الرئيسية شذرات الفتاوى الأسئلة والاستفتاءات المقالات الأبحاث والدراسات المحاضرات البيانات مشروع الميثاق الوطني اللقاءات الإعلامية السيرة الذاتية الصور
 

الأبحاث والدراسات

محاضرات الإمام المؤيد في أصول الفقه تعليقا على كتاب المستصفى للإمام الغزالي

نسبة علم اصول الفقه إلى العلوم الأخرى

2- بيان مرتبة هذا العلم و نسبته الى العلوم

قوله :- إعلم أن العلوم تنقسم الى عقلية كالطب و الحساب و الهندسة , و ليس ذلك من غرضنا , و الى دينية كالكلام و الفقه و أصوله الخ .
أقول :- قد تقرر في علم المنطق أن من أصول القسمة تباين الأقسام , فلا تكون متداخلة , و أن تؤسس القسمة على أساس واحد , فتلاحظ في المقسم جهة واحدة , و باعتبارها يكون التقسيم , لأن الشيء الواحد ربما يكون مقسما لعدة تقسيمات بلحاظ اختلاف جهة القسمة .
و بناء على ذلك , لا يكون تقسيم العلوم الى عقلية و دينية منسجما مع أصول القسمة المنطقية , فعلم الكلام و إن كان علما دينيا , إلا أنه من العلوم العقلية , فهو يسلك سبيل الإستدلال الفلسفي و العقلي لإثبات وجود الله تعالى و وحدانيته , و النبوة العامة , و مسألة الجبر و الإختيار , و مسألة الصفات , و مسألة الحسن و القبح , و أصل المعاد و فلسفته . و علم أصول الفقه يتناول مباحث عقلية , و لا يقتصر على المباحث اللفظية . أضف على ذلك أن أن القسمة المذكورة غير حاصرة , و هي شبيهة بتقسيم العلوم مثلا الى نقلية و رياضية , لوضوح أن من العلوم ماهو غير نقلي و غير رياضي , فمن العلوم ما هو غير ديني و غير عقلي كعلم التاريخ , و إذا اعتبر علم التاريخ عقليا , فلا محالة يكون علم الكلام و علم أصول الفقه و علم الباطن من العلوم العقلية . نعم كان الصحيح أن يقسِّم العلوم الى دينية و غير دينية , و يؤسِس القسمة على أساس واحد و بلحاظ جهة واحدة , فيرتفع الإشكال . أو يقسِّمها الى عقلية و نقلية .
قوله :- و كل واحد من العقلية و الدينية ينقسم الى كلية و جزئية .
أقول :- يريد بالكلية و الجزئية معنى العام و الخاص , فكان من الدقة أن يقسِّم كل واحد من العقلية و الدينية الى عام و خاص , فالكلي في الإصطلاح هو ما لايمتنع صدقه على كثيرين , و الجزئي الحقيقي هو ما يمتنع صدقه على كثيرين , و من الواضح عدم انطباق مفهوم الكلي هنا على علم الكلام بالنسبة الى سائر العلوم الدينية , فهي ليست من مصاديقه . نعم يريد المصنف رحمه الله تعالى أن يبيِّن أن علم الكلام هو علم عام بالنسبة الى العلوم الدينية الأخرى التي لا يكون النظر فيها إلا الى جهة خاصة , بينما النظر في علم الكلام هو الى جهة عامة , و في مثل ذلك ليس من الدقة التعبير بالكلي و الجزئي , و كون علم الكلام هو العلم الأعلى في الرتبة , و منه يكون النزول الى العلوم الدينية الأخرى , لا يعني أن الإنتقال منه اليها هو انتقال من الكلي الى الجزئيات , فهي ليست أفرادا له , و إنما هو انتقال من علم ذي غرض و نظر عامين الى علوم ذات غرض و نظر خاصين , فالعموم و الخصوص هما بلحاظ مركز البحث .
مع أن جعل علم الكلام علما عاما غير صحيح أيضا فهو علم خاص بلحاظ مركز البحث , لأنه ينصبُّ البحث فيه عن العقيدة , فيكون خاصا , اله حال سائر العلوم الدينية التي لا يكون النظر فيها إلا الى موضوع خاص . و أما العلم العام فهو علم الفلسفة الذي يكون البحث فيه عن الوجود و الموجود .
قوله :- و المتكلم هو الذي ينظر في أعم الأشياء و هو الموجود .
أقول :- ليس هذا ما ينظر فيه المتكلم , و إنما هو ما ينظر فيه الفيلسوف , و أما المتكلم فمسائل الموجود تعَدُّ من مباديء علم الكلام عنده و ليس من مسائله , لأن موضوع علم الكلام هو العقيدة , و ليس الوجود و الموجود .
