الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور الأبحاث والدراسات
محاضرات الإمام المؤيد في أصول الفقه تعليقا على كتاب المستصفى للإمام الغزاليمقدمة الكتاب
في المنطق
قوله : نذكر في هذه المقدمة مدارك العقول
أقول : أي مُدرَكات العقل
قوله : و انحصارها في الحد و البرهان
أقول : في العبارة مسامحة , و المقصود انحصار طلبها في الحد و البرهان , فالمُدرَكات العقلية النظرية إن كانت تصورية كان تحصيلها بواسطة التعريف , و إن كانت تصديقية كان تحصيلها بواسطة البرهان , فالحد و البرهان هما طريقان لتحصيل العلم بالأمور النظرية , و ليس المقصود انقسام المُدرَكات العقلية الى الحد و البرهان .
قوله : و نذكر شرط الحد الحقيقي
أقول : التعريف إما أن يكون تعريفا لفظيا يتكفل ببيان المعنى الموضوع له اللفظ , أو تعريفا بالمثال , و هذا و ذاك ليس ما يُطلب في علم المنطق , و إنما يُطلب في علم المنطق التعريف الذي يقع جوابا عن ( ما ) الشارحة أو الحقيقية و الذي يبيِّن حقيقة الشيء المراد تعريفه , و هو الحد الحقيقي .
قوله : و شرط البرهان الحقيقي
أقول : هو الذي يصيب الحق و يستلزم اليقين بالواقع في مقابل ما لا يؤدي الى ذلك و منه المغالطات التي تكون شبيهة بالحق و لكنها لا تصيب الحق و هي شبيهة بالبرهان و ليست برهانا منطقيا .
قوله : و ليست هذه المقدمة من جملة علم الأصول
أقول : تقدم شرح ذلك في مباحث صدر الكتاب .
بيان حصر مدارك العلوم النظرية في الحد و البرهان
كان اللازم على المصنف رحمه الله تعالى أن يبدأ بتعريف العلم ثم يدخل في بيان التصور و التصديق , فهما من أقسام العلم . و لذا نبدأ بتعريف العلم , فنقول : عُرِّف العلم بأنه انطباع صورة الشيء في الذهن , و هذا التعريف ليس دقيقا لأمور ثلاثة :
الأول : أنه يختص بالإنعكاس العقلي المباشر , فحين يرى الإنسان شيئا كالكتاب مثلا , فإن صورة الكتاب ستنطبع في ذهنه , و الإنطباع هنا هو انعكاس لرؤية الكتاب , و هذا الإنطباع علم حاصل من الإنعكاس المباشر , و أما الشخص الذي يسمع كلمة ( كتاب ) و كان قد رأى الكتاب سابقا و عرف ما هو الكتاب , فإن ما يحصل في ذهنه ليس انطباع صورة الكتاب , و إنما حضور صورة الكتاب في ذهنه نتيجة لانطباع سابق , فالإنطباع تعبير يفيد الإنعكاس المباشر فقط .
الثاني : التعبير بالإنطباع يكاد يختص بالصور الذهنية الحاصلة من المحسوسات و ما شاكلها , و لا يشمل المعقولات المنتزعة , أو المدركات العقلية التي تعبِّر عن قضايا عقلية خالصة غالبا ما تدخل في عملية التفكير و الإستنتاج العقلي .
الثالث : إن هذا التعريف يختص بالتصور و لا يشمل التصديق إذ لم يتناول الإذعان الحاصل في العلم التصديقي .
و عرِّف العلم بأنه حضور صورة الشيء في العقل . و هذا التعريف و إن تخلَّص من الإيراد الأول الذي أوردناه على التعريف السابق , لأن حضور صورة الشيء في الذهن أعم من الإنطباع الحاصل من الإنعكاس المباشر و من استحضار الصورة التي كانت قد انطبعت , و من ثَم فإن هذا التعريف يختلف عن التعريف السابق فلا يصح ما ذُكر في بعض كتب علم المنطق من أنه لا فرق بين التعبير بالحضور أو الإنطباع , إلا هذا التعريف لم يتخلَّص من الإيراد الثاني و الثالث .
