الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور
 

الأبحاث والدراسات

 الأساس القرآني لتعظيم أمهات المؤمنين

البحث الذي ألقاه سماحة العلامة الشيخ حسين المؤيد في المؤتمر الثاني (السابقون الأولون ومكانتهم لدى المسلمين) الذي انعقد في الكويت للفترة من 20-22 كانون الأول 2011.

بسم الله الرحمن الرحيم

أعتقد أن على الباحث في موضوع تعظيم أمهات المؤمنين أن يؤصل قضية تعظيمهن رضي الله تعالى عنهن استنادا الى كتاب الله عز وجلّ لأكثر من اعتبار , فمن جهة لا شكّ في أن القرآن الكريم هو المرجعية الأصلية الأولى لمفاهيم الإسلام و تعاليمه , و هو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه , و إليه يرجع في قبول ما سواه , و عليه فإن الإستناد الى القرآن الكريم في تأصيل هذه القضية يعطي للقضية قيمة دينية و علمية عليا حيث لا يعلى على كتاب الله عزّ و جلّ , و يقطع لسان الجدل و العناد , و من جهة ثانية يسدّ الإستناد الى القرآن الكريم في هذه القضية باب التأويل فيما لو كان المستند للتعظيم مثلا فعل آل البيت عليهم السلام بدعوى أنه يرجع الى كرم أخلاقهم أو احترام النبي صلوات الله و سلامه عليه , لا سيما و قد حاول بعض من يتلفع بجلباب الإعتدال أن ينهج في هذه القضية فيجرّد تعظيم بعض أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن من مستنده الذي يفيد تعظيمهن لمنزلتهن و يقصره على مستند يقضي باحترام صلتهن بالنبي الأعظم صلوات الله و سلامه عليه , فلا يعطي لتعظيمهن قيمة ذاتية , و إنما يجعل احترامهن لسبب عرضي , و هو ما عبّر عنه بيت شعر من أرجوزة لأحد علماء الإمامية قال فيه : فيا حميرا سبّك محرّم لأجل عين ألف عين تكرم
و من هنا أريد في هذه المقالة أن أتناول الأساس القرآني لتعظيم أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن من خلال قراءة موضوعية واعية لآيات القرآن الكريم التي لها صلة بهذه القضية , لتكون هذه المقالة مادة لدراسة معمقة تترك أثرا حقيقيا في مقام العلم و العمل , و بالله التوفيق .
و لنبدأ باستعراض الآيات القرآنية الكريمة التي تفيد منزلة أمهات المؤمنين و ما يترتب على هذه المنزلة من آثار :-

1- قوله تعالى :- ( النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم و أزواجه أمهاتهم ) .
إن هذه الآية الكريمة تدلّ دلالة كبيرة و مهمة وذات قيمة على المكانة التي أرادها الله لزوجات النبي عليه الصلاة و السلام في الأمة الإسلامية , فجعلهن أمهات للمؤمنين , و المقصود بالمؤمنين عموم الذكور و الإناث , فهن أمهات المؤمنين و المؤمنات . و اختيار عنوان الأم يوحي بما يختزنه مفهوم الأمومة من معاني , و ما يبعثه من مشاعر , و ما يفرضه من برّ و احترام و نأي عن العقوق .
وليس صحيحا ما يقوله بعض المشاغبين من أن وصف زوجات النبي عليه الصلاة و السلام بأمهات المؤمنين إنما هو لبيان حرمة الزواج منهن فهن بمنزلة الأم التي يحرم نكاحها. إذ يرده أن حرمة نكاح زوجات النبي صلوات الله و سلامه عليه قد تكفلت ببيانه بنحو واضح آية أخرى هي قوله تعالى : ( و ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله و لا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما ) . مضافا الى أن عطف جملة ( و أزواجه أمهاتهم ) على جملة ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) و التي تكفلت ببيان منزلة النبي بالنسبة الى سائر المؤمنين , يعطي ظهورا لجملة ( و أزواجه أمهاتهم ) في أنها تبيّن منزلة أزواج النبي عليه الصلاة و السلام في الأمة .
و هكذا يتضح أن الآية الكريمة في مقام بيان التعظيم و ليس التحريم . و هكذا فهم منها السلف من الصحابة و الآل و التابعين , فكانت كنية أم المؤمنين لكل واحدة من زوجات رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم تدور على ألسنتهم تعظيما لهن و إجلالا .

2- قوله تعالى :- ( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن ) .
و هذه الآية الكريمة تعطي لنساء النبي منزلة خاصة مميزة لهن بالأصالة و مقاما تفضيليا على سائر النساء . و اشتراط التقوى لا يعني أن هذا التفضيل لحيثية التقوى , لأن الآية الكريمة فضّلت نساء النبي على سائر النساء بمن فيهن المتقيات , فيعلم من ذلك أن منزلتهن المشروطة بالتقوى هي منزلة تفضيلية خاصة لهن بحكم كونهن نساء النبي عليه الصلاة و السلام . و لا شك في أن للآية الكريمة معطى تربويا للناس يربيهم على التعامل مع نساء النبي على أساس هذه المنزلة التي يزرعها في الأذهان .

3- قوله تعالى :- ( و إن كنتن تردن الله و رسوله و الدار الآخرة فإن الله أعدّ للمحسنات منكن أجرا عظيما ) .
لقد خيّر رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم جميع زوجاته بين الحياة الدنيا و زينتها و بين الله و رسوله و الدار الآخرة فاخترن جميعهن الله و رسوله و الدار الآخرة و كانت على رأسهن سيدتنا عائشة رضي الله تعالى عنها و التي كان لها موقف تاريخي عظيم حيث بادرت الى اختيار الله و رسوله و الدار الآخرة زاهدة في الدنيا و زينتها عندما خيّرها النبي عليه الصلاة و السلام و قال لها استشيري أباك و أمك - حسبما جاء في الرواية المعتبرة فلم تتردد رضي الله عنها و أرضاها و رفضت أن تستشير مبادرة الى خيار الله و رسوله و الدار الآخرة , و قبل منها رسول الله ذلك و من كل نسائه اللواتي بادرن أيضا الى هذا الخيار على إثر السيدة عائشة رضي الله عنها و عنهن , و سيأتي في آية أخرى تزكية الله تعالى لهن فيما أعلن عنه من اختيارهن , كما أن إمساك النبي لهن و عدم تسريحه لأي منهن الى أن قبضه الله تعالى إليه دليل على أنهن صدقن من خلال سلوكهن فيما كنّ قد أعلنّه للنبي عليه الصلاة و السلام من اختيارهن .
و لا مجال لمشاغب أن يقول إن ( من ) في الآية الكريمة لما كانت للتبعيض فقد دلّت الآية على عدم شمولهن جميعا بالوعد بالأجر العظيم , إذ يردّه أن ( من ) سواء أكانت بيانية أو تبعيضية فإنها لا تدلّ على استثناء في نساء النبي من أصل المنزلة , أما إن كانت ( من ) بيانية فواضح , لأنهن - على هذا - كلهن محسنات و مشمولات بالوعد بالأجر العظيم , و أما إن كانت تبعيضية فبما أن وصف المحسنات قد جاء فرع اختيارهن لله و رسوله و الدار الآخرة و الذي هو مطلوب الله تعالى و مطلوب رسوله لذا فإن التبعيض حينئذ هو بلحاظ تفاضلهن حسب تفاضل عملهن في الطاعات و الصالحات والخيرات مع اشتراكهن في أصل المنزلة الطيبة , فللمحسنة التي أرادت الله و رسوله و الدار الآخرة درجة أعلى بإحسانها و تفاضلها بالإحسان , و إلا كيف يكون التبعيض استثناء فيمن اخترن الله و رسوله و الدار الآخرة و المفروض أن اختيارهن هذا هو تزكية لهن و قد زكين بهذا الإختيار .

4- قوله تعالى :- ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا ) .
فإن هذه الآية الكريمة دلّت على عناية إلهية بأهل البيت و إرادة إلهية خاصة متوجهة لهم لطهارتهم من الآثام و الدنس , و هي بذلك تدلّ على خصوصية لهم بحكم أنهم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم , و تدلّ على عالي منزلتهم و رفيع مكانتهم عليهم السلام . و هذا الخطاب إذا دققت فيه و قارنته مع ما ورد من خطابات للناس عموما و للمؤمنين خصوصا لوجدته مميزا عنها جميعا , حيث دلّ على عناية خاصة من الله تعالى لأهل بيت نبيه تقتضي نقائهم و نزاهتهم و نصاعة صفحتهم .
و هذه الآية شاملة لنساء النبي فهن داخلات في هذه الآية الكريمة كما يدخل فيها عليٌ و فاطمة و الحسن و الحسين . و القول بعدم شمولها لنساء النبي مخالف للظاهر , فمن جهة جاء هذا المقطع جزء من آية تخاطب نساء النبي , و لم يكن هذا المقطع آية برأسه فلا بد أن يكون مرتبطا بالآية التي هو جزء منها , و جاء في سياق مسبوق و ملحوق مباشرة بخطاب متجه الى نساء النبي , و من جهة أخرى و بحكم السياق جاء هذا المقطع تفريعا على مجموعة أوامر و نواه لنساء النبي في الآية نفسها و في سياق آيات متعلقة بنساء النبي تبين منزلتهن و تبعثهن على التقوى و الطاعة و تزجرهن عن المعصية , فجاء هذا المقطع في هذا السياق العام و الخاص و كأنه بمثابة التعليل لكل ما تقدمه من بيان المنزلة و البعث و الزجر و الأمر و النهي لتكون الحصيلة أن هناك عناية إلهية تقتضي طهارة نساء النبي من الدنس و الآثام و نقاء صفحتهم و نصاعتها . نعم إنما جاء التعبير بميم الجماعة في خصوص هذا المقطع بدلا من نون النسوة المتكرر في باقي الآيات قبله و بعده لأجل أن هذا المقطع لا يختص بنساء النبي لوحدهن , و إنما يعم عليا و فاطمة و الحسن و الحسين , و ليس لأجل عدم شموله لنساء النبي كما قد يتوهم .