قوله :- فالمتكلم هو المتكفل بإثبات مباديء العلوم الدينية كلها .
أقول :- المتكلم محتاج الى العلوم الدينية حين يبحث في مسائل العقيدة التي تحتاج الى إثبات من الكتاب و السنة و الإجماع و ما شاكل , كما أنه ليست كل مسائل علم الكلام مباديء تصورية أو تصديقية للعلوم الدينية الأخرى , فهناك فرق بين ما يثبت العقيدة التي ترتكزعليها علوم الدين , و ما يكون مباديء تصورية أو تصديقية لهذه العلوم , فمسائل علم الكلام ليست مباديء تصورية أو تصديقية لعلم الرجال أو الدراية مثلا .
قوله :- و ذلك أنه ما من علم من العلوم الجزئية إلا و له مباديء تؤخذ مسلمة بالتقليد في ذلك العلم .
أقول :- التعبير بالتقليد غير صحيح , و إنما المباديء التصديقية التي يستدل بها على ثبوت المحمول للموضوع , تارة تكون بديهية و تسمى علوما متعارفة , و أخرى تكون نظرية إلا أن المتعلم يذعن بها , و تسمى الأصول الموضوعة , و قد لا يذعن بها و تسمى المصادرات . فلا يصح التعبير بالتقليد .
قوله :- فكل عالم بعلم من العلوم الجزئية , فإنه مقلد لا محالة في مباديء علمه .
أقول :- قد عرفت أن التعبير بالتقليد هنا غير صحيح , و العالم ربما تكون القضية عنده بديهية فكيف يكون مقلدا , و ربما لا يذعن بها و تكون عنده مصادرة , و ربما أذعن بها لقيام الدليل عنده عليها . على أن ذلك لا ينحصر بما أسماه المصنف رحمه الله تعالى بالعلوم الجزئية , بل هو قائم أيضا في علم الكلام الذي اعتبره هو علما كليا , فلا بد أن تكون له مباديء تصورية أو تصديقية , و ربما كانت من البديهيات , و ربما كانت من الأصول الموضوعة , و ربما كانت من المصادرات .
ثم إن المصنف رحمه الله تعالى لم يذكر إلا نسبة علم الكلام الى العلوم الدينية الأخرى , و كان اللازم أن يجعل محور البحث في هذه النقطة نسبة علم أصول الفقه الى العلوم الأخرى التي تقع في طريق الإستدلال الفقهي , فالكتاب معدٌّ لأصول الفقه , و العنوان المعقود هنا هو مرتبة علم أصول الفقه , و نسبته الى العلوم الأخرى , مع أن محور بحث المصنف في هذه النقطة كان بيان مرتبة علم الكلام بالنسبة الى العلوم الدينية , و مجرد ذكر مركز البحث في علم التفسير و الحديث و الفقه و أصول الفقه لا يكفي فنيا لمعرفة النسبة بين علم أصول الفقه و العلوم الدينية الأخرى , و ما تمتاز به المسائل الأصولية عن مسائل العلوم الأخرى التي تقع في طريق الإستدلال الفقهي . على أن المصنف رحمه الله تعالى في بيانه لبحث الأصولي أعطى صورة ناقصة عنه إذ قال : ( و يأخذ الأصولي واحدا خاصا , و هو قول الرسول الذي دلّ المتكلم على صدقه , فينظر في وجه دلالته على الأحكام , إما بملفوظه , أو بمفهومه , أو بمعقول معناه و مستنبطه , و لا يجاوز نظر الأصولي قول الرسول عليه السلام و فعله , فإن الكتاب إنما يسمعه من قوله , و الإجماع يثبت بقوله ) .
و يتضح وجه الخلل في هذا الكلام مما ذكرناه في مباحث تعريف علم الأصول و بيان موضوعه , كما تتضح نسبة علم أصول الفقه الى العلوم الأخرى التي تقع في طريق الإستدلال الفقهي مما ذكرناه هناك في بيان ضابطة القاعدة الأصولية , و ما تمتاز به عن مسائل العلوم الأخرى التي تقع في طريق الإستدلال الفقهي .

البداية

 

Twitter Facebook قناة الشيخ حسين المؤيد في اليوتيوب google + البريد الالكتروني
[email protected]

جميع الحقوق © محفوظة للمنتدى العلمي
مكتب سماحة الإمام الشيخ حسين المؤيد

www.almoaiyad.com