفة للتوصل الى إرثها و ليس ثمة خصومة بين الورثة تضطرها للرجوع اليه ؟ . إن هذه الإستفهامات تعتبر أيضا من عناصر نفي دعوى الإرث . و كلا القسمين من الإستفهامات يجعل مزاعم منظري التشيع المذهبي على المحك ، و يجعلهم مطالبين بالجواب عنها لا بالدعوى الفارغة و إنما بالأدلة العلمية الجديرة بالإقناع . و ختاما أشير الى ما يردده منظرو التشيع المذهبي من شبهات من قبيل أن النبيّ صلى الله عليه و سلم إذا لم يورث تركته فكيف بقيت نساؤه في بيوتهن ما دام أنها صدقة ، و من قبيل أن النبيّ إذا لم يورِّث تركته فكيف سُلّم سلاحه الى عليّ كرم الله وجهه ؟ . و أقول إن بيوت النبيّ عليه الصلاة و السلام كانت من قبيل الأوقاف التابعة للمسجد فحكمها حكم مسجد النبيّ لا تعد من الأملاك الشخصية و كان للنبيّ و زوجاته فيها حق الإختصاص في حياتهم . و أما سلاح النبيٌ صلى الله عليه و سلم فهو ملكه الشخصي و هو يورَّث ، و ما قصده أبو بكر الصديق رضي الله عنه في استدلاله بحديث ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ) هو ما كان ملك المنصب فهو غير قابل للتوريث .

السابق

 

 

Twitter Facebook قناة الشيخ حسين المؤيد في اليوتيوب google + البريد الالكتروني
[email protected]

جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد

www.almoaiyad.com