الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور المقالات
الرد العلمي الدامغ على استلال منظري التشيع على الإمامة بقوله تعالى ( إني جاعلك للناس إماما)
يحاول العديد من مُنظِّري التشيع الإستدلال على ما يُسَمُّونه بالإمامة الإلهية بقوله تعالى : ( و إذ ابتلى إِبْرَاهِيمَ ربُّه بكلمات فأتمَّهن قال إني جاعلك للناس إماما قال و من ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) . و قد أخذ استدلالهم بهذه الآية الكريمة عدة مستويات ، منها الإستدلال على أن الإمامة منصب إلهي لا يحصل عليه الشخص إلا بتعيين من الله تعالى ، باعتبار أن الآية الكريمة صرحت بجعل إبراهيم عليه السلام إماما ، الأمر الذي يعني أن الإمامة جعل إلهي يمنحه الله تعالى لمن يشاء ، و كذلك باعتبار التعبير بكلمة ( عهدي ) الذي يدل على أن الإمامة هي عهد الله تعالى . و رتبوا على ذلك أن الإمامة لا تكون باختيار الأمة وطبيعتها لشخص ما ، و إنما باختيار الله تعالى شخصا ما و تعيينه إماما للناس . و من مستويات استدلالهم بالآية الكريمة ، الإستدلال على عدم اختصاص الإمامة بإبراهيم و جريانها في ذريته . و رتبوا على ذلك أن هذه الإمامة قد ثبتت لأشخاص معينين من أهل بيت النبيّ صلى الله عليه و سلم و ذريته ، و هم الأئمة الإثنا عشر ، حيث يدعون تعيينهم من قِبَل الله تعالى أئمة على الناس . و من مستويات استدلالهم بالآية الكريمة ، الإستدلال بها على عصمة الإمام ، و أن الإمامة الإلهية مختصة بالمعصومين ، باعتبار أن الآية الكريمة صرحت بعدم شمول الإمامة للظالمين . و قد حاول مُنظِّرو التشيع أن يُثبتوا أن عنوان الظالم يصدق على كل من صدر منه ذنب في أي مقطع من مقاطع حياته ، و بالتالي لا يسلم من هذا الوصف إلا المعصوم ، فيكون غيره ظالما لا يستحق عند الله تعالى منصب الإمامة و الذي هو منصب إلهي حسب استدلالهم الذي تقدم بيانه في المستوى الأول . و هم في كل هذه المستويات قد أقاموا استدلالاتهم على أساس أن الإمامة المذكورة في الآية الكريمة هي شيء غير النبوة ، فقد كان إبراهيم عليه السلام نبيا ، و بعد أن ابتلاه الله تعالى و أتَمَّ ما ابتلاه الله به ، أعطيت له الإمامة ، و جعله الله إماما للناس . و قد صرّح بعض مُنظِّري الشيعة بأن الإمامة الإلهية أعظم و أجلُّ شأنا من النبوة ، و على هذا رتبوا أن الأئمة الإثني عشر بحكم حيازتهم لهذا المنصب ، فقد حازوا على ما هو أجلّ من النبوة . و بعد هذا العرض يمكنني التأكيد على هشاشة طرحهم هذا و خوائه ، و سأركز في مناقشته على النقاط التالية : - أولا : - إن الإمامة التي يُثبِتُها الشيعة للأئمة الإثني عشر ، و التي يرون وجوب الإيمان بها ، و يجعلونها من أصول مذهبهم ، هي ليست سوى الإمامة الدينية التي تعني قيمومتهم على الدين معرفة و حفظا و تبليغا و كونهم المرجعية في فهم و تلقي مفاهيم الدين و تعاليمه و أحكامه ، و الإمامة السياسية التي تعني رعايتهم لشؤون الأمة و إدارتها بوصفهم السلطة السياسية و الحكام على الناس . و إذا عرضنا الإمامة بجانبيها الديني و السياسي على الآية الكريمة ، لوجدنا أنها غير الإمامة المذكورة في الآية ، ذلك أن الجانب الديني من الإمامة كان ثابتا لإبراهيم عليه السلام بوصفه نبيا لأن الإمامة الدينية بهذا المعنى هي من وظائف النبوة ، فبحكم كون إبراهيم عليه السلام نبيا ، فإن هذا الجانب كان له ، و عليه فلم يُقصَد بالإمامة التي أعطاها الله تعالى له هذا الجانب ، فما دام أن الإمامة في الآية الكريمة هي غير النبوة كما يعترف و يؤكد مُنظِّرو التشيع ، فنقول لهم إن