تونس ـ الشروق :
الشيخ حسين المؤيد هو زعيم التيار الوطني العراقي وهو أيضا واحد من ابرز علماء
الدين العراقيين وهو ايضا من بين قلة قليلة من المراجع التي جمعت بين
جنباتها مختلف العلوم والافكار والنظريات التي هدفت الى لم شمل الامة ودرء نار
الفتن عنها ... فالرجل لا يفوت فرصة دون ان يؤكد فيها على وحدة الصف ووحدة
الموقف ...في رؤية صادقة وهادئة تلتقي عند وحدة الهدف ...الهدف بنهضة هذه الامة
الجريحة وبكسر أغلال الطائفية التي أغرقتها في التمزق... والتفرق.
ورغم ان الشيخ المؤيد درس في ايران وحصل فيها على مرتبة الاجتهاد فإنه لم يؤيد
سياساتها بالمطلق بل اتخذ منها مواقف معادية بسبب نهجها الطائفي والتدميري في
العراق... كما ان له مواقف قوية مناهضة للاحتلال ومساندة للمقاومة... بعض هذه
المواقف يتحدث عنها الشيخ حسن المؤيد في هذا الحوار مع الشروق.:
أجوبة أسئلة الأستاذ نوري الصل الرئيس المساعد لتحرير جريدة الشروق التونسية .
س:- كيف تقرأون تطورات الأوضاع في العراق و ما هو موقفكم
من الانسداد السياسي القائم ؟
ج:- لم تكن هذه التطورات مفاجئة لنا و لم نستغرب حصولها , بل كنا قد توقعناها
منذ بداية الإحتلال , و كانت لنا رؤية واضحة و دقيقة للأوضاع في العراق , و من
أبرز معالمها و مفرداتها :-
-
منذ بداية الإحتلال كنا نقول بأنّ
الإحتلال حالة غير طبيعية و لا تملك مقومات الديمومة و الإستمرار و كنا
ندرك أن المحتل سيضطر الى الجلاء , و مع ذلك كنا في طليعة المطالبين بوضع
جدول زمني للإنسحاب , و كان ينظر الى هذه المطالبة آنذاك من قبل المحتل
بعين السخط و من قبل العديدين من القوى السياسية التي دخلت في مشروع المحتل
بالسخط و الإشمئزاز و حتى السخرية أحياناً ثم ظهرت صدقية مطالبتنا .
-
كان رأينا في العملية السياسية
أنها عملية مبنية بناءً خاطئاً و أنها بفعل بنائها الخاطيء أضحت سبباً
رئيساً من أسباب الأزمة في العراق و ها نحن نجد أنّ تطورات الأوضاع أثبتت
ذلك و صارت بعض القوى و الشخصيات الداخلة في العملية السياسية تصرح بأنها
عملية مأزومة .
-
كنا و منذ البداية نصرّ على ضرورة حفظ
الهوية العربية للعراق و تكريس الإنتماء العربي له و العمل على الحيلولة
دون عزل العراق عن محيطه العربي , و على هذا الأساس طالبنا و منذ البداية
بدور عربي فاعل في العراق لصالح المشروع الوطني العراقي و قلنا ان نكوص
العرب عن أداء هذا الدور سيؤدي الى الإخلال بالتوازن في المنطقة برمتها . و
قد أثبتت تطورات الأوضاع صحة نظرتنا و حاجة العراق الى دور عربي فاعل لكن
ليس لصالح القوى السياسية الحالية في العملية السياسية و انما لصالح
المشروع الوطني العراقي و الذي لا تمثله هذه القوى .
-
رفضنا منذ البداية المحاصصة و الطائفية
السياسية و قلنا أنها تشكل خطورة على وحدة العراق أرضاً و شعباً و تمنع من
بناء الدولة الحديثة , و الكل يعلم كم شكلت الطائفية السياسية من خطر على
العراق و المنطقة .
-
رفضنا تطبيق الديموقراطية التوافقية و
قلنا أنها مشروع فاشل غير قادر على بناء الدولة و ادارتها و ان ما يسمى
بالديموقراطية التوافقية يفضي الى إقطاعيات سياسية و يحول العراق الى دولة
مكونات بدلاً من دولة المواطنة . و طالبنا بالنموذج الديموقراطي الحديث
القائم على تعددية حزبية سياسية و المشاركة الحقيقية في صنع القرار و سلطة
منتخبة تمثل أكثرية سياسية و ليست طائفية و معارضة برلمانية تمثل أقلية
سياسية و ليست طائفية أو عرقية .
انّ تطورات الأوضاع في العراق تشهد على وجود
أزمة سياسية خطيرة تجعل العراق على صفيح ساخن بشكل مستمر ما ان تحل عقدة حتى
يواجه البلد عقدة جديدة و بالتالي فلا بد من معالجات جذرية لأسباب الأزمة .
..........................................................................
س:- ما هو تحليلكم لأزمة تشكيل الحكومة ؟ و كيف تقرأون
خلفيات و أبعاد هذه الأزمة ؟
ج :- ان أزمة تشكيل الحكومة هي مظهر من مظاهر أزمة العملية السياسية نفسها و
إنعكاس للأزمة السياسية التي يعاني منها العراق منذ الإحتلال . و يزيد الطين
بلة امساك قوى سياسية بالوضع السياسي في العراق و لا همّ لها الا تأمين مصالحها
الذاتية و الفئوية و لا تتمتع بالخبرة السياسية و لا بعقلية رجل الدولة و قد
ذكرت في " مشروع الميثاق الوطني العراقي " الذي أعلنته في خريف 2006 أنّ القوى
التي تحوّل الحكم في العراق في ظلها الى حكم مراكز قوى هي عبارة عن قوى و
تكتلات غير متجانسة و لا تجمعها الا مساحة محدودة بفعل شريط ضيق من المشتركات
في حساب المصالح و الأرباح , و قد أثبتت التجربة دقة هذه الرؤية . و حين ننظر
بعمق الى أزمة تشكيل الحكومة و ملابساتها نجد ما ذكرناه جلياً واضحاً في هذه
الأزمة .
........................................................................................
س:- الصراع القائم بين أطراف عدة في المشهد السياسي
العراقي هل يندرج ضمن مخطط لتقسيم العراق ؟
ج:- من الواضح أن المشروع الذي أفرزه الإحتلال هو مشروع تقسيمي بطبيعته , و هو
المشروع الذي هدّم دولة المواطنة و أقام بدلها دولة المكونات في ظل الطائفية
السياسية و ما يسمى بالديموقراطية التوافقية . و كرّس الدستور الجديد ذلك من
خلال إقرار فيدرالية الأقاليم . و مشروع التقسيم مشروع تبنته الإدارة الأمريكية
و دعا اليه رموز مطبخها السياسي و منهم غالبريث الذي دعا في كتاب " نهاية
العراق " الى أن يكون العراق واحداً بالشكل و الإسم فقط و أن يكون بالمضمون و
الجوهر عبارة عن دويلات ثلاث .
فالوضع السياسي الحالي هو وضع تقسيمي في جوهره , و هناك من يدفع بإتجاه أن يكون
الوضع تقسيمياً بالشكل و الجوهر معاً . و قبل فترة و إثر تصاعد أزمة تشكيل
الحكومة في العراق أجريت إتصالاً مع الجامعة العربية عبرت فيه عن عميق قلقي من
خطورة ما يجري في الساحة السياسية و ذكرت أن حركة الأحداث بدأت تخرج عن سياقها
الطبيعي الأمر الذي يثير الريبة و القلق من وجود خطط و حراك للدفع بإتجاه
التقسيم .
انني أعتقد أن القوى التي ترى في مشروع التقسيم مصلحة لها لم ترفع يدها عن هذا
المشروع و لا تزال تحاول تحريكه . نعم مشروع التقسيم مرفوض شعبياً و لا تزال
هناك مناعة و ممانعة شعبية و نحن نراهن على ذلك كأحدى الضمانات للمنع من
التقسيم .
.........................................................................................
س:- هل ترون أن لدى أمريكا فعلاً النية للإنسحاب من
العراق بعد قرارها الأخير تخفيض قواتها هناك و كقوى مناهضة للإحتلال كيف
تتعاطون مع ذلك و هل لديكم مشروع في هذا الغرض ؟
ج:- لقد ذكرت في جوابي على بعض الأسئلة الموجهة اليّ في زاوية " ضيف تحت المجهر
" في صحيفة العرب اليوم الأردنية قرائتي للإنسحاب الأمريكي و العوامل التي دعت
أمريكا للأنسحاب . أعتقد أن الإنسحاب سيتم بحكم هذه العوامل , و من المحتمل أن
تطلب الإدارة الأمريكية بقاء قواعد عسكرية لها في العراق . و يبقى الأمر في
دائرة التوقعات لا سيما اذا تولى الجمهوريون السلطة التشريعية في الإنتخابات
القادمة و الرئاسة بعد إنتهاء فترة أوباما .
نحن على كل حال نبقى نطالب بالإنسحاب الكامل و الجلاء التام لقوات الإحتلال و
سنعارض إستمرار الإحتلال و نعتقد أن استمراره يعني استمرار حالة اللاإستقرار
السياسي و الأمني في العراق .
لقد طالبت في " مشروع الميثاق الوطني العراقي " ليس فقط بجلاء الإحتلال و تحرير
العراق من الوجود العسكري و الأجنبي , و انما أيضاً بتحرير القرار العراقي من
الهيمنة الأجنبية أياً كانت .
.............................................................................
س:- هناك من يروج لان اي انسحاب أمريكي سيحدث حرباً
أهلية في العراق كيف تنظرون الى مثل هذا الطرح ؟
ج:- الشعب العراقي رافض للحرب الأهلية رفضاً باتاً , و رافض للصراع الداخلي بين
شرائحه و مكوناته و يتطلع الى التعايش و السلم الأهلي . و هذا قرار جماهيري
يعتبر أحد أهم الضمانات أمام اندلاع حرب أهلية . ليس للعراقيين مصلحة في الحرب
الأهلية لكن هناك قوى مغرضة و خبيثة خارجية و داخلية لها مثل هذا الهدف و هي ان
سعت اليه فانها تسعى اليه سواءً بوجود المحتل أو بدونه , و حينما تفجر الصراع
الطائفي في العراق كان الإحتلال موجوداً بكامل ثقله و لم يكن وجوده ضمانة لوضع
حد لهذا الصراع .
................................................................
س:- تقودون مبادرة لإخماد الفتنة في المنطقة , ما هي
ملامح هذه المبادرة و هل ترون أن نار الفتنة تزحف على المنطقة ؟
ج:- لا شك أن العامل الخارجي يتحرك لتأجيج الفتنة في عالمنا العربي و الاسلامي
و هي فتنة تأخذ تارة شكل الفتنة الطائفية و المذهبية بين السنة و الشيعة , و
تارة أخرى تأخذ شكل الفتنة الدينية بين المسلمين و المسيحيين , و ثالثة شكل
الفتنة العرقية . و يستغل العامل الخارجي عوامل أخرى يوظفها لهذا الهدف و هي
عوامل موجودة من شأنها أن تثير الفتنة , فهناك ثقافة تصنع عقلية تغذي الفتنة و
تضرب أسس التعايش و هناك قوى متطرفة يقودها تطرفها الى تأجيج الفتنة و هناك
صراعات سياسية تأخذ طابعاً طائفياً أو دينياً أو عرقياً , كل ذلك في ظل عدم
شيوع ثقافة صحيحة في التعاطي مع التعددية المذهبية و الدينية و العرقية .
ان المؤامرات الرامية الى تقسيم بلداننا و تفتيتها و تمزيق النسيج المجتمعي لا
تزال تعمل و لها مظاهر غير خافية , و انّ قوى الهيمنة تجد في إشعال الصراعات ما
يكرس و يسهل هيمنتها . و قد شاهدنا أخيراً بعض السلوكيات المسيئة التي تؤجج نار
الفتنة و البغضاء سواء على الصعيد المذهبي أو الديني .
نحن نعتقد أن على الأمة أن تكون واعية جداً و حذرة جداً و أن يكون لها من
التماسك ما يمنع من استدراجها لمثل هذه الصراعات التي لا يستفيد منها الا
أعداؤها .
و قد دعونا الى عقد مؤتمر إستثنائي لمناقشة الفتنة الطائفية و دراسة سبل علاجها
و الخروج بقرارت مركزية فاعلة على الأرض تمنع من تأجيج الفتنة . و لاقت دعوتنا
هذه ترحيباً ملفتاً من الجماهير و النخب في العالم العربي و سنبقى نتحرك طبقاً
لمنهجنا الوحدوي من أجل العمل على وحدة الأمة الإسلامية و عزتها و مجدها .