المؤيد: الوضع العراقي مقلق
وخطر وينذر بحرب أهلية
6/5/2006
مرجع شيعي يحذر في مقابلة مع "الغد" من التدخل
الإيراني في العراق

حاوره: ماجد توبة
عمان-الغد- يعتبر المرجع الديني الشيعي العراقي
الشيخ حسين المؤيد ان ضعف الدور العربي في
المعادلة العراقية "أدّى لاختلال التوازن السياسي
داخل العراق. ويؤكد المؤيد، الذي جاء إلى عمان
للمشاركة في مؤتمر "الوفاق والاتفاق الإسلامي"
للقيادات الدينية العراقية، الذي تم تأجيله لأسباب
عراقية داخلية، ان للأردن وجلالة الملك عبد الله
الثاني "دورا ايجابيا كبيرا يمكن ان يلعبه في
الوسط العراقي".
ويحذر المؤيد، في حوار مع "الغد" من ان الوضع
العراقي "مقلق"، وأنه بات "خطرا وينذر بحرب
أهلية"، مرجعا ذلك أساسا إلى "الاحتلال وما افرزه
من منهج سياسي يقوم على أساس الطائفية السياسية،
وأدى لاصطفافات وشحن طائفي واثني".
ولا يتردد المؤيد من التحذير من الدور والتدخل
الإيرانيين في العراق، ويصف هذا التدخل بأنه "غير
ايجابي", ويوضح ان "النظام الإيراني له مشروع
قومي, وليس له مشروع إسلامي أو مذهبي عام, وان
اتخذ من الإسلام والمذهب أدوات لتسويق مشروعه
لإيجاد مواطئ قدم ونفوذ له في العالم العربي
والإسلامي".
وزاد ان المصلحة القومية الإيرانية "لا تنسجم مع
المصالح الوطنية العراقية، ولا مع المصلحة العربية
العامة".
ويفرق المؤيد بين المقاومة العراقية المشروعة
للاحتلال وبين الاعتداء على المدنيين، الذي يصفه
بـ"الإجرام". كما يدعو الى حل الميلشيات المختلفة
في العراق بما فيها "البشمركة" الكردية، والتي
"تعتبر عاملا لعدم الاستقرار".
وأفتى المرجع الشيعي المؤيد بـ"تحريم وعدم جواز
التعرض والاعتداء على الفلسطينيين في العراق"،
والذين يتعرضون منذ اشهر لاعتداءات وعمليات قتل
وتصفية وتهجير من قبل ميليشيات عراقية.
وفيما يلي نص الحوار:
* ثمة قلق حاليا وتحذيرات من احتمالية تدهور
الأوضاع الداخلية العراقية إلى مرحلة الحرب
الأهلية. كيف ترى ذلك؟
- المؤيد: لا شك ان القلق على الوضع العراقي أمر
مبرر، بل لا يمكن لعاقل له فهم سياسي ألا ان يقلق،
لعدة أبعاد: الأول ان العراق افترض ان يكون بداية
لاستراتيجية تغييرية جديدة للولايات المتحدة،
تحاول من خلالها فرض هيمنتها، لا على المنطقة فقط
بل وعلى العالم بأسره.
وبالتالي فإن التغييرات التي حدثت في العراق لا بد
ان تكون مقلقة لكل دول المنطقة، لأنها ستطالهم.
الثاني ان العراق ليس بلدا هامشيا في العالم
العربي والإسلامي، وإنما يمثل مركز الثقل
الاستراتيجي في المنطقة، والتداعيات فيه تنعكس،
بكل محاورها ومفرداتها على الوضع العربي والإسلامي
والدولي.
المشكلة بدأت من الاحتلال، ومن المنهج السياسي
الذي افرزه واقع الاحتلال. وقد افرز منهجا سياسيا
يقوم على أساس الطائفية السياسية، ما أوجد داخل
المجتمع العراقي اصطفافا وتخندقا وشحنا طائفيا
واثنيا، وأدى لوضع خطر ينذر بحرب اهلية.
* هل انت قلق لهذا الحد على الرغم من دعوات
المراجع الدينية الشيعية والسنية بعدم الانجرار
للحرب الاهلية؟
- المؤيد: نعم، اعتقد ان المشكلة في العراق أعمق
من ان تعالج بمجرد الدعوات والبيانات والمواقف
الاعلامية، لا بد ان تعالج جذريا، وعدم التركيز
فقط على النتائج، بل وان يمتد الى الاسباب.
* هل تقصد بالأسباب الجذرية الاحتلال؟
- المؤيد: الاحتلال سبب مهم. وأيضا إقامة العملية
السياسية على أساس محاصصات طائفية وإثنية. الشحن
والاصطفاف الطائفي والاثني. الدستور العراقي لا
يمثل وثيقة الوفاق الوطني للأمة العراقية، ولم
يستطع أن يكتسب ثقة الأكثرية الساحقة من الشعب
العراقي، وهذا يعني بقاء الثغرة الكبيرة في إي
عجلة سياسية لأن كل مؤسسات الدولة تقوم على أساس
القاعدة التي بنيت من خلال الدستور، وإذا كان هذا
الدستور لم يجسد حالة الوفاق الوطني فإن كل ما
يبنى عليه سوف لن يجلب الاستقرار السياسي أو
الأمني.
القوى السياسية الموجودة في العراق هي قوى عليها
الكثير من الملاحظات، التدخل الدولي والإقليمي في
العراق لم ينقطع لذلك فإن المشاكل ستبقى موجودة.
* ماذا تقصد بالتدخل الإقليمي في العراق؟ وألا ترى
ان التدخل الإيراني في العراق يزيد ويغذي من الشحن
الطائفي؟
- المؤيد: لا يمكن لأحد أن ينكر التدخل الإيراني
داخل العراق، حتى الإيرانيون أنفسهم لا ينكرون ذلك
ويبررونه، ويمكن ان يقال ان اللاعب الأوفر حظا في
العراق هو ايران. والمشكلة تكمن في ان الدور
الإيراني في العراق والمنطقة العربية لا يمكن بأي
حال من الأحوال أن أصفه بأنه دور ايجابي، لأن
النظام الإيراني له مشروع قومي، وليس له مشروع
إسلامي عام، ولا مشروع مذهبي عام، وانما له مشروع
قومي ايراني يتخذ من الإسلام والمذهب ادوات لتسويق
هذا المشروع، ولإيجاد مواطئ قدم ونفوذ له في
العالم العربي والاسلامي ودوليا. الورقة الاسلامية
والمذهبية ما هي الا ورقة يلعبها النظام الايراني
لتحقيق المصلحة القومية الايرانية، وهذه المصلحة
بالأساس في دوافعها ومنهجها لا تنسجم مع المصالح
الوطنية العراقية، ولا مع المصلحة العربية العامة.
* لكن ثمة مراجع دينية وقوى سياسية عراقية،
وتحديدا شيعية, تؤيد بقوة هذا التدخل الإيراني..
فهل ثمة خلاف بينكم كمراجع دينية شيعية على هذا
الدور؟
- المؤيد: هذه القوى التي تشير اليها قوى التقت
مصالحها مع إيران، هذا اقل ما نقوله فيها، لذا فهي
حريصة على رعاية مصالحها، وبالتالي تسعى لمثل هذا
الدور الإيراني.
اما نحن، كخط عروبي وحدوي يريد ان لا ينفصل عن
عمقه العربي الاستراتيجي ويؤمن بوحدة المسلمين
كمنهج، لا شعارا فقط، ويجسد الحالة الوطنية،
ولدينا برنامجنا السياسي الوطني، فنحن نعتقد ان لا
مصلحة للعراقيين في المشروع الإيراني وفي التدخل
الإيراني.
* هل تعتقد ان هذا المشروع الإيراني يهدد حاليا
عروبة العراق جديا؟
- المؤيد: لا شك. يهدد عروبة العراق. ويهدد عروبة
المنطقة أيضا.
* ما هي هذه التهديدات بشكل محدد؟
- المؤيد: ايران تسعى لأن تكون القوة الاقليمية
الاولى الكبرى، والحس القومي الايراني هو حس
استعلائي، ولا ينظر للعرب اساسا باحترام وبالتالي
يحاول فرض هيمنته السياسية على المنطقة. ومن
الواضح ان ذلك ليس في صالح النهج العروبي، او في
مصلحة العرب، كما ان استخدام النظام الايراني لبعض
الاوراق، لا سيما الورقة المذهبية، يضر بوحدة
المسلمين بحسب ما نعتقد.
* تتعالى الاصوات حاليا في العراق لحل الميليشيات
والاجنحة العسكرية للقوى السياسية، مع وجود رفض
شديد من قبل الاكراد لحل البشمركة الكردية. ماذا
تقول في ذلك؟
- المؤيد: حل الميليشيات مطلبنا منذ اليوم الاول.
ونعتقد ان وجودها يعني ايجاد دولة داخل دولة، ولا
يمكن لهذه الميليشيات ان تنمو الا في ظل غياب
الدولة والحضور الفاعل والحقيقي لأجهزة الدولة،
نؤمن بان الاستقرار والامن لا بد ان يتم عبر اجهزة
الدولة.