و هكذا نصل الى أن الصحيح في تعريف العلم أن يقال بأنه حضور الشيء في العقل بصورته أو قضيته الذهنية استتبعه إذعان أو لم يستتبعه إذعان .
و ينقسم العلم الى علم تصوري و علم تصديقي , فالتصور عبارة عن حضور الشيء في العقل بصورته أو قضيته الذهنية مجردا عن الإذعان بأية درجة من درجاته , بينما التصديق عبارة عن الحضور المقرون بالإذعان . هذا , و قد يطلق التصور المطلق , و يراد به العلم الأعم من التصوري و التصديقي .هذا
و يقابل العلم الجهل الذي هو عدم العلم ممن له الإستعداد للعلم , فالجماد لا يوصف بالجهل , لعدم قابليته للعلم , فالتقابل بين العلم و الجهل هو من تقابل الملكة و عدمها .
و ينقسم الجهل الى تصوري و تصديقي , فالعلم التصوري يقابله الجهل التصوري حيث لا حضور للشيء في الذهن سواء بصورته أو بقضيته الذهنية , و العلم التصديقي يقابله الجهل التصديقي حيث لا إذعان بالشيء .
كما ينقسم الجهل الى جهل بسيط , و هو أن يجهل الإنسان شيئا مع التفاته الى أنه جاهل به , و جهل مركب , و هو أن يجهل الإنسان شيئا وهو يتخيل أنه عالم به , غير ملتفت الى جهله , فسمي جهلا مركبا لأنه جهل بالواقع و جهل بالجهل به . و لا يصح إدخال الجهل المركب في العلم حتى لو تخيل المرء أنه عالم , لأن العلم لما كان عبارة عن حضور الشيء في العقل بصورته أو قضيته الذهنية , و لما لم يكن الشيء نفسه بصورته أو قضيته حاضرا و إنما كان الحاضر شيئا آخر يتخيل المرء أنه ذاك , فإن العلم بالشيء الذي يتخيل علمه به لم يتحقق , فلا يمكن أن يدخل في العلم .
قوله : إعلم أن إدراك الأمور على ضربين
أقول : اقتصر المصنف رحمه الله تعالى على تعلُّق التصور بالذوات المفردة , مع أن التصور يتعلق بمعاني الكلمات من الأسماء و الأفعال و الحروف , و يتعلق بالمركبات الناقصة , كالمضاف و المضاف اليه , و الصفة و الموصوف , و أيّاً من طرفي الجملة الشرطية , و هلم جرا , و يتعلق بالنسب كتصور التساوي بين الزاويتين القائمتين , و تصور النسب الناقصة , و تصور النسب التامة , و تصور النسب الإنشائية في جمل الأمر و النهي و الإستفهام و التمني و ما شاكل . نعم ليس للتصديق إلا مورد واحد و هو النسبة الخبرية التامة , حيث يتعلق بها التصديق من حيث المطابقة مع الواقع و عدمها . هذا
و ينقسم التصديق حسب الدرجة الإحتمالية للخبر الى يقين و ظن , لأن الإذعان بالقضية إن كان بمستوى الترجيح الذي ينطوي على نفي أي احتمال آخر فهو إذعان يقيني يصل الإنسان فيه الى درجة اليقين , و إن كان ينطوي على احتمال آخر لكن بدرجة أقل فهو إذعان ظني يترجح فيه احتمال على آخر .
و أما إن تساوى طرفا القضية من حيث الدرجة الإحتمالية , فإن معنى ذلك انتفاء الإذعان و التصديق , و حصول الشك الذي يندرج في الجهل , و لذا يقول الشاك : لا أدري تعبيرا عن جهله التصديقي بالقضية . و يندرج في الجهل أيضا الوهم حينما تكون النسبة الإحتمالية للقضية هي الأقل من النصف , فيتحقق الإذعان في الطرف المحتمل بدرجة الظن , و يتحقق الجهل و عدم الإذعان في الطرف المحتمل بدرجة الوهم .
قوله : و أقل ما يتركب منه خبر مفردان , وصف و موصوف
أقول : أي مفردان بينهما نسبة تامة , و أما المفردان الذي بينهما نسبة ناقصة فلا يتركب منهما خبر و لا جملة , و من هنا فإن النسبة بين الوصف و الموصوف إن كانت ناقصة لم يتركب منهما خبر , و لا يتعلق بهما تصديق , كقولك : زيد العادل , فهما كالمضاف و المضاف اليه مركب ناقص . نعم إذا كانت بين المفردين نسبة تامة تركب الخبر و تعلق به التصديق , كقولك : زيد عادل .
قوله : و لا بأس أن يصطلح على التعبير عن هذين الضربين الخ
أقول : بل دقة مسائل العلوم تقتضي وجوب الدقة في التعبير , و وجوب التمييز في المصطلح و الألفاظ , و الألفاظ معبرة عن المعاني , فإذا كانت المعاني مختلفة , لزم أن تكون التعابير اللفظية عنها مختلفة أيضا , لا سيما في مجال التعبير العلمي .
قوله : و قد سمى المنطقيون معرفة المفردات تصورا
أقول : بل سموا معرفة كل ما يتعلق به التصور من مفردات و مركبات ناقصة و نسب .
قوله : معرفة النسبة الخبرية
أقول : معرفة النسبة الخبرية إن كانت مجردة عن الإذعان فهي تصور , و قد تقدم تعلُّق التصور بالنسب . نعم معرفة النسبة الخبرية التي تنطوي على الإذعان بالنسبة تسمى تصديقا .
قوله : و سمّى بعض علمائنا الأول معرفة , و الثاني علما , تأسيا بقول النحاة الخ
أقول : هذه التسمية خروج عن الإصطلاح المنطقي المقرر من قبل المناطقة أولي الشأن فيما نحن فيه , و هي تسمية لا تقوم على أساس صحيح , لأن المعرفة كالعلم تتعدى الى مفعولين , فتقول : عرفتك شهما , فإن ( عَرفَ ) من أفعال القلوب التي يكون معناها العلم أو الرجحان , فتأخذ مفعولين .
قوله : و كل علم يتطرق اليه تصديق , فمن ضرورته أن يتقدم عليه معرفتان
أقول : بل تتقدم عليه ثلاث معارف , إذ لا بد من تصور الموضوع و المحمول و النسبة بينهما , فالخبر الذي يتعلق به التصديق عبارة عن قضية لها موضوع و محمول و نسبة , و لا بد أن يتعلق بها التصور قبل تعلق التصديق .
قوله : و معرفة المفردات قسمان
أقول : ينقسم العلم سواء أكان علما تصوريا أو علما تصديقيا الى ضروري و نظري , فالعلم الضروري و يسمى البديهي أيضا هو ما لا يحتاج في حصوله الى نظر و عملية فكرية و استدلال , كتصورنا لمعنى الماء , و تصديقنا بأن الكل أكبر من الجزء . و العلم النظري هو ما يحتاج الى عملية فكرية و نظر و استدلال , كتصورنا لحقيقة الذرة أو الكهرباء , و تصديقنا بكروية الأرض .
و العلم التصوري النظري يحتاج الى التعريف و الحد , فهو الذي يُعَرِّف الأشياء التي لا تُعْرَف بالبداهة , و العلم التصديقي النظري يحتاج الى البرهان , إذ به يصل الإنسان الى الإذعان بالقضايا . و هكذا يتضح أن المُدرَكات العقلية النظرية ينحصر طلبها بوسيلتي الحد و البرهان , فالتصوري النظري يتم تحصيله بالحد , و التصديقي النظري يتم تحصيله بالبرهان , و من هنا كان مدار علم المنطق على قطبي الحد و البرهان .البريد الالكتروني
[email protected]جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد