الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور
 

الأبحاث والدراسات

معالم التغيير المجتمعي في الإسلام

نص البحث الذي قدمه الإمام المؤيد مشاركة منه في مؤتمر مكة المكرمة الثالث عشر المنعقد في الفترة بين 4-6 ذي الحجة الحرام لسنة 1433 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم السلام على سيدنا و نبينا و إمامنا المصطفى محمد و على آله و صحبه أجمعين

شهدت المجتمعات البشرية على مرِّ التاريخ تحولات متنوعة طاولت مختلف أنماط الحياة بهدف تغيير الواقع المعاش . و قد تفاوتت أنواع التغيير المجتمعي سواء في طبيعة ذلك التغيير من حيث هو تغيير جذريٌّ شامل , أو تغيير يقتصر على بعض الحالات و الأنماط , و على النوع الثاني هل هو تغيير جوهري أو مجرد عملية إصلاحية محدودة . و كذلك تفاوتت أنواع التغيير من حيث هدف التغيير و وجهته , أو الفكر التغييري , أو الجهة أو الشخص الذي يقود التغيير و يديره .
لا شك في أن الدين الإسلامي الحنيف قاد عملية تغييرية للواقع تتصدر كل ثورات التغيير المجتمعي تاريخيا سواء تلك التي أحدثتها أديان سماوية و قادها أنبياء و رسل عظام , أو تلك التي حدثت بفعل الحراك المجتمعي و بقيادة زعامات ثورية و إصلاحية .
و نحن في هذه المقالة نريد أن نستكشف معالم التغيير الذي حققه الإسلام و قاده نبي الإسلام الرسول المصطفى محمد صلوات الله و سلامه عليه , فتتضح أوجه المقارنة بين التغيير الرباني و التغيير المنفصل عن السماء , و تتجلى الدروس الملهمة للدعاة و المصلحين الذين يمارسون عملية التغيير في المجتمع أو يعنَون بها .
و من نافلة القول التأكيد على أن التغيير المجتمعي الذي نقصده في هذه المقالة هو الممارسة التغييرية التي تعبِّر عن جهد إنساني هادف في المجتمع يطاول أنماطا فكرية و سلوكية بهدف تغييرها , و ليس الحراك المجتمعي من زاوية سنن التغيير و قوانين حركة المجتمعات , فذلك حقل آخر يحتاج الى دراسة من نوع آخر .
و نأتي الآن الى التغيير المجتمعي الذي قاده الإسلام , حيث يقف الباحث على مجموعة من الملامح و المعالم الرئيسة التي تستحق التأمل و التفكير و هي تعتبر من مميزات التغيير الرباني , و من أهم عوامل نجاحه و تفوقه , و هي :-
1 - إن التغيير المجتمعي الذي حققه الإسلام هو تغيير جذريّ شامل يغوص في عمق الحياة الإنسانية و يستوعب تفاصيلها , و ليس تغييرا مقطعيا أو سطحيا . و هو يعبِّر عن شمولية الدين الإسلامي و استيعابه لكل جوانب الحياة الإنسانية . فقد جاء الإسلام بمنظومة متكاملة تغطي كافة جوانب العقيدة و السلوك , و تحمل تصورا شاملا عن الكون و الحياة . و الإسلام مع أنه قاد ثورة كبرى ضد الشرك و الوثنية , و عمل على تحرير الإنسان من كل ألوان العبودية لغير الله عزَّ و جلّ , و أقام حياة الإنسان فردا و جماعة على أساس توحيد الألوهية و العبادة , إلا أن التغيير الذي جاء به الإسلام لم يقتصر على هذا الجانب العقائدي , و إنما غطى كافة الجوانب التي تتصل بالفكر و السلوك , من خلال المفاهيم الإسلامية التي تصوغ فكر الإنسان , و تعطيه الرؤية المستمدة من السماء للكون و الحياة , و من خلال التوجيهات و التشريعات التي توجِّه السلوك الإنساني و تضبط مساراته في الحياة الدنيا . و بهذا استطاع الإسلام أن يقلب حياة الناس من حياة جاهلية فاسدة فكريا و سلوكيا , الى حياة ربانية , و أقام المجتمع الرباني الذي كان طليعته جيل الصحابة الأبرار الذين عاشوا ذلك التغيير الجذري فكانوا تلامذة القرآن الكريم و الرسول العظيم , و حملوا راية التغيير الى آفاق الأرض .
و هكذا نجد أن التغيير الذي قاده الإسلام لم يكن تغييرا سطحيا , و لا تغييرا محدودا , و إنما كان تغييرا جذريا شاملا و جوهريا لكل جوانب الحياة الإنسانية .
2 - يقوم التغيير المجتمعي في الإسلام على أساس قاعدة آيديولوجية راسخة , فالإسلام لم يعالج أمراض المجتمع بوصفة تقتصر على المرض نفسه , و إنما ربط علاجه للواقع الفاسد بالرؤية الكونية , أي بالتصور العام عن الكون و الحياة , بخلاف كثير من الدعوات و الحركات الإصلاحية التي شهدها العالم في تاريخه , فإنها كانت تقتصر على الجانب الفاسد الذي تدعو الى إصلاحه , و تقدم رؤيتها الإصلاحية لذلك الجانب . بينما نجد أن الإسلام يربط إصلاح الجوانب الفاسدة في حياة الإنسان بالتصور الذي يقدمه عن الكون و الحياة , فيعطي لعملية التغيير و الإصلاح عمقا و أفقا واسعا , و يجعلها أبلغ في التأثير , و أقدر على التغيير . و الأمثلة كثيرة على ذلك منها ما ورد في سورة المطففين , فقد تحدّث القرآن الكريم عن واقع التطفيف و أدانه و نهى عن التطفيف , لكنه ربط دعوته الإصلاحية لهذا الواقع الفاسد بالتصور العام الذي يحمله الإسلام من خلال ذكره لليوم الآخر و الجزاء الأخروي على العمل . قال تعالى : ( ويل للمطففين . الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون . و إذا كالوهم أو وزنوهم يُخسِرون . ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون . ليوم عظيم . يوم يقوم الناس لرب العالمين ) . و حينما ينهى القرآن الكريم عن الربا و تنزل آياته لمعالجة هذا الجانب الفاسد الذي يعاني منه المجتمع يقول : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ) , فهو يربط الأمر بترك الربا بتقوى الله تعالى من جهة , و بالإيمان نفسه من جهة أخرى , إنطلاقا من أن حقيقة الإسلام هي الإنقياد لله تعالى في كل ما يريد , و لا تتحقق حقيقة الإيمان إلا بذلك الإنقياد , فالله تعالى هو الذي له الأمر و الحكم , و الإيمان بالله تعالى و بدينه يستلزم الخضوع و الطاعة له فيما يأمر و ينهى .
و من ثَم نجد الفرق بين التغيير الرباني و التغيير البشري المنفصل عن السماء , فالتغيير الرباني يقوم على قاعدة آيديولوجية ترتبط بها عملية التغيير في أي جانب من جوانبها , و لا تنفصل فيها الرؤية الإصلاحية للواقع الفاسد عن التصور العام للكون و الحياة , فتأتي الرؤية الإصلاحية عميقة واسعة الأفق , تعطي للدعوة الإصلاحية و للعملية التغييرية قيمة تفتقدها الدعوات المجردة عنها , و هذا هو الذي ضمن تفوق الإصلاح الرباني على طول الخط على الإصلاحات البشرية المنفصلة عن السماء التي لا تمتلك ذلك البعد و لا تلك القوة التأثيرية و لا تلك الإستمرارية .
3 - يبدأ الإسلام عمليته التغييرية من داخل كيان الإنسان نفسه , فهو ينطلق من مخاطبة عقل الإنسان , و تهذيب نفسه , و تطهير المحتوى الداخلي للإنسان , و يربط بين التغيير الداخلي و التغيير على أرض الواقع , و بهذا تكون العملية التغييرية ناجحة كل النجاح , و موفقة في بلوغ هدفها , ذلك أن التغيير إذا لم يمس الكيان الإنساني من الداخل , فإنه يتحول إما الى نصائح لا تمتلك ضمانة التنفيذ , أو الى قانون مفروض يستجيب له الناس بقوة السلطة , بينما إذا كان منطلقا من التأثير على الناس و إقناعهم , و عبر إيجاد الإنسجام الفكري و الروحي مع العملية التغييرية فإنه سوف يحقق الإنسيابية في التغيير , و يوجِد الدافع لدى المجتمع في قبول التغيير بل تبَنِّيه .
مضافا الى أن قيمة التغيير ليست في تغيير الشكل , و إنما في تغيير المضمون , و لا يتغير المضمون إلا إذا تغيَّر المحتوى الداخلي للإنسان .
إن لتغيير المحتوى الداخلي للإنسان أثرا كبيرا في بناء الحضارات , فالصرح الحضاري لا يشاد إلا بالإنسان , و لن يستطيع الإنسان النهوض بالبناء الحضاري كما ينبغي إلا إذا كان منسجما من داخل كيانه مع عملية البناء و متفاعلا معها و مقتنعا بها , و من ثَم كان تغيير المحتوى الداخلي للإنسان أمرا ضروريا لبناء الحضارة .
و لهذا نجد النجاح المنقطع النظير الذي حققه الإسلام في أقصر فترة زمنية , فقد استطاع الرسول الأكرم صلوات الله و سلامه عليه في مدة زمنية قصيرة جدا في عمر التاريخ و حركة المجتمعات أن يبني جيلا حضاريا ربانيا استطاع أن يؤسس للحضارة الإسلامية , لأن التغيير قد انطلق من المحتوى الداخلي للإنسان , فتبدلت عنده المفاهيم و التصورات , و تغيرت نظرته للكون و الحياة و الأشياء , و صيغ عقله كما صيغت نفسه على قيم الرسالة و مقاصدها السامية .
لقد شهد التاريخ أعظم ثورة تغييرية للمحتوى الداخلي للإنسان على يد الإسلام , فانظر بربك الى جيل الصحابة الأبرار من السابقين الأولين من المهاجرين و الأنصار و من تبعهم بإحسان , كيف كانت تصوراتهم في الجاهلية , و كيف صارت بعد الإسلام فصاروا خير أمة أخرجت للناس , و صاروا الأمة الوسط الشاهدة على الأمم , و ضربوا أروع الأمثلة التي طأطأت أمامها البشرية , و الشواهد على ذلك كثيرة و كثيرة جدا . لقد كان العرب في الجاهلية على هامش صناعة التاريخ , فصاروا بالإسلام صناع التاريخ , هؤلاء الذين قال فيهم يزدجرد في حواره مع النعمان بن مقرن رضي الله تعالى عنه : ( إني لا أعلم أمة في الأرض كانت أشقى و لا أقل عددا و لا أسوء ذات بين منكم فقد كنا نوكل لكم قرى الضواحي فيكفونا أمركم و لا تطمعون أن تقوموا لفارس ) , أقول هؤلاء أنفسهم هم الذين هزموا الفرس و أسقطوا امبراطوريتهم مع اختلال ميزان القوى عسكريا لصالح الفرس , لكن هذا الجيل الطاهر كان متفوقا بسلاح من نوع آخر فهو الجيل الرباني الذي تغير محتواه الداخلي بالإسلام , فصاغ الإسلام فكره و روحه , فارتفع و سما , فعنت له الدنيا . لنقرأ فكر هذا الجيل في مقالة ربعي بن عامر رضي الله تعالى عنه لرستم حين سأله : ما جاء بكم ؟ فقال له : ( الله جاء بنا و هو بعثنا لنُخرج مَن شاء مِن عبادة العباد الى عبادة الله و مِن ضيق الدنيا الى سعتها و مِن جور الأديان الى عدل الإسلام ) . بهذا المحتوى الداخلي أسقط المسلمون امبراطورية ساسان بعد أن كانوا كما قال يزدجرد : كنا نوكل لكم قرى الضواحي فيكفونا أمركم و لا تطمعون أن تقوموا لفارس . و شاهد آخر من معارك المسلمين مع الروم أيام خلافة سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه , فقد طلب أحد أبرز قادة جيش الروم أن يبرز اليه خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه ليفاوضه , فقال لخالد : إنا علمنا أن ما أخرجكم من بلادكم الجَهد و الجوع فهلموا الى أن أعطي كل رجل منكم عشرة دنانير و كسوة و طعاما و ترجعون الى بلادكم فإذا كان العام المقبل بعثنا لكم بمثلها . فقال له خالد رضي الله تعالى عنه : إنه لم يُخرجنا من بلادنا ما ذكرت غير أنا قوم نشرب الدماء و أنه بلغنا أنه لا دم أطيب من دم الروم فجئنا لذلك . لقد كان قائد جيش الروم لا يزال يحمل عن العرب تصوراته السابقة حينما كانوا يغزون من أجل المال و لو كان قليلا و من أجل الغنيمة و لو كانت يسيرة , و لم يعرف أن هؤلاء القوم قد أحياهم الإسلام بعد موتهم فحملوا قيمه الرسالية السامية , و تبدلت مقاصدهم و غاياتهم فعرَض على خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه ذلك العَرض المادي الذي يحمل معه نظرة الإحتقار , الأمر الذي قابله سيدنا خالد - بحق - بسخرية لاذعة هي الجواب المناسب على العَرض المزري لقائد جيش الروم , كيف لا و قد صاغ الإسلام فكر خالد و روحه , نقرأ ذلك من خطابه للمسلمين في الشام قال : ( أما بعد فإني أسأل الله الذي أعزنا بالإسلام و شرفنا بدينه و أكرمنا بنبيه محمد صلى الله عليه و سلم و فضلنا بالإيمان رحمة من ربنا واسعة و نعمة منه علينا سابغة أن يُتم ما بنا و بكم من نعمته ...) . بهذا المحتوى الداخلي تمكن المسلمون من هزيمة الروم . و قد اعترف الروم لهم بذلك , فلما قدمت فلول جيش الروم على هرقل بعد هزيمتها في اليرموك قال لهم هرقل : ويلكم أخبروني عن هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم أليسوا بشرا مثلكم ؟ قالوا : بلى , قال : فأنتم أكثر أم هم ؟ قالوا : بل نحن أكثر منهم أضعافا في كل موطن . قال : فما بالكم تنهزمون ؟ فقال شيخ من عظمائهم : من أجل أنهم يقومون الليل و يصومون النهار و يُوفون بالعهد و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يتناصفون بينهم , و من أجل أنا نشرب الخمر و نزني و نركب الحرام و ننقض العهد و نغضب و نظلم و نأمر بالسخط و ننهى عما يرضي الله و نفسد في الأرض . فقال هرقل : أنت صدقتني .
4 - العملية التغييرية الربانية هي عملية إصلاحية ترتفع بالمجتمع الى أعلى , و لا تجره الى انتكاسة . فكم شهدت المجتمعات البشرية تغييرات حملت شعارات براقة , و أعطت وعودا مغرية , لكنها فشلت في الممارسة , و لم تكن عند وعودها , و يعزى ذلك الى عوامل عديدة منها عدم صدق دعاتها , أو خلل برنامجها , أو انحرافها عن خطها , أو مساومتها على مبادئها , الأمر الذي أدى إما الى توقفها عن الإصلاح , أو انتكاستها , و ربما بلغت انتكاستها حد الكارثة على المجتمع . بينما التغيير الرباني بحكم كونه ربانيا ملتزما بمعايير الدين و قيمه , فإنه يستمر في الإصلاح و لا ينتكس , و لا يتوقف عن الإصلاح , و يبقى يقف ضد تفشي الفساد في الأرض , فهو يتحرك في خطين متوازيين , خطٍ يعالج حالات الفساد في المجتمع , و خطٍ يمنع من وجود الفساد و يسد أبوابه , فهو ينهى عن المنكر و يمنع من وقوعه في الوقت نفسه .
ليس للعملية التغييرية الربانية سقف تقف عنده , و إنما هي عملية تكاملية مستمرة , فالإسلام يريد لحياة الإنسان أن تستمر في خط التكامل , و هو خط متصل ( يا أيها الإنسان إنك كادح الى ربك كدحا فملاقيه ) . فالمسيرة البشرية يجب أن تتجه نحو التكامل , و بالتالي لا بد أن تشهد هذه المسيرة حركة دائبة نحو الإصلاح و الوقوف بوجه الفساد في الأرض .