واما البشمركة، فنحن نعتبرهم ميليشيا. وعدم اعتبار
الحزبان الكرديان للبشمركة ميليشيا فهو لأن هذين
الحزبين يتعاملان من موقع تجسيد واقع الكونفدرالية.
فهما يعتبران ان ميليشياتهم جيش دولة كردستان.
وهذا ما نرفضه رفضاً قاطعاً. لأننا لا نرى ان هناك
مصلحة للعراق، لا في الكونفدرالية، ولا في
الفيدرالية بالشكل الذي يطرحه هؤلاء.
* لكن الاكراد يطالبون بحقوق ثقافية واجتماعية
وحتى سياسية؟
- المؤيد: نعم، نحن نؤمن ان للشعب الكردي، الذي هو
شعب تعايش معنا منذ التاريخ الموغل في القدم
حقوقا. ولا توجد مشكلة بيننا وبينهم. وهناك اواصر
ووشائج قوية اجتماعية واقتصادية بين العرب
والأكراد إضافة للوشيجة الدينية وهي الاهم.
للشعب الكردي الحق في ان يكون له حكم ذاتي, اما
تطوير هذه الآلية الى شيء اشبه بالكونفدرالية فهذا
ما نرفضه تماماً، ولا نعتقد انه في مصلحة الشعب
الكردي.
* لكن كيف يمكن نزع اسلحة هذه الميلشيات مع ان
اصحابها هم من يسيطرون على الحكم الآن؟ وما هي
الآلية لنزعها؟
- المؤيد: هناك عدة آليات، منها تقوية نفوذ القوى
الوطنية داخل العراق، وان يكون لها حضورها الحقيقي
في رسم المستقبل السياسي للعراق. خروج المحتل
سيكون مؤثراً جداً في هذه القضية. وكذلك، ووفقاً
للواقع الحالي فإن ضغط المحتل يمكن ان يكون مفيداً
في هذا الاتجاه.
* من خلال معايشتك للواقع العراقي، ما هي ابرز
ممارسات الميليشيات التي تضر بالوحدة الوطنية
والاستقرار. ما هو اخطرها؟
- المؤيد: اصلاً، وجود ميليشيا تابعة لقوى سياسية.
وخارجة عن نطاق وسيطرة اجهزة الدولة يجعل الوضع
العام هشا. وتعتبر عاملاً لعدم الاستقرار.
وبالتالي يشكل حالة قلقة داخل المجتمع العراقي.
* حدد لنا بعض الممارسات؟
- المؤيد: هذه القوى السياسية تحاول ان تفرض
وجودها وهيمنتها السياسية من خلال هذه الميليشيات.
وهي متهمة الآن بأعمال قتل وتصفية وتجاوزات
واعتداءات على اموال وأعراض وأنفس.
* هل من ضمن ذلك، ما يقال انه ميليشيات تتبع وزارة
الداخلية العراقي؟ وانها ارتكبت عمليات خطف او
قتل؟
- المؤيد: هذا ما يقال.
* هل تأكدتم من ذلك؟
- المؤيد: هناك شيء من هذا القبيل. ولكن حدود هذه
القضية بحاجة لتحقيق.
* في هذا السياق. وبخصوص ما يتعرض له الفلسطينيون
في العراق من اعتداءات وقتل. من يقف وراء ذلك
برايكم. هل هي ميليشيات او من قبل قوى نظامية؟
- المؤيد: نحن اساساً ندين اي استهداف يطال اخوتنا
الفلسطينيين الابرياء المقيمين في العراق. ونحن
بناء على الإيديولوجية التي نتبناها، لا نفرق بين
عراقي وفلسطيني، سواء على قاعدة العروبة او على
قاعدة الاسلام. ولهذا فنحن نعتبر الفلسطينيين في
العراق ابناءنا.
هناك اعتداءات حصلت بحقهم، اتهمت بها ميليشات،
واتهمت بها قوى تابعة لبعض أجهزة الدولة. لا املك
المعلومات التفصيلية الوافية حول هذه القضية، ولكن
اي اعتداء يصدر وأي كان مصدره على الفلسطينيين
الامنين هو مدان.
* ما الذي تستطيعه أنت كمرجع ديني، لك وزنك ومقامك
لوقف مثل هذه الاعتداءات؟
- المؤيد: موقفنا السياسي له تأثيره. فتاوانا
الدينية تصب في هذا الاتجاه.
* هل أصدرتم فتوى بتجريم الاعتداء على
الفلسطينيين؟
- المؤيد: نعم.