5- قوله تعالى :- ( لا يحلّ لك النساء من بعد و لا أن تبدّل بهنّ من أزواج و لو أعجبك حسنهن ) .
فإن هذه الآية الكريمة قد منعت النبي عليه الصلاة و السلام من تبديل أيّ من زوجاته , و معنى ذلك أنه مأمور بإبقائهن جميعا في عصمته , فيكشف ذلك عن تزكية الله لهنّ جميعهن , و ارتضائه لهن زوجات لنبيه , و حيث أن هذه القضية هي على نحو القضية الخارجية في اصطلاح المناطقة , و بما أن الناهي عن التبديل هو الله الذي بيده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو , فإن الآية دالة على تزكيتهن حاضرا و مستقبلا , و على رسوخ ملكة العدالة فيهن , فما أقوى هذه الآية في الدلالة على جلالة قدرهن و طهارتهن طيلة حياتهن رضي الله تعالى عنهن و أرضاهن . و انظر الى تعزيز ذلك بتذييل الآية الكريمة بقوله تعالى : ( و كان الله على كل شيء رقيبا ) فما أبلغه في الدلالة على ما استفدناه من الآية الكريمة .
هذه مجموعة من الآيات الكريمة المرتبطة بموضوعنا , و هي تشكّل الأساس القرآني لتعظيم أمهات المؤمنين , و ما يترتب على ذلك من وجوب توقيرهن و حفظ حرماتهن , فضلا عن حرمة سبهن أو الطعن فيهن و العياذ بالله , و هن الطاهرات الطيبات العادلات . و قد اتضح أن حفظ حرمتهن إنما هو من حيث اهليتهن لذلك و استحقاقهن له لجلالتهن و عدالتهن و مكانتهن الحقيقية التي نزل بها القرآن الكريم . بل نستطيع القول بأنه ما من مطعن يذكره الطاعنون جاهلين أو مغرضين إلا و هو مردود من كتاب الله عزّ و جلّ سواء أكان طعنا في العقيدة أو في السلوك . و الطاعن بطعنه مضافا الى افترائه هو في الحقيقة رادّ على القرآن الكريم .
إن الطعن في أمهات المؤمنين و كذلك في صحابة رسول رب العالمين من المنكرات التي لا يقتصر على رفعها , لأنها لا تختصّ بوجوب الرفع فقط , و إنما هي من المنكرات التي يجب دفعها و المنع من وجودها , لأنها واجبة الدفع كما هي واجبة الرفع , فيجب اقتلاعها و تنقية ثقافة الأمة المسلمة منها , فثقافة الطعن هذه انحراف تسرّب الى ثقافة الأمة المسلمة التي تحفظ وحدتها و إطارها , فيجب رفعها و دفعها بالطرق الشرعية .
إن تعظيم الآل و الأصحاب لأمهات المؤمنين جاء امتثالا و التزاما بتعاليم القرآن و مفاهيمه . و على هذا النهج يجب أن يسير المسلمون جميعا . و أقول يجب أن لا يسمح أحد لنفسه أن يتطاول على أيّ من أمهات المؤمنين , لأن في ذلك انتهاكا لآيات القرآن الكريم , و ليس من العقل و لا المنهج العلمي الإعراض عن معطيات القرآن لأجل مرويات التاريخ في الوقت الذي تتحدد صحة و سقم المرويات من الأحاديث و الأحداث بمدى موافقتها أو مخالفتها لكتاب الله تعالى الذي هو الحق من الحق عزّ و جلّ . و الحمد لله رب العالمين

 

السابق

Twitter Facebook قناة الشيخ حسين المؤيد في اليوتيوب google + البريد الالكتروني
[email protected]

جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد

www.almoaiyad.com