الجانب الديني من الإمامة لم يكن مقصودا في الإمامة التي منحها الله تعالى لإبراهيم عليه السلام ، لأن هذا الجانب كان موجودا ، و يمارسه إبراهيم بوصفه نبيا . و أما الجانب السياسي ، فلم يمارسه إبراهيم عليه السلام بعد جعل الإمامة له ، فإما أن يكون إبراهيم بجعل الإمامة له مكلفا بالتصدي للحكم ، لكنه لم يقم بهذا الواجب ، و إما أنه قد جُعِل له هذا المنصب على الرغم من علم الله تعالى أن إبراهيم ليس في وضع إجتماعي مناسب لممارسة هذا الدور . و كلا الفرضين ساقطان ، أما الأول فلأنه يعني عصيان إبراهيم و تخلفه عن الواجب ، وهو غير وارد كما هو واضح ، و أما الثاني فلأن جعل هذا المنصب لإبراهيم في مثل هذا الفرض يكون لغوا و الله تعالى منزه عن اللغو و التشريع العبثي الذي لا وجه له . فإن قيل : إن جعل الإمامة السياسية لإبراهيم عليه السلام لم يقصَد بها إلا تكريمه ، فمع علم الله تعالى بعدم كون إبراهيم عليه السلام في وضع إجتماعي مناسب لممارسة الحكم ، إلا أنه تعالى أراد تكريمه بهذا المنصب ، الذي هو منصب شرفي لإبراهيم ، لكنه لن يكون شرفيا لبعض ذريته ، فسيأتي فيهم من يمارسه ، فالنبيّ صلى الله عليه و سلم و هو من ذرية إبراهيم عليه السلام مارس هذا المنصب ، و عليه تبقى الآية الكريمة على دلالتها على كون الإمامة منصبا إلهيا لا يثبت باختيار الناس . قلنا : إن النبوة أعظم رتبة و أجلّ شأنا من الإمامة بالمعنى السياسي ، فلا يحتمل أن يراد من الإمامة التي أرادها الله تعالى تكريما لإبراهيم عليه السلام بعد أن أتم ما ابتلاه الله به ، هذا المعنى الذي لن يكون لإبراهيم سوى منصب شرفي لا محل له في الممارسة على الأرض . و هكذا نصل إلى أن الإمامة بالمفهوم الشيعي المذهبي الذي يدعي الشيعة ثبوته للأئمة الإثني عشر ، و يرون وجوب الإيمان به لهم ، ليست هي المقصودة في الآية الكريمة ، و لا يمكن أن تكون هي المقصودة فيها ، و حينئذ يبطل الإستدلال بهذه الآية من أساسه . ثانيا : - إن اللفظ الوارد في الآية الكريمة ، هو الإمامة للناس و ليس الإمامة على الناس ، و هناك فرق بين المعنيين ، فالإمامة للناس لا تنطوي بالضرورة على معنى المنصب دينيا كان أو سياسيا ، بخلاف الإمامة على الناس التي تستبطن هذا المعنى ، و لذا لا شك في أنه ليس المراد من قوله تعالى في بيان دعاء عباد الرحمن ( و اجعلنا للمتقين إماما ) الإمامة بمعنى المنصب . و بناء على ذلك فإن التعبير الوارد في الآية الكريمة يجعلها في منأى عن المعنى و المرام الذي يبتغيه الشيعة و يحاولون التماس دليل عليه . ثالثا : - إن الآية الكريمة لا تدل على انحصار الإمامة بالجعل الإلهي ، و إنما تدل على أن هناك إمامة يجعلها الله تعالى لأشخاص يختارهم ، و هناك فرق جوهري بين الأمرين ، فذو القرنين لم تكن له الإمامة التي جعلها الله تعالى لإبراهيم عليه السلام ، و لكنه مارس إمامة في الناس كانت مشروعة كما يستفاد من القرآن الكريم . و بناء على ذلك فإن الإمامة التي تُمنَح بالجعل الخاص لا تتطابق بالضرورة مع الإمامة بالمعنى المذهبي الذي يدعيه الشيعة للأئمة الإثني عشر ، فكما أنها مجعولة من الله تعالى فمحتواها مُحدد من قِبَل الله تعالى ، فلا بد أن يُرجَع إلى نصٍ بدليل لمعرفة هذا المحتوى الذي قد يكون بعيدا كل البعد عن معاني الإمامة الدينية و السياسية . و من الواضح أن أيَّ معنى آخر غير معنى الإمامة الدينية و السياسية سوف لن يُسعِف الشيعة في الإستدلال بالآية الكريمة على مبتغاهم .
البريد الالكتروني
[email protected]جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد