الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور
 

المحاضرات

لكي يجتمع المسلمون على يوم واحد (*)

اعتماد الولادة الفلكية القطعية للهلال


أضحت قضية اختلاف المسلمين في ضبط مناسباتهم الدينية ولا سيما تحديد بداية شهر رمضان المبارك وبداية عيد الفطر ظاهرة تتكرر كل عام لتكون مظهرًا مؤلماً يضاف إلى سائر مظاهر التفرق والتشتت التي تعانيها الأمة الإسلامية، وما تحدثه من تخلخل على الصعيد العملي أحوج ما يكون المسلمون جميعاً إلى تجاوزه ليعيشوا مناسباتهم مجسدين وحدتهم وتماسكهم ولتحتفظ هذه المناسبات بما يليق بها من عظمة وتألق بدلاً من أن تتميع وتكون باهتة، وليرتفع القلق والحرج اللذان يسببهما الاختلاف في المواقيت عن المسلم الحريص على امتثال الأحكام الشرعية في مواقيتها الدقيقة التي وقتت لها والحريص على أداء الطاعات والقربات التي وقتت بأيام معينة أو ليال خاصة بشكل مضبوط زمانياً رجاء اغتنام الثواب الجسيم الذي اعد للعاملين.
وهذه المقالة خلاصة لدراسة تخصصية قمنا بها تهدف إلى تأصيل نظرية فقهية تجمع المسلمين جميعاً على وقت واحد في صيامهم وأعيادهم وما شاكل إيمانا منا بالحاجة إلى تفعيل الفكر الديني من خلال الاجتهاد والتجديد بما يحافظ على أصالة البحث الفقهي مع رؤية عصرية لتقديم الفقه الإسلامي بصورة ناصعة تجعله يواكب الحياة المعاصرة ويلبي حاجات الواقع الراهن.
وقد كتبنا هذه المقالة بالمستوى الذي يفهمه المثقف الاعتيادي دون أن ندخل في النمطية المتبعة في الاستدلال الفقهي التخصصي من ناحية المنهج ولغة البحث وطريقة الاستدلال، فان الدراسة التي قمنا بها قد تكفلت بذلك كله. وهدفنا من هذه المقالة تنوير الأفكار العامة، وتسليط الضوء على النظرية التي نتبناها بشأن الهلال، وتحريك البحث الفقهي ليتجه هذا الاتجاه ومن الله نستمد السداد وهو ولي التوفيق.
ظاهرة الهلال
لا يخفى أن القمر جسم كروي تابع للأرض، يتحرك من الغرب إلى الشرق حول نفسه وحول الأرض في وقت واحد دورة كاملة تستغرق زمانًا معينًا قدره علماء الفلك بسبعة وعشرين يوماً وسبع ساعات وثلاث وأربعين دقيقة وسبع ثوان. وبما أن الأرض أثناء دورة القمر حولها والتي تسمى بالدورة النجمية للقمر تكون قد غيرت موقعها من الشمس حسب حركتها الانتقالية فلذا لا تكفي مدة الدورة النجمية لكي يعود القمر إلى الموقع نفسه الذي كان فيه عند بداية الدورة على الخط نفسه بين الأرض والشمس، وإنما يحتاج إلى مدة أضافية لكي يعود فيتوسط الأرض والشمس، بمعنى انطباق مركزه على الخط الواصل بين مركز الأرض ومركز الشمس.
وقد قدر علماء الفلك المدة التي يستغرقها القمر في حركته حول الأرض بدءً من خروجه من موقعه بين الأرض والشمس في بداية دورته إلى أن يعود إلى الموقع نفسه عند انتهاء هذه الدورة بتسعة وعشرين يوماً واثنتي عشرة ساعة وأربع وأربعين دقيقة وثلاث ثوان هي مجموع المدة التي تستغرقها هذه الدورة التي يصطلح عليها الدورة الاقترانية، كما يصطلح على حركة القمر حول الأرض في هذه الدورة اسم الحركة الاقترانية بلحاظ أنها تبدأ من حين اقتران القمر بالأرض والشمس أي وقوع القمر بين الأرض والشمس على الخط نفسه كما تقدم وتنتهي بهذا الاقتران، ويطلق على هذه المدة اصطلاح (الشهر القمري الحسابي) ويراد به الزمان الواقع بين التقارن الحاصل في بداية الدورة الاقترانية والتقارن الحاصل في نهايتها، وهو زمان ثابت لا يختلف على مر العصور. وعلى مدى الدورة الاقترانية للقمر لا يحصل أي تغيير في حالات القمر نفسه مع قطع النظر عن مناظره بالنسبة لسكان الأرض، فهو يدور في السماء حول الأرض كما هو دون أي تغيير. وأما مناظره المتنوعة لسكان الأرض والتي تسمى بأوجه القمر فهي تعبر عن مقدار ما يظهر من الوجه المضيء للقمر لسكان الأرض، ذلك أن القمر كالأرض يواجه نصفه الشمس فيكون مضيئاً ويكون الوقت في المناطق الواقعة فيه نهاراً، بينما يكون النصف الآخر بحكم عدم مواجهته للشمس مظلماً ويكون الوقت في المناطق الواقعة فيه ليلاً، وكلما يدور القمر تنعكس الحالة فتصبح المناطق النهارية ليلية والمناطق الليلية نهارية، فالقمر جسم مظلم إلا أن أشعة الشمس تضيء نصفه المقابل لها. بيد أن المقدار المضيء الذي يظهر لسكان الأرض يختلف باختلاف موقع القمر من الأرض، فحينما يكون القمر بين الأرض والشمس على الخط نفسه لا يظهر لأهل الأرض شيء من نصفه المضيء، لان حجم الأرض الصغير لايتيح لسكان الأرض في أية نقطة كانوا أن يواجهوا شيئاً من وجه القمر المضيء، وهذا ما يسمى بالمحاق. وحينما يخرج القمر عن موضع المحاق يظهر لسكان الأرض جزء يسير من وجهه المضيء على شكل خط رفيع من النور يسمى (الهلال) ثم يأخذ الجزء المنير بالازدياد كلما ابتعد القمر عن موضع المحاق، حتى إذا مضت سبعة أيام صار على شكل نصف دائرة ويسمى التربيع الأول ثم يأخذ بالازدياد عن نصف الدائرة ويسمى حينئذٍ بالأحدب، وفي اليوم الخامس عشر تتوسط الأرض بين الشمس والقمر فيظهر القمر لسكان الأرض على شكل دائرة كاملة ويدعى حينئذ (البدر) ثم تتكرر الأوجه السالفة لكن على عكس ما سبق إذ يأخذ المقدار المضيء بالتناقص حتى يصبح خطاً كما كان في أول ظهوره لكن لا يسمى حينئذ هلالا، لان اسم الهلال خاص بالخط المضيء الذي يظهر عند خروج القمر من المحاق، ثم يدخل القمر في موقعه الأول بين الأرض والشمس وهو موضع المحاق. وهكذا يتضح ان الحالات المزبورة للقمر لا تعبر عن تغير في القمر نفسه أثناء دورته حول الأرض وإنما تعبر عن الحالات التي يظهر فيها جزؤه المضيء لسكان الأرض أثناء هذه الدورة. والمدة التي يستغرقها القمر منذ خروجه من المحاق بحيث يكون ممكن الرؤية لسكان الأرض أي منذ ظهور خطه الرفيع من وجهه المضيء والمسمى بالهلال إلى أن يظهر من جديد تسمى الشهر القمري الهلالي الفلكي والذي يبدأ بأول زمان إمكان رؤية الهلال. ولا يكون هذا الشهر إلا تسعة وعشرين يوماً أو ثلاثين يوماً. ولا يعود هذا الترواح إلى طول الدورة الاقترانية وقصرها لان الدورة الاقترانية للقمر لها زمان ثابت معين ليس فيه تفاوت أبداً وإنما يعود إلى اختلاف المقامات والأوضاع الفلكية الدخيلة في الرؤية. وقد تقدم ان الشهر الهلالي الفلكي يتراوح بين تسعة وعشرين يوماً وثلاثين يوماً وهذا لا يعني عدم امكان توالي أكثر من شهر بمدة واحدة. فقد يتوالى شهران أو ثلاثة مدة كل منها تسعة وعشرون يوماً أو ثلاثون يوماً، نعم لا يمكن توالي أربعة أشهر كل منها تسعة وعشرون يوماً، ولا يمكن توالي خمسة اشهر كل منها ثلاثون يوماً، فأقصى مقدار ممكن لتوالي الأشهر المؤلفة من تسعة وعشرين يوماً هو ثلاث مرات وأقصى مقدار ممكن لتوالي الأشهر المؤلفة من ثلاثين يوماً هو أربع مرات. ويتضح مما تقدم أن الفارق بين الشهر القمري الحسابي والشهر القمري الهلالي الفلكي يكمن في أن الأول يعبر عن المدة الواقعة بين الإقترانين المتتاليين أي المدة الواقعة بين المحاقين، بينما الثاني يعبر عن المدة الواقعة بين الهلالين. ولتوضيح ذلك أكثر نقول إن للقمر منذ دخوله موضع المحاق إلى إمكان رؤيته هلالاً ثلاث حالات:
الحالة الأولى: تقارنه مع الأرض والشمس حين تنطبق الدائرة الظاهرة منه على الدائرة المستضيئة من شعاع الشمس فلا يرى لأن نصفه المواجه للأرض مظلم. وبتعبير آخر حين ينطبق مركز القمر على الخط الواصل بين مركز الأرض ومركز الشمس.
الحالة الثانية: حالة كونه تحت الشعاع وذلك بعد خروجه من المقارنة. وهو في هذه الحالة غير قابل للرؤية، فان دقة القطر المضيء من القمر تمنع من رؤيته إلى ان يبعد عن الشمس بمقدار يصير معه ممكن الرؤية لسكان الأرض. وقد يطلق المحاق على ما يعم هذه الحالة. وقدرت مدة مكث القمر تحت الشعاع بعد خروجه من المحاق بست عشرة ساعة تقريباً.
الحالة الثالثة: حالة خروجه من تحت الشعاع. وقد قرر ان القمر إذا خرج من تحت الشعاع يصبح من الممكن رؤيته، ومن هذا الحد يبدأ الشهر الهلالي الفلكي.
وهكذا يتضح أن مبدأ الشهر القمري الحسابي يتقدم على مبدأ الشهر القمري الهلالي الفلكي، وأن مدة الشهر القمري الحسابي ثابتة لا تتغير بخلاف مدة الشهر الهلالي فانها متراوحة حسب اختلاف المقامات والأوضاع الفلكية الدخيلة في الرؤية .ونستخلص مما تقدم نتيجتين:
الأولى: إن خروج القمر من المحاق لا يستلزم إمكانية رؤية الهلال، بل لا يكفي خروجه من المحاق ليصبح ممكن الرؤية.
الثانية: إن خروج القمر من تحت الشعاع يستلزم إمكانية رؤية الهلال في نقطة ما على سطح الأرض .وقد يبرهن على القضية الثانية من خلال طي مقدمات ثلاث:
الأولى: إن القمر لا يمكن أن يرى بعد خروجه من تحت الشعاع إلا بعد غروب الشمس لأن أشعة الشمس القاهرة تمنع من رؤيته.
الثانية: إن الأرض لما كانت تدور حول نفسها دورة كاملة في أربع وعشرين ساعة ومن خلال هذه الدورة يتحقق الليل والنهار في كل بقاع الأرض - لان ما يواجه الشمس منها يكون الوقت فيه نهاراً والقسم الآخر بحكم عدم مواجهته للشمس يكون ليلاً - فانه في كل آن يتحقق شروق وغروب طيلة هذه الحركة إذ تشرق الشمس على ناحية وتغرب عن أخرى.
الثالثة: إن إمكانية رؤية الهلال تتحقق نتيجة وصول القمر في سيره حول الأرض إلى أفق المنطقة التي تغرب عنها الشمس فيمكن ان يرى بمجرد خروجه من تحت الشعاع حيث تكون دائرة انعكاس نور القمر على الأرض خارجة عن دائرة انعكاس شعاع الشمس عليها لكي يظهر نور القمر ولا تمنع أشعة الشمس القاهرة من رؤيته.
فينتج من تلكم المـقدمات أن خروج القمر من تحت الشعاع يستلزم إمكان رؤية الهلال في نقطة ما على سطح الأرض لأن خروجه يتزامن دائماً مع تحقق الغروب في نقطة ما من الأرض حيث تكون دائرة انعكاس نور القمر خارجة عن دائرة انعكاس شعاع الشمس فيصبح الهلال ممكن الرؤية في تلك المنطقة إذا لم يمنع من رؤيته مانع. ويتضح أيضاً أن البلدان متفاوتة في إمكانية الرؤية وليست على نسق واحد، وهو أمر طبيعي يفرضه اختلاف مواقعها على خطوط الطول والعرض. وقد عرفت ان الشهر القمري الهلالي الفلكي إنما يبدأ بخروج القمر من تحت الشعاع بحيث يكون هذا الخروج موجباً لإمكان رؤية الهلال. وبما أن الشهر القمري الهلالي شهر قمري طبيعي لذا يصح القول ان الشهر القمري الطبيعي إذا كان هلالياً لا حسابياً يتزامن دائماً مع إمكان الرؤية إذا لم يمنع منها مانع.
كيف يثبت الهلال؟
لقد عرف العرب قبل الإسلام التقويم القمري واعتمدوا الشهر الهلالي الفلكي في مواقيتهم، وحين بزغ نور الإسلام اقر هذا التقويم ورتب جملة من الأمور الشرعية عليه، ومن أبرز ما رتب عليه هو الصوم وعيد الفطر وعيد الأضحى والحج والعمرة ومجموعة من الأعمال التي تؤدى على مدار السنة. والطريقة التي اعتمدها الشارع في معرفة الشهر هي الرؤية بالعين المجردة والتي بها يثبت دخول الشهر، فإذا رؤي الهلال بالعين المجردة كانت هذه الرؤية الطريق المعتبر شرعاً لإثبات الشهر. وقد وردت بهذا الشأن نصوص من الأحاديث الشريفة نقلتها كتب الحديث المعتمدة سواءً عند أهل السنة أم الشيعة ففي صحيح البخاري باب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا، أورد البخاري عدة روايات بهذا المضمون منها مارواه بسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر رمضان فقال لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فان غم عليكم فاقدروا له. ورواه مسلم أيضاً في صحيحه، وأورد الحر العاملي في كتاب الصوم من كتابه (وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة) تحت باب ان علامة شهر رمضان وغيره رؤية الهلال مجموعة روايات بهذا المضمون منها ما رواه بسنده عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية. وعن أبي جعفر الباقر عن أبيه عن علي عليه السلام في حديث ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما ثقل في مرضه قال: ان السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم قال: ثم قال بيده فذاك رجب مفرد، وذو القعدة، وذو الحجة والمحرم ثلاثة متواليات، ألا وهذا الشهر المفروض رمضان فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإذا خفي الشهر فأتموا عدة شعبان ثلاثين يوماً. وعلى أساس ذلك فقد ذهب فقهاء الإسلام من السنة والشيعة إلى أن ثبوت الشهر إنما هو برؤية الهلال بالعين المجردة وانه لا عبرة بغير الرؤية، نعم نقل الجزيري في كتابه (الفقه على المذاهب الأربعة) عن الشافعية انهم قالوا: يعتبر قول المنجم في حق نفسه وحق من صدقه ولا يجب الصوم على عموم الناس بقوله على الراجح.
وقد بنى مشهور الفقهاء على أن الرؤية بالعين المجردة هي الوسيلة الشرعية التي تعتمد في اثبات الشهر، ومن ثم ينشأ التفاوت في التوقيت بين الناس إذ قد يرى في مكان ولا يرى في مكان آخر في الوقت نفسه وقد يمنع بعض رؤيته في الليلة المعينة بينما يشهد آخرون على الرؤية وقد يكون الاختلاف حسب الرؤية في الشهر السابق موجباً للاختلاف في ثبوت الشهر اللاحق وهكذا .ونحن نذهب إلى ان الرؤية بالعين المجردة وان كانت طريقاً شرعياً لإثبات الهلال إلا أنها ليست الطريق الوحيد، وإنما اعتمدها الشارع بوصفها الطريق الميسور للناس الذي يحصل العلم به بالهلال، وإلا فان الهلال يثبت بالوسائل العلمية المفيدة لليقين.
ومعنى ذلك أن بداية الشهر إنما تتحقق بخروج القمر من تحت الشعاع وصيرورته ممكن الرؤية بالعين المجردة، والمقصود بذلك إمكان الرؤية في نفسه، فإذا ثبت بطريق قطعي أن القمر قد خرج من تحت الشعاع وأصبح ممكن الرؤية في نفسه يكون قد دخل الشهر ولا نحتاج إلى استهلال ولا إلى التحري لرؤيته بالعين المجردة، فالشهر الشرعي مساوق للشهر الهلالي الفلكي. والدليل على ذلك هو قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] فان المستفاد من الاية الكريمة هو أن الهلال بنفسه ميقات وأن العبرة في دخول الشهر هي بخروج الهلال، ومعنى ذلك أن خروج الهلال هو الميقات للأمور الشرعية المترتبة على الشهر القمري، فالحكم بوجوب الصوم مثلاً قد انيط بشهر رمضان والعبرة في دخول الشهر هي في خروج الهلال فخروج الهلال بنفسه ميقات للصوم، وإذا كان الأمر كذلك فان الحكم بوجوب الصيام يترتب على خروج الهلال، فإذا ثبت لنا خروج الهلال بطريق قطعي ترتب الحكم بوجوب الصيام من دون ان يكون معلقاً على الرؤية بالعين المجردة. وعلى هذا يمكن التعويل على الحساب الفلكي القطعي الذي يثبت لنا الولادة الفلكية للهلال بشكل يقيني. ونعني بالولادة الفلكية خروج القمر من منطقة تحت الشعاع بحيث يصبح ممكن الرؤية في نقطة ما، أي ان مبدأ الشهر هو أول آنات إمكان الرؤية بعد خروج القمر من تحت الشعاع، إذ تقدم ان هذا هو مبدأ الشهر القمري الهلالي الفلكي وأن القمر لا يسمى هلالاً إلا إذا خرج الخط المضيء الذي يظهر عند خروج القمر من المحاق. فالميقات للحج وما شاكل هو الهلال أي الخط المضيء الذي يظهر عند خروج القمر من المحاق، والهلال هو بنفسه الميقات حسب مايستفاد من الاية الكريمة وليست الرؤية جزء من الميقات، فلا تكون قيداً يدور الحكم معه وجوداً وعدماً. هذا ومقتضى إطلاق الآية الكريمة هو الشمول لكل الافاق فالهلال بنفسه ميقات للناس مهما اختلفت آفاقهم ومطالعهم فإذا خرج الهلال ثبت الشهر للجميع. وأما الأحاديث التي علقت الصوم والفطر على الرؤية فانها وإن كانت دالة على مدخلية الرؤية في ثبوت الشهر وإناطة الأحكام بها إلا انه يمكن الجواب على الاستدلال بها بما يلي:
أولاً: بما أن الآية الكريمة قد دلت على أن الهلال بنفسه ميقات فلا بد من حمل الرؤية الواردة في الأحاديث الشريفة على أنها مجرد طريق لما هو المناط في ترتيب الأحكام، دون أن تكون للرؤية مدخلية في الموضوع وإلا لزم ان يكون الموضوع هو (رؤية الهلال) وليس الهلال نفسه. وهذا جواب يتمشى مع مختلف المذاهب الفقهية.
ثانياً: إن المستفاد من بعض الروايات المعتبرة لدى الإمامية أن الرؤية هي مجرد طريق كاشف عن دخول الشهر بخروج الهلال ففي معتبرة عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الأهلة، فقال: هي أهلة الشهور فإذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فافطر. وظاهر السؤال في الرواية انه استفسار عما ورد في الآية الكريمة: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] فأجابه الإمام الصادق عليه السلام ان المقصود بالأهلة هو أهلة الشهور، وفرع على ذلك (فإذا رأيت الهلال فصم) وهو ظاهر في أن الرؤية مجرد طريق، فما أهلة الشهور عرفاً إلا مبدأ الشهور، فالهلال مبدأ الشهر وهو بنفسه ميقات للصوم والفطر، فتعليق الصوم والفطر على رؤيته يفهم منه كون الرؤية طريقاً محضاً إلى إثبات الشهر. وهذا جواب يتمشى مع مذهب الإمامية.
هذه لمحة تلقي ضوءً على الموضوع على أمل أن يتجه فقهاء الإسلام في عصرنا هذا الاتجاه الذي يخرج المسلمين عن الاختلاف ويجمعهم على مناسباتهم.
نتيجة البحث:
إمكان إثبات الهلال بالحساب الفلكي القطعي وإعلان دخول الشهر على أساس الولادة الفلكية اليقينية للهلال فيكون يوم الصوم ويوم الفطر وما شاكل واحداً لجميع المسلمين.
_________________
(*)نشرت هذه المقالة في صحيفة الزمان العراقية على حلقتين بتاريخ 2 رمضان 1425 هـ 16 تشرين الأول 2004م وبتاريخ 3 رمضان 1425هـ 17 تشرين الأول 2004م.

السابق

 

 

Twitter Facebook قناة الشيخ حسين المؤيد في اليوتيوب google + البريد الالكتروني
[email protected]

جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد

www.almoaiyad.com