5 - الإنسان في التصور الإسلامي هو محور التغيير , و هو هدف التغيير , و هو صانع التغيير , فهو العامل الرئيس في التغيير , و حركة التغيير بشقيها الإيجابي و السلبي هي حركة تخضع لإرادة الإنسان . بينما تذهب بعض الإتجاهات في الغرب متأثرة بمدارس الفكر الغربي الى جبرية تاريخية ترى حركة المجتمعات نحو التغيير حركة قسرية بفعل عوامل مفروضة على الإنسان , و هذا ما نجده في التفسير الماركسي للتغيير المجتمعي , و كذلك في التفسير الوجودي . إلا أن الإسلام يعتبر الإنسان هو العامل الرئيس في التغيير فهو صانع التغيير بشقيه الإيجابي و السلبي , و أن التغيير يتجه حسب اختيار المجتمع , فالواقع الفاسد هو من صنع الإنسان , و الخروج من الواقع الفاسد يتحقق بنهوض الإنسان نفسه , ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) , ( ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) .
6 - الإسلام في دعوته و ممارسته للتغيير دين واقعي و عملي و ليس طوباويا , فهو يأخذ بالأسباب , و يأخذ بنظر الإعتبار العوامل المؤثرة و الملابسات المحيطة , و لا يجمد على شكل خاص , أو أسلوب معين , و إنما يرسم الخطوط العريضة , و يحدد المباديء , و يترك لتفاصيل الحياة و المصالح الوقتية دورها في تحديد الشكل المناسب . و العملية التغييرية الربانية تسير مع سنن الله في الأرض , و لا تتعاكس معها سواء على مستوى الفطرة , أو على مستوى قوانين الحركة المجتمعية التي وضعها الله تعالى , ذلك أن التغيير الرباني منضبط بتعاليم الشرع و هي من عند الله تعالى , و سنن الله في الأرض هي من عند الله تعالى , فلا تتعاكس التعاليم الربانية مع السنن الربانية , فمصدرها جميعا هو الله تعالى المدبر الحكيم المحيط . بينما نجد أن كثيرا من الحركات التغييرية تعاكست مع الفطرة و مع سنن الله تعالى في عباده , فكان إثمها أكبر من نفعها .
7 - العملية التغييرية الربانية هي مضافا الى كونها هادفة و رسالية , هي عملية ملتزمة بضوابط الشرع و تعاليمه و أخلاقياته , لا تكون الغاية فيها مبررة للوسائل غير الشرعية و غير الأخلاقية , التي تسقط التغيير , و تفرِّغ العملية التغييرية من محتواها , فالإصلاح لا يتحقق بالوسائل الفاسدة , فتلك مفارقة ينأى الإسلام بنفسه عنها , بينما نجد تورط كثير من حركات التغيير و ما يسمى بالإصلاح في ذلك , الأمر الذي أسقطها في نفوس الناس و عزلها عن التأثير الإيجابي . إن من أهم شروط العملية التغييرية الهادفة أن تحتفظ بنقائها و قدسيتها في نفوس الناس , و إلا لم تعُد عملية هادفة و لا تتصف بالرسالية .
8 - سلامة القيادة و الإدارة من مميزات العملية التغييرية في الإسلام , فالإصلاح يجب أن يقاد و يدار من قبل مصلحين حقيقيين يتصفون بالعلم و الوعي و التقوى و الورع و الكفاءة , و إلا فإن تولي غير الصالحين لعملية الإصلاح يجعلها في معرض الإنحراف , علاوة على أن قيادة الإصلاح ليست مكانا مناسبا إلا للصالحين لا سيما و أن الإصلاح يجب أن يكون رساليا هادفا ملتزما . لقد كان من أسباب فشل و انحراف الثورات التغييرية و الحركات الإصلاحية في تاريخ العالم عدم صلاح صلاحية زعماء التغيير و مديريه .
هذه هي أبرز المعالم و الملامح الرئيسة للتغيير المجتمعي في الإسلام أردنا عرضها في هذه المقالة لتكون مادة للبحث و الدراسة المعمقة و الموسعة و بالله التوفيق عليه توكلت و إليه أنيب .

الشيخ حسين المؤيد
28 ذو القعدة الحرام 1433 هجري

السابق

Twitter Facebook قناة الشيخ حسين المؤيد في اليوتيوب google + البريد الالكتروني
almoia[email protected]

جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد

www.almoaiyad.com