الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور المحاضرات
مقارنة بين مشروع الحداثة الأوروبي ومشروع النهضة العربية الإسلامية (*)
هناك قطاع من المفكرين ومن السياسيين العرب أجروا مقارنة بين المشروع الحداثي الأوروبي والمشروع النهضوي العربي والإسلامي، ووصلوا إلى نتيجة مفادها أن مشروع النهضة العربية الإسلامية قد وصل إلى طريق مسدود، وذلك لأن المشروع الحداثي الأوروبي استطاع أن يحقق للغرب وضعاً حضارياً متميزاً، وضمن له ذلك التفوق الحضاري الذي لا يزال يتواصل عبر قفزات نوعية. بينما مشروع النهضة العربية الإسلامية لم يحقق على مدى قرن ونصف لهذه الأمة حتى تلك الخطوات الضرورية للنهضة ولم يجسد أهم أهداف هذا المشروع وهي الاتحاد والرقي. ولهذا وصلوا إلى نتيجة تقضي بأن المشروع النهضوي العربي قد وصل إلى طريق مسدود ولم يؤتِ ثماره.
ولكننا نختلف مع هؤلاء المفكرين في هذه القضية، ونعتقد أن المقارنة بين المشروع النهضوي الإسلامي والمشروع الحداثي الأوروبي مقارنة مع الفارق، فإن أوروبا بدأت نهضتها لا في القرن الخامس عشر أو السادس عشر كما يدعى وكما هو مشهور على ألسن المفكرين وما يسمونه بمرحلة التنوير، وإنما أعتقد من خلال بحثي الخاص بي وتتبعي لمشروع الحداثة الأوروبي أن الأوروبيين قد بدأوا بنهضتهم ومشروعهم النهضوي منذ القرن الثالث عشر في مرحلة أسبق مما يسمى بمرحلة التنوير، وكان تأسيس جامعة السوربون في فرنسا سنة ألف ومائتين وثلاث وخمسين للميلاد يعني في أواسط القرن الثالث عشر، كان تأسيس هذه الجامعة يشكل البدايات الأولى لنهضة أوروبا ونهضة الغرب. وعلى هذا الأساس استغرق مشروع النهضة الأوروبية سبعة قرون من الزمن إلى أن وصل إلى ما وصل إليه اليوم من تطور علمي وتقني مرت أوروبا خلالها بمجموعة كبيرة من التفاعلات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، هذه التفاعلات استغرقت قروناً من الزمن إلى أن استطاع ذلك المشروع النهضوي أن يضع الغرب وأن يضع أوروبا على سكة الحضارة، بينما مشروعنا النهضوي الإسلامي بدأ في النصف الثاني من القرن التاسع عشر واستطاع هذا المشروع أن يخطو خطوات مهمة في طريق النهضة واستطاع أن يحقق إنجازات عظيمة في نظرنا سواءً على الصعيد السياسي أو على الصعيد الثقافي أو على بقية الصُعد كما سوف نذكر.
أما على الصعيد السياسي فالأمة الإسلامية كانت مستعمرة، محتلة في أغلب بقاعها وأجزائها، تفقد قرارها واستقلاها ويتحكم فيها الأجنبي من خلال حضوره المباشر على أرضها، مشروع النهضة الإسلامية حينما انطلق كان من أهم الشعارات التي رفعها هدفاً له هو تخليص البلاد الإسلامية من المحتل وإزاحة الاستعمار وإقامة الدولة الوطنية، وهذا ما تحقق على الرغم من كل التحفظات المعقولة والمنطقية على استقلالية القرار العربي والإسلامي لدولنا القطرية، ولكن على الرغم من هذه التحفظات استطاع المشروع النهضوي في أن يخرج الأمة من وضع الاحتلال إلى وضع تقيم فيه على تلك الأجزاء التي كانت محتلة من قبل الأجنبي الدولة الوطنية وتأخذ زمام قرارها السياسي. وهذا إنجاز سياسي مهم قام به المشروع النهضوي الذي بدأه أولئك الرواد الأوائل كجمال الدين الأفغاني وغيره. هؤلاء حينما بدأوا بمشروع النهضة كانت الأولوية لهم هي تخليص بلاد المسلمين من الاستعمار المباشر ومن الاحتلال الأجنبي لتراب المسلمين وهذا ما استطاعوا أن يحققوه. ومن ناحية أخرى قد كان العمل السياسي مقتصراً على نخب سياسية وعلى إقطاعيات سياسية بينما استطاع المشروع النهضوي أن يصنع الشارع السياسي ويسيس الجماهير.
على الصعيد الثقافي، كانت هذه الأمة بعرضها العريض غارقة بحالة مأساوية من الجهل والتخلف والأمية، وهذا أمر يمكن للباحث أن يصل إليه بيُسر بمجرد مراجعته للتاريخ المعاصر، للتاريخ الحديث، تاريخ هذه الأمة على مدى قرنين من الزمان. فإن الملاحظ هو أن هذه الأمة في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين كانت غارقة في حالة من التخلف والجهل والأمية، بينما الآن ومهما كانت هناك ملاحظات على المستوى الثقافي بدرجات متفاوتة بين بلدان العالم العربي والإسلامي، إلا أن هناك قفزة نوعية ملحوظة في تطور المستوى الثقافي بحيث أصبحت الأمية مهمشة في كثير من بلدان العرب والمسلمين، وأصبح التعليم هو الهم الأساسي للأسرة بحيث تشعر هذه الأسرة أنها إذا لم ترسل أبناءها للتعلم فإنها تكون قد جنت عليهم وأجرمت في حقهم، وهكذا انحسرت الأمية وأصبحت لدينا كوادر علمية كبيرة وقطاعات علمية واسعة وعقول علمية ثرّة استطاعت أن تساهم في إدامة حركة عجلة العلم حتى لدى بلاد الغرب، هذه العقول الإسلامية العربية التي هاجرت إلى بلاد الغرب هذه كلها طاقات أنتجها وأخرجها المشروع النهضوي العربي الإسلامي من خلال ترويجه لضرورة العلم والثقافة والتقدم، لأن التقدم جعل أيضاً هدفاً من الأهداف الرئيسة للمشروع النهضوي.
تفاعل الأمة مع القيم الإيجابية المعاصرة كان ضعيفاً للغاية، بينما الآن نجد أن هذه الأمة وبعرضها العريض أيضاً تتفاعل مع هذه القيم، مع العدالة الاجتماعية، مع حقوق الإنسان، مع حقوق المرأة، مع الديمقراطية، مع التنمية والتطور الحضاري، وما شاكل من هذه القيم الإيجابية على الرغم من التحفظات الموجودة والتعديلات التي لا بد أن تدخل على هذه القيم التي وصلتنا بشكلها الحديث من الغرب بالشكل الذي يمكن أن تتكيف به مع هوية الأمة.
وهكذا حينما نقارن مستوى الأمة سياسياً، ثقافياً، اجتماعياً، اقتصادياً، نجد أن هناك بوناً شاسعاً بين المستوى الذي كانت عليه الأمة في القرن التاسع عشر وفي أوائل القرن العشرين وما هي عليه الآن في كل هذه الجوانب وفي كل هذه الأبعاد، فهناك تطور ملحوظ في مستوى الأمة، هذا التطور الملحوظ ما هو في الحقيقة إلا إنجاز من إنجازات المشروع النهضوي الذي تبناه أولئك الرواد الأوائل.
إن الشيء الذي تحتاجه الأمة حالياً من حيث الهيكلية الستراتيجية للمشروع النهضوي إذا صح التعبير، هو أن يتواصل مشروعها النهضوي عبر دعامتين أساسيتين:
الأولى: أن يتصدى رموز نهوضية لمواصلة هذا المشروع، فهذا المشروع حينما بدأ، بدأ على يد رموز نهضوية كبيرة، على يد عناوين ضخمة كالمرحوم السيد جمال الدين والشيخ محمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وغيرهم من رموز الشمروع النهضوي، فكما أن المشروع النهضوي احتاج في بدايته الأولى إلى تصدي رموز نهضوية تتصدر وتتصدى لمواصلة هذا المشروع وتتمكن من استقطاب الأمة ومن توجيهها في المسارات الصحيحة للنهضة الإسلامية، هو الآن بحاجة أيضاً إلى تصدي المحاور والرموز النهضوية الدينية والسياسية والثقافية لمواصلة هذا المشروع وتطويره وجعله منسجماً ومتطلبات المرحلة. هذه هي الدعامة الأولى.
والدعامة الثانية: تنضيج برنامج عملي يحدد اتجاهات النهضة للأمة، فإن الأمة بحاجة إلى برنامج فكري يحدد لها اتجاهاتها العملية في طريق النهضة. إذا أردنا لهذه الأمة أن تواصل نهضتها، كيف ستواصل هذه النهضة؟ ما هي الآليات المطلوبة لمواصلة هذه النهضة؟ وما هي أدبيات النهضة في عصرنا الحاضر؟ ما هي المفردات التي لا بد من تصنيفها طبقاً للأولويات بالشكل الذي تسير الأمة على طبق هذه المفردات في استراتيجية نهضوية مدروسة دراسة معمقة؟
إننا نحتاج إلى تنضيج برنامج يحدد الاتجاهات العملية لنهضة الأمة ويتمكن من اجتذاب إجماعها أو اجتذاب رأي أغلبيتها، ولا بد أن نخرج كمفكرين وسياسيين من حالة ما يسمى بالجدل (البيزنطي) لأن مفكرينا وسياسيينا النهضويين على مدى نصف قرن يعني النصف الثاني من القرن العشرين، على مدى نصف قرن دخلوا في جدل يكاد يكون عقيماً في التنظير للنهضة دون أن يخرجوا ببرنامج عملي يحدد أو يتمكن من تحديد اتجاهات هذه النهضة عملياً. هناك جدل واسع حول هذا المشروع النهضوي. هناك أفكار كثيرة، هناك ندوات مهمة قد عقدت، كتب قيمة قد ألفت، ولكنها لم تتجاوز مرحلة التنظير للنهضة وللمشروع النهضوي، بينما كان المطلوب أن تتحول كل هذا الجهود الفكرية إلى برنامج عملي يحدد للأمة مسارات النهضة واتجاهاتها العملية وبعد أن يحدد مثل هذا البرنامج يعتبر هذا البرنامج برنامجاً ملزماً لصناع القرار وللقادة السياسيين والمفكرين والاجتماعيين لهذه الأمة كي يسيروا على طبق هذا البرنامج بعد ما افترضنا قدرة هذا البرنامج على كسب رأي الأغلبية الساحقة للقطاعات المؤثرة في النهضة.
فإذن نحتاج إلى هاتين الدعامتين. إذا استطعنا أن نحقق هذين الأمرين يمكن للمشروع النهضوي أن يتواصل.
إن صناع القرار في العالم العربي والإسلامي في الغالب إنما يفكرون في إدارة الأوضاع تفكيراً قد لا ينطلق من الخلفية النهضوية أو الخلفية الثقافية للأمة وإنما يحاول أن يدير الشأن السياسي بما يمرر وضع الناس وحياة الناس وكأن هَمّ السياسي أصبح هو كيفية تمرير أوضاع الناس، بينما المطلوب من السياسي ومن صانع القرار أن يخطط قراره السياسي طبقاً لإستراتيجيات النهضة العربية والإسلامية، حينئذٍ يمكن للقرار السياسي أن يحقق مطلب إدارة الدولة وإدارة ورعاية شؤون الأمة، كما يمكن أن يسير في الاتجاه الصحيح الذي يطور من وضع الأمة نهضوياً، هذا الأمر نكاد نفتقده، من الممكن أنه حصل في فترات قصيرة وعلى مديات قصيرة لكنه لم يستمر كخط ثابت، لعله في السبعينات وخاصة بعد ما وعت الأمة تداعيات نكسة حزيران بدأ صانع القرار يفكر في كيفية إدارة شؤون الدولة طبقاً لستراتيجية نهضوية، خاصة وأن الوضع الاقتصادي لهذه الدول قد تطور وتحسن من خلال الثروة النفطية الموجودة في بلاد المسلمين، لكن هذا الأمر كان محصوراً في مقاطع زمنية قصيرة وكان محصوراً بمديات قصيرة ولم يستمر، سرعان ما ووجهنا بنكسة جديدة فيما بدأت الأوضاع السياسية في العالم العربي تأخذ بالتردي واليوم أيضاً هذه الأوضاع لا زالت تأخذ بالتردي.
