من إسلام أون لاين
الطائفية والتقريب ومسائل الوحدة والعالمية
( ملف خاص )
الوحدة والتقريب وإشكاليات تداخل السياسي والمعرفي
تقريب المذاهب.. دور الدولة وأهل العلم
صبحي مجاهد
عملية التقريب بين المذاهب الإسلامية، عملية شائكة تستلزم وعيا بموروثات
تلك المذاهب، وقدرة على معرفة نقاط الخلاف، ومساحات التماس التي يمكن من خلالها
الدفع في اتجاه هذا التقريب.والجانب الفقهي يكاد يكون من الجوانب التي تتجلى
فيها بوضوح نقاط الخلاف جنبًا إلى جنب مع مساحات الالتقاء، مما يجعل محاولة
التقريب في هذا الجانب من قبيل السهل الممتنع.لكن الوعي بتلك الموروثات،
والإدراك الشامل للقواعد الأصولية التي تضبط مسار الفقهاء، والفهم الدقيق
للمقاصد الشرعية العليا، وأولا وأخيرًا الإخلاص في تلك المحاولة.. كل هذه
العوامل تضمن بلا شك نجاحا باهرا لمثل تلك المحاولات.
في هذا الإطار تأتي المبادرة التي طرحها المرجع الديني العراقي الشيخ حسين
المؤيد في لقاء مفتوح عقدته معه شبكة "إسلام أون لاين" خلال زيارته للقاهرة،
ترتكز هذه المبادرة على فكرة إيجاد لون جديد من الفقه يسمى الفقه التقريبي،
يعمل على التقريب بين المذاهب الإسلامية المختلفة وبخاصة بين السنة والشيعة،
حيث يصل فيه المسلمون إلى نتائج واحدة مع احتفاظ كل أصحاب مذهب بوجهات نظرهم
المذهبية.
تحريك الاجتهاد
وعن الآلية التي سيعتمدها هذا الفقه يقول المؤيد: "هذا الفقه يحاول
إخراج حركة الاجتهاد إلى فقه شمولي، بعيدا عن التحزب لمذهب بعينه، بما يساعد
على إنهاء حالة الاحتقان الطائفي، وذلك من خلال تحريك عملية الاجتهاد بحيث يتم
اكتشاف المساحات المشتركة بين المذاهب الإسلامية، وتوسيع هذه المساحات". وأوضح
أن الفقه التقريبي هذا يختلف عن الفقه المقارن، ففي الفقه المقارن يتم استعراض
أقوال وأدلة ويحاكم بينها ليرجح أحدها على باقي الأقوال، ولكن الفقه التقريبي
تقوم فكرته على إمكان الوصول إلى نتائج مشتركة فقهيا، تتلاقى عليها جميع
المذاهب، مع حفظ الخصوصيات المذهبية. ويشير إلى "أن الفقه التقريبي وإن كان يعد
مبادرة منه فإن هذه المبادرة يجب أن يعهد بها للمؤسسات الدينية العلمية.. ويؤكد
على أن تطوير موضوع الفقه التقريبي قد يمتد إلى الوصول لقواعد مشتركة من
الاستنباط في أصول الفقه، وسيعمل على نزع فتيل الاحتقان؛ لأنه سيوسع مساحات
الاشتراكات العلمية والعملية ويعمل على ردم الهوة بين المسلمين". ويشدد على
ضرورة اهتمام المؤسسات السنية الشيعية على السواء بمثل هذا الفقه على اعتباره
مشروعا وآلية مهمة بين يدي كل من يتحرك في دائرة التقريب بين المذاهب
الإسلامية، كما أنه من الممكن أن يتم تدريس هذا الفقه لطلاب العلم -سنة وشيعة-
ليتدربوا على هذا المنهج ويواصلوا نشره والعمل به.
نماذج تطبيقية
وعن مرحلة التطبيق العملي لهذا الفقه ومجالاته يؤكد المؤيد أنه قام
بنماذج في مسائل فقهيه متنوعة، وأوصله الاجتهاد الفقهي فيها -على الرغم من أن
عملية الاستنباط الفقهي فيها لهذه النماذج قامت وفق قواعد الاستنباط في المذهب
الجعفري- إلى نتائج مشتركة مع ما عليه عموم أهل السنة. ويضرب مثالا على ذلك
بتعيين وقت الإفطار وصلاة المغرب ويقول: "إن فقهاء الشيعة الجعفرية لهم في هذا
الأمر قولان الأول يذهب إلى أن صلاة المغرب بمجرد سقوط قرص الشمس، وهو ما عليه
عموم أهل السنة، وهناك قول آخر يقول بذهاب الحمرة المشرقية وهو يقتضي تأخير
الصلاة عن سقوط قرص الشمس بـ (12 دقيقة)، إلا أنه من خلال عملية استنباطية
وصلنا للنتيجة التي تقرر أن وقت صلاة المغرب هو بمجرد سقوط قرص الشمس، وبذلك
وجدنا أنها نتيجة يلتقي عليها المسلمون جميعا في وقت الصلاة وفي الإفطار أيضا".
ويشير الشيخ حسين المؤيد إلى أن الفقه التقريبي فيه محاولات لاكتشاف نقاط القوة
العلمية من الناحية الفنية الاستنباطية فيما اتجه إليه كبار فقهاء المذاهب،
بحيث إذا تم اكتشاف نقطة قوة يعمل هذا الفقه على تعزيزها بالأدلة لتكون هي
المتبعة.
ويوضح المؤيد مسألة تعزيز النقاط القوية في الآراء الفقهية من خلال الفقه
التقريبي بنموذج الطواف فيقول: "إن الطواف فيه رأي مشهور بين الشيعة، وهو أنه
يكون بين الكعبة ومقام إبراهيم فلا يجوز الطواف خلف المقام بينما المذاهب
الأخرى تجيز الطواف خلف المقام ونحن في بحث تحليلي انتهينا إلى أن الرأي الذي
يقول عدم اشتراط أن يكون المقام بين الكعبة والطواف هو الذي يمتاز بنقطة القوة
العلمية".
الخلاف العقائدي
ولأن الخلاف العقائدي والتفسيري هما أصل الخلافات بين المذاهب
الإسلامية؛ ولأن الفقه التقريبي في أصله منهج أصولي يبحث عن نقاط الالتقاء،
يؤكد المؤيد على أنه يتم من خلال هذا الفقه بذل محاولات فيما يتعلق بالنظرة إلى
التراث العقائدي والتفسيري، يتم الاعتماد فيها على المعطيات القرآنية. فعلى
الجانب العقائدي يضرب الشيخ المؤيد مثالا بمن ينكر من الشيعة أن يكون للنبي صلى
الله عليه وسلم بنات غير فاطمة الزهراء، حيث حاولوا أن يبرهنوا مثلا على أن
الخليفة عثمان الملقب بذي النورين لم تكن زوجتاه من بنات الرسول، ورد عليهم من
خلال الاستدلال بقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ
وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن
جَلاَبِيبِهِنَّ" فاستعمال القرآن للفظ بناتك بالجمع دليل على أن النبي -صلى
الله عليه وسلم- له أكثر من بنت ولم تكن بناته منحصرة في فاطمة. وعلى الجانب
التفسيري أوضح المؤيد نموذجا لذلك بآية الغار في قوله تعالى: "إِلاَّ
تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ
اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ
إِنَّ اللهَ مَعَنَا"، حيث يوضح أن بعض من أسماهم المتطرفين في الوسط الشيعي
يحاولون إنكار دلالة الآية على فضيلة أبي بكر الصديق وقوة إيمانه. لكن المؤيد
يؤكد أنه فسر الآية على أنها تدل على أن إيمان أبي بكر كان إيمانا صادقا، حيث
أشركه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المعية وقال: "إن الله معنا" وهذا دليل
على صدق الإيمان لأبي بكر لأن الإشراك لا يكون فيمن ليس صادق الإيمان".
علاج الأحاديث الضعيفة
ومن المعلوم أن الشرارة التي اندلعت بها نيران تلك الخلافات بين المذاهب
الإسلامية تكمن في بعض الروايات الموضوعة تارة، والتي أسيء فهمها تارة أخرى،
لذلك فإن جزءا من هذا المنهج الفقهي التقريبي يعنى بها، محاولا كشف ضعفها، وعدم
قيامها دليلا على ما استدل بها عليه. لذلك يؤكد المؤيد على أنه يعكف على تأليف
كتاب بعنوان "الضعيف من الصحيح" يستهدف تضعيف روايات تتصل بصحة السند، ولكن متن
راوياتها فيه مؤشرات تدل على أنها موضوعة، وهذه قضية لها آثار تمتد لأصول الفقه
وكيفية التعامل مع الأحاديث الواردة عن أئمة أهل البيت. ولا يخفى أن مثل هذه
الطريقة _كما يؤكد المؤيد_ تؤدي إلى اكتشاف ونزع المدسوس من الأحاديث التي تعمق
الخلاف المذهبي، وتحديد محاولات الدس التي حدثت من فرق الغلاة الذين حاولوا أن
يعبثوا براويات الشيعة، وعليه يتم إسقاط هذه الراويات بشكل علمي.