* ما هو منطوق هذه الفتوى؟
- المؤيد: انه لا يجوز الاعتداء على الأبرياء
والآمنين، وعلى من لا يمارس إي عمل من شأنه
الإخلال بالأمن. ولا يجوز الاعتداء على إنسان
بريء.
* هل حاولت التنسيق مع المراجع الدينية الشيعية
الأخرى لاصدار فتوى موحدة ضد هذه الاعتداءات؟
- المؤيد: في الوضع الشائك في العراق حالياً، ليس
من العملي التنسيق في كل المجالات.
* في موضوع آخر, التحليلات تشير إلى ان مقاومة
الاحتلال الآن سنية الطابع، وان الشيعة العراقيين
لا علاقة لهم بمقاومة الاحتلال. هل تؤيد ذلك، وكيف
تفسره؟
- المؤيد: لا نستطيع ان نقول ان هناك عراقياً
مؤمنا بعراقيته يمكن ان يؤيد الاحتلال. ولهذا رفض
الاحتلال هو السمة العامة للعراقيين. وان كانت
هنالك قوى سياسية وجدت ان مصلحتها تلتقي مع مصلحة
الاحتلال فهذا لا يعني ان هذا هو رأي القاعدة
الشعبية الواسعة في العراق.
اما المقاومة العسكرية، فلكي يقوم بها الشعب فلا
بد ان يندفع من خلال قوى سياسية ودينية مؤثرة في
أوساط هذا الشعب، تمتلك القرار وتملك الطاعة لمثل
هذه القرارات. الموقف الذي اتخذته المحاور الدينية
والسياسية الشيعية هو ما اسمته بالمقاومة السياسية
وليس المقاومة العسكرية. هذا هو السبب الرئيسي
الذي جعل ظاهرة المقاومة العسكرية محدودة في
الاوساط الشيعية.
ومع ذلك، هناك في اوساط المقاومة العسكرية شيعة
يعملون الى جانب اخوانهم السنة، وينفذون عمليات في
محافظات جنوبية.
* ثمة اشكالية باتت تخلط بين المقاومة المشروعة
للاحتلال والارهاب، وثمة تعميما، ما رأيك.؟
- المؤيد: لا اريد الدخول في تفاصيل المفردات. لكن
اقول بشكل واضح وحاسم. الاعمال التي تطال
الاحتلال، وتتركز على ضرب المحتل من اجل انهاء
وجوده العسكري في العراق هي مقاومة، ولا يمكن ان
توصف بالارهاب.
واما الاعمال التي تطال المدنيين والابرياء، ومن
لا علاقة له بالاحتلال فهذه اعمال اجرامية مرفوضة.
* ما هو موقفك من الخلاف داخل العراق حول الموقف
من انسحاب الاحتلال، البعض يطالب بالانسحاب فورا،
وآخرون يرون ضرورة جدولة الانسحاب؟
- المؤيد: انا كنت في طليعة الداعين لجدولة انسحاب
الاحتلال. ولعلي كنت اول من دعا لذلك.
اي استقرار في العراق لن يتم الا من خلال عدة امور،
منها وضع جدول زمني لانسحاب القوات المحتلة. وان
يكون هذا الجدول الزمني مسندا بضمانات دولية،
ومنسجما مع تطلعات الشعب العراقي في التخلص مع
الاحتلال.
* أنت جئت الى عمان لحضور مؤتمر الوفاق والاتفاق
الإسلامي للقيادات الدينية العراقية، الذي تم
تأجيله. ما هو تقييمك لهذه الخطوة الاردنية؟
- المؤيد: هذه الخطوة كنا نتطلع اليها منذ مدة
طويلة بعد الاحتلال. فنحن نؤمن بضرورة الحضور
العربي، وفي ان يكون للدول العربية دور ايجابي
لمصلحة الشعب العراقي. ونعتقد ان ضعف الدور العربي
ادى لاختلال التوازن السياسي داخل العراق.
والاردن على وجه التحديد، يمثل عمقا استراتيجيا
وحقيقيا للعراق. وجلالة الملك حقيقة والاسرة
الملكية الهاشمية قريبة جدا من نفوس الشعب
العراقي، بشيعتهم وسنتهم. انتماء الاسرة الهاشمية
الى آل البيت من ناحية النسب، وانتمائها للمذهب
السني مذهبيا يجعلها قاسما مشتركا بين الشيعة
والسنة. وبالتالي يمكن ان تلعب دورا ايجابيا كبيرا
في الوسط العراقي، شيعة وسنة.
وجاءت هذه المبادرة في الوقت المناسب، لتضع حدا
لدوامة العنف، ولتخطو خطوة من اجل ايجاد تفاهم بين
كل فئات ومكونات الشعب العراقي.