في الحقيقة إن أوضاع العالم العربي والإسلامي حينما نقيّمها ليست أوضاعاً تبعث على التفاؤل، وإنما يصح أن يقال إن العدو أو الخصم استطاع أن يرجع الأمة من بعد عقود من المسيرة النهضوية الشاملة، استطاع أن يرجع الأمة إلى المربع الأول كما يقولون. ولكن لا يعني ذلك كما ذكرنا في المحاضرة السابقة أن طريق النهضة أصبح طريقاً مسدوداً، بل عادة ما تكون التحديات المنفذ الأساسي والرئيس الذي من خلاله تبرز الأفكار التي تواجه التحدي وبالتالي تكون على مستوى التحدي وتقدم للأمة الطروحات التي تتجاوز حالة التحدي وإن كان ذلك بعد زمن، ولكن نحن الآن بصدد بيان ما يمكن أن يتواصل به مشروع النهضة. مشروع النهضة يمكن أن يتواصل، هناك من يتشائم ويرى عدم إمكانية مواصلة هذا المشروع، نحن نختلف مع هذه النظرة التشاؤمية ونعقتد أن بالإمكان مواصلة هذا المشروع وبالإمكان امتصاص الصدمة التي حدثت من تردي الأوضاع في عالمنا الإسلامي.
من المعطيات الجديدة التي برزت على السطح هي قضية القطب والمحور الواحد والنظام العالمي الجديد، وقضية العولمة، هناك تحديات كبيرة جداً لهذه الأمة، هناك وضع لا يزال يأخذ في التشكل عالمياً وتنعكس آثاره على الخريطة السياسية والثقافية للعالم العربي والإسلامي، ولكن على الرغم من كل ذلك نحن نعتقد أن مواصلة المشروع النهضوي أمر ممكن فيما إذا انصبت طاقات المخلصين لمواصلة هذا المشروع. إذن مواصلة المشروع ممكنة. كيف يتواصل هذا المشروع؟ نعتقد أنه يمكن أن يتواصل عبر هاتيك الدعامتين، تصدي رموز نهضوية لمواصلة هذا المشروع، وأن يكون هذا التصدي تصدياً كفوءاً بعيداً عن الطموحات الشخصية، يتجاوز فيه ذلك الرمز طموحه الشخصي ليذوب طموحه الشخصي في طموح الأمة وفي تطلعاتها، فإن الأمة بحاجة إلى همم كبيرة وإلى رجال يكونون إفرازاً للتحديات التي تواجهها الأمة، ويكونون الضمير المعبر، ويكونون التعبير الحقيقي عن تطلعات هذه الأمة وعن طموحاتها وعن آمالها. والأمر الثاني هو أن طاقات المفكرين والسياسيين النهضويين يجب أن تصب لصياغة برنامج قادر على اجتذاب إجماع الأمة أو على الأقل الحصول على رأي أغلبية الأمة، يحدد هذا البرنامج المسارات العملية للنهضة ومن خلال مديات زمنية مدروسة بدقة وعمق.
هناك أمم أخرى استطاعت أن تحقق الكثير من طموحاتها من خلال تخطيطها لمستقبلها، والأمم المتحضرة، الأمم المتقدمة إنما تعتمد على التخطيط المستقبلي، وتعتمد على الرؤية المستقبلية، فالولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال صدر لها بعد الحرب العالمية الثانية من خلال مطابخ صنع القرار فيها، صدر لها دراسة بعنوان رؤية لخمسين سنة قادمة واستطاعت هذه الدراسة والتزام صُناع القرار بهذه الدراسة من أن ينهوا القرن العشرين بالانتصار على القطب المنافس وهو الاتحاد السوفيتي، وكانت هناك خطط مبرمجة لانهيار الاتحاد السوفيتي وإسقاطه سياسياً ككيان سياسي، واستطاعت الولايات المتحدة أن تحقق هذه الرؤية من خلال الالتزام ببرنامج عملي، وبالتالي كان يقال إن القرن الثامن عشر كان قرناً فرنسياً والقرن التاسع عشر كان قرناً إنجليزياً والقرن العشرين تقاسمته قوتان كبيرتان، وكانت أميركا تخطط لأن يكون القرن الواحد والعشرون قرناً أمريكياً بالكامل، وهذا ما نشهد معالمه ونحن في بداية هذا القرن. وكذلك إذا أتينا إلى طموحات اليهود الذين كانوا يطمحون لإيجاد كيان لهم، حينما نتلمس البدايات الأولى للقضية نجد أنها انطلقت من خطط وبرامج وكانت هذه البرامج ذات مديات زمنية يعني كانوا يفترضون أنه بعد عقد من الزمان يجب أن يتحقق الأمر التالي يجب أن نخطو الخطوة التالية فتنصب الجهود لتحقيق هذه الخطوة وكانوا يحققونها وينتقلون بعدها إلى الخطوة القادمة وهكذا إلى أن حققوا ما حققوه واستطاعوا أن يهيمنوا وهم لا يتجاوزون العشرين مليوناً، استطاعوا أن يهيمنوا على الوضع السياسي الدولي وعلى الوضع الاقتصادي وعلى الوضع الإعلامي الدولي، فإن السياسة بأيديهم والاقتصاد بأيديهم والإعلام بأيديهم. ونحن كمسلمين نشكل كثرة كاثرة يعني إذا كان مجموع يهود العالم لا يتجاوز العشرين مليوناً فمجموع المسلمين مليار وستمئة مليون مسلم، وإذا أتينا إلى العالم العربي فالعالم العربي هناك إحصائيات تقول إن هناك ثلاثمائة مليون عربي، طيب.. هذا العدد الكبير بمخزون ثقافي وبخلفية حضارية وبوجود هوية ثقافية واحدة وبوجود دين كالإسلام كان يفترض لهذا الجمع لهذه المجموعة الكبيرة أن تكون هي الحاكمة في العالم وأن تكون هي السيدة في العالم وهذا فرض منطقي. عكسه هو الشي غير المنقطي، غير المنطقي أن تكون مثل هذه المجوعة مهمشة ويراد إخراجها من دائرة التاريخ، بينما الفرض المنطقي أن مثل هذه المجموعة التي تمتلك ثروة بشرية هائلة بهذا الكم وتمتلك مواقع ستراتيجية مهمة جداً وتمتلك ثروات طبيعية وإقتصادية مهمة من خلالها تمسك بشريان الجسم العالمي كله، وتمتلك تلك الخلفية الحضارية وذلك المخزون الثقافي، كان يفترض بتلك الأمة أن تكون هي القائدة للعالم، بينما نجد أننا في وضع لا نحسد عليه، في أوضاع ترد غير طبيعية. إذن نحن نبتعد عن التخطيط ونبتعد عن البرمجة، فلا بد أن يكون هناك تخطيط ولا بد أن تكون هناك برمجة ولا بد أن يكون هناك التزام بهذه البرمجة.
هناك عقول ومفكرون كثيرون منتشرون في العالم العربي وفي العالم الإسلامي، ولكن لا يوجد ما ينظم عقدهم ويجمعهم في إطار معين للتواصل بين المفكرين سواء أكانوا ينتمون إلى المؤسسة الدينية أو كانوا ينتمون إلى المؤسسة الثقافية والحداثية، لا بد من وجود إطار يجمع هؤلاء المفكرين ويجمع هؤلاء الذين يعملون بإخلاص وبصدق من أجل مواصلة مشروع هذه الأمة النهضوي، لا بد أن يكون هناك إطار للتواصل ومن خلاله ينضج هذا المشروع، وأن يحظى هذا المشروع بإقناع الرأي العام الإسلامي والرأي العام العربي، ويستطيع من خلال الرأي العام أن يلزم صناع القرار، أن يلزم أولئك الذين يديرون الشأن السياسي في الأمة بهذا البرنامج العملي النهضوي لكي نحقق رؤية إن لم تكن رؤية لخمسين سنة قادمة قد نكون فيها بحاجة إلى أن نعيد بنائنا من جديد، فعلى الأقل نخطط لرؤية النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين لنكون فيه على المستوى المطلوب الذي يحقق لنا أهدافنا، أهداف النهضة وأبعادها الكاملة.
والحمد لله رب العالمين.______________
(*)محاضرة ألقيت على جمع من المثقفين في بغداد بتاريخ 29/12/1424هـ.البريد الالكتروني
[email protected